يحل علينا يوم 14 أكتوبر المجيد ويحتفل الجنوبيون به تخليداً لثورتهم التي انتصروا فيها على الاستعمار وحرروا الجنوب من الاحتلال البريطاني بعد أن انتصر إخوتهم الشماليون في الشمال في 26 سبتمبر 1962 وقضوا على حكم الإمامة والتخلف.
وفي الحالتين كان لأبناء الجنوب إسهام لا ينكر في إنجاح ثورة الشمال كما كان لأبناء الشمال إسهام مماثل في إنجاح ثورة الجنوب.
وبصرف النظر عما تنشره صحف يمنية أو سطرته أقلام يمنية في الشمال أو الجنوب أو في المهاجر العربية والأجنبية فإن الرواة في اليمن وغيرهم يقرون بأن الشهيد الرمز لثورة الشمال التي سبقت ثورة الجنوب كان البطل علي عبدالمغني يرحمه الله في مجموعة الضباط الأحرار وأن الشهيد الرمز لثورة الجنوب كان البطل راجح لبوزة من جبال ردفان الشماء وللثورتين شهداء آخرون كما يقول المؤرخون والرواة.
لقد ضحى شهداء بأرواحهم في مراحل سابقة لتحرير إرادة الجماهير في جمهوريتي الشمال والجنوب وتحقق الخلاص من سيطرة النظامين السابقين في عدن ومحمياتها الشرقية والغربية ومن قبله في صنعاء وتعز وإب والحديدة والمشرق. ونشأت جمهوريتان في اليمن: الأولى في صنعاء والأخرى في عدن. وهنا يبرز السؤال الذي لابد أن يجد له إجابة واحدة صريحة ومباشرة لا تحتمل المواربة أو المغالطة فالاحتفالات الاستعراضية بالخطاب والعرض العسكري لم تعد تجدي نفعاً.
واليوم دعونا نجد أجوبة لا لبس فيها ولا غموض .. هل حقاً قامت ثورة في الشمال وأخرى في الجنوب وتحرر مواطنو شمال اليمن من نظام الإمامة وتحرر مواطنو الجنوب من الاستعمار.؟ وهل زالت مظاهر وممارسات مراكز القوى المنفذة والمتسلطة على ثورات وخيرات وإمكانيات وطن وشعب في الجمهوريتين. وهل حققت وحدة العليين ما يستحق الذكر غير سوء انفراد أحدهما بكل السلطة وتأسيس نظام الأسرة والقبيلة والعسكر.
والقيام بممارسات غير خاضعة للدستور والقانون أو حتى الأعراف التقليدية المعروفة في الشمال وتلك المتبقية منها المتعارف عليها في الجنوب.
والجميع يعلم بأن الأمام أحمد يرحمه الله كان حين يبلغ في مقامة الشريف كما كانوا يطلقون عليه، عن أنشطة معادية له يقول للمصدر: هل لديك أدلة قاطعة - نحن لا نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده.!
وكان تداول السلطة من بعد الإمام قد آل إلى الرؤساء السلال فالارياني والحمدي. ولم يكن أي منهم يظلم ويفسد ويرتكب المحرمات. وبالمثل لم يكن قحطان محمد الشعبي أو فيصل عبد اللطيف أو محمد علي هيثم أو ناصر بريك أو السلاطين علي عبدالكريم أو محمد بن عيدروس أو القعيطي أو الكثيري أو عبد الله عثمان الفضلي أو صالح بن عبد الله الفضلي ممن تولوا سلطة في الجنوب من المفسدين.
وكانت الرموز من الرواد الأوائل في الشمال وأذكر منهم القاضي الإرياني والنعمان والزبيري والموشكي والوزير والوريث والرعيني والوجيه والورتلاني وصبرة والجائفي والسكري وآخرين ونظراءهم الرواد الأوائل من الجنوب محمد علي لقمان ومحمد علي الجفري وعلي محمد لقمان وشيخان الحبشي ومحمد حسن خليفة وعبد القوي مكاوي وعبده حسين الأدهل وأحمد محمد الأصنج وأحمد عمر بافقيه والشيخ محمد سالم البيحاني والشيخ علي محمد باحميش والشيخ محمد عبد الله المحامي وأمين قاسم سلطان وعلي محمد ذيبان والشيخ كامل صلاح وحمزة محمد ناصر والشيخ الغرباني وعبد الله حاتم وأحمد علي اليافعي وعلى اسماعيل تركي وأحمد عبد الله الدبعي وسالمين باسنيد وعلي محمد بازرعة وعقيل عباس وآخرين.
لقد أبلى هؤلاء القادة والزعماء الرواد بلاء حسناً وأسسوا مدرسة للفكر والنضال في الشمال والجنوب وساد الاحترام والثقة والتعاون في تعاملاتهم مع بعضهم البعض ومع الغير من العرب والأجانب. وأقاموا جسور العلاقات الثقافية والسياسية مع قرناء لهم في مصر ولبنان والعراق والمغرب والهند ولاحقاً في الباكستان وأندونيسيا وعواصم أخرى.
وياريت لو أخذت القيادات الوطنية الشابة التي احتلت على فترات مكانة الريادة بتجربة الجيل الأسبق فالسابق. وللأسف والمحزن معاً أن الأجيال هذه التي خلفت جيل الرواد لم تقو على التحرر من مؤثرات أجواء فترة الرواج للثورات والانقلابات التي سادت المنطقة العربية.
ولم تقو على التصدي للانتماء الحزبي والطائفي والقبلي كشرط ضامن لاحتكار السلطه على حساب التنكر للمصلحة العامة والوطنية العليا واتجهت بوعي وبدونه نحو الإقصاء والتصفيات الجسدية والتنابز بأقبح النعوت والأوصاف على حساب واجب البناء والنماء.
وعودة إلى السؤال المر.. لقد زالت الإمامة ولم يعد لها ولأتباعها نفوذ يذكر بينما غرق رواد الفكر والسياسة الجدد ورثة ثورتي أكتوبر وسبتمبر في مستنقع تصفيات جسدية للخصوم والرفاق معاً وتعرض السادة الهاشميون شمالاً للحقد والتصفيات في الشمال وأما في الجنوب فقد كان رواد الفكر الذين نشروا دعوة النضال الوطني وعملوا على ربط عدن المدينة بما حولها من المحميات الجنوبية شرقية وغربية هم من أبناء عدن وأبناء محمياتها ومن أنحاء مناطق الشمال المقيمين فيها للتجارة والعمل والتعليم.
والمشهد اليوم يؤكد أن ثورة سبتمبر في الشمال لم تحقق من أهدافها سوى القليل من السهل الممتنع وأهدرت من الإمكانيات والفرص المتاحة الكثير والكثير جداً.
وأن ثورة أكتوبر في الجنوب حققت من الفوضى والحقد المقدس وتصفيات الأخوة الأعداء لبعضهم البعض الكثير جداً. وأن المستوى العام ومعدلات التنمية قد تدهورت عما كانت عليه قبل ثورة 14 أكتوبر المجيدة.
• وعليه فإن الأموال التي تهدر للاحتفالات بذكرى أكتوبر منذ العام 1968م
• والأموال التي تهدر للاحتفال بذكرى سبتمبر منذ العام 1962 وأكتوبر لامبرر لها على الإطلاق.
• أموال عامة بالملايين تنفق كل سنة بسفه بالغ كان من الأنفع لو يجري إنفاقها لشق طريق أو تشييد مدرسة ومستشفى ومصنع وحقول وتأسيس محكمة لمحاربة واجتثات الفساد والمفسدين في مفاصل الدولة ومحاكمة الطغاة أعداء الشعب وثورتي سبتمبر في الشمال وأكتوبر في الجنوب.
*عضو اللجنة الفنية للحوار الوطني
وزير خارجية الجمهورية العربية اليمنية الأسبق
عبدالله الأصنج يكتب لأول مرة لصحيفة (14 أكتوبر) : في ذكرى ثورة 14 أكتوبر
أخبار متعلقة