تعددت تعريفات مفهوم المجتمع المدني بتعدد الفلسفات ومناهج المعرفة التي تناولته بالدراسة، و يمكن أن نعرفه بأنه: مجموع التنظيمات، غير الحكومية، التي يقوم نشاطها على العمل التطوعي، الذي لا يستهدف الربح ،ولا تستند فيه العضوية على روابط الدم و القرابة.
فالمجتمع المدني في يمننا الجديد مجرد مصطلح لم يرتق إلى مستوى المفهوم ، ولهذا الأمر أسباب كثيرة أحاول بيان بعضها لاحقاً، لكنني أؤكد باستمرار أنه يجب علينا الفرز بين المصطلح والمفهوم.
لقد كثر الحديث عن المجتمع المدني مؤخرا، و الحديث عن المجتمع المدني وكثرة المنظمات المدنية التي تعد طفرة كمية وليست نوعية في التوجه الجديد للإنسان اليمني الذي حصل على بصيص من الحرية لكي يشارك في عملية بناء الدولة المدنية .
فالتعبير عن مفهوم المجتمع المدني بحاجة لثقافة ووعي خاص وعام، فلا يمكن نشر المصطلح كعبارة يتعارف عليها المواطن اليمني ، وبعد أن يصطدم ببعض السلبيات يتحول المصطلح إلى وبال عوضاً عن أن تكون المنظمات المدنية مساهمة في تطور المواطن والمجتمع.
فهناك تعريف للمجتمع المدني، وتعريف للمنظمات المدنية...وحسب رأي مصطلح المؤسسات المدنية تكون أشمل وأكمل. ولا يمكنني الزيادة على التعريف المتعارف عليه فيما يخص المجتمع المدني: فهو مجتمع متطور يحتكم للقانون ويجمع جميع أطيافه رابط انتمائهم لوطن واحد ذات دستور واضح وقوانين منصفة إن لم نقل عادلة...فهو مجتمع في تطور مستمر ويواكب العصر بكل زواياه...والمؤسسات المدنية تعتبر المحرك والقلب النابض للمحافظة على مفهوم المجتمع المدني فتساهم في توعية المواطن وتجعل منه إنساناً مشاركاً في صنع القرار الذي تكون نتائجه له وعليه. والمجتمع المدني يعتبر الدستور المصوت عليه من قبل الشعب بمثابة عقد اجتماعي بين كافة أطياف الشعب يحتكمون ويرجعون إليه لحل مشاكلهم فلا يكون هناك حكم آخر ولا أي تدخلات أخرى لا قومية ولا دينية ولا عرقية ولا طائفية...لكن السؤال أين هذا من اليمن الجديد؟.
*أسباب أن المجتمع المدني مجرد مصطلح...ولم يصل إلى مستوى المفهوم:
- أغلب الأحزاب النافذة شكلت عدداً كبيراً من المنظمات كواجهات تخدم مصالحها.
- الحكومة أجبرت للتدخل في شؤون المؤسسات المدنية وذلك من خلال استحداث وزارة حقوق الانسان .
- التمويل الخارجي جعل العديد من المؤسسات المدنية تابعة للخارج بصورة وأخرى.
- عدم وضوح مهام المؤسسات المدنية لدى القيادات النافذة بصورة دقيقة جعلتها غير مكترثة لأهمية هذه المؤسسات بالشكل المطلوب والمفروض.
- كثرة الأزمات السياسية والأمنية وضعت الحكومة في طريق ضيق وباتت لها نظرة خاصة للمؤسسات المدنية.
- عدم توحد جهود المنظمات المدنية من خلال التشبيك.
وبالتأكيد هناك أسباب أخرى لدى العديد من المختصين والذين مارسوا العمل ميدانياً في وطننا الغالي .
لكن ليس من المنطقي طرح الأسباب والمشاكل دون وضع حلول آنية وأخرى مستقبلية. ومن الحلول التي أراها آنية قريبة يمكن تطبيقها دون الحاجة لوقت طويل أو تمويل كبير:
- القيادات اليمنية في الدولة بحاجة لدورات مكثفة للتعرف على أهمية المجتمع المدني ودور المنظمات في بناء المجتمع المدني.
- التزام الدولة اليمنية ومن خلال الدستور أن لا تتدخل السلطة التنفيذية في عمل المؤسسات المدنية (وأهم سبب لذلك هو أن هذه المؤسسات رقيبة على عمل السلطات ومن غير المنطقي أن يلتقي الدور الرقابي والدور التنفيذي) أو أي تداخل بينهما.
- تخصيص نسبة بسيطة من ميزانية الدولة ضمن ضوابط قانونية ومالية لدعم مشاريع المؤسسات المدنية.
- إنشاء مفوضية بداية مشتركة (شبه رسمية) تحت رعاية الدولة وليس السلطة التنفيذية...تتكون من عدد من المختصين في علم النفس الاجتماعي والقانون والمؤسسات الفاعلة وذات التجربة الميدانية والعلمية.
- تشبيك المنظمات المتشابهة في الأهداف داخل جميع المحافظات وتشبيك عام بين التشبيكات على مستوى الوطن.
- جمع كل أنواع التمويل الخارجي من البنك الدولي أو من المنظمات العالمية في صندوق خاص تطلق منه أموال لتمويل مشاريع المؤسسات المدنية وفقاً لضوابط قانونية.
- على البرلمان اليمني تشريع قانون عمل المؤسسات المدنية بطريقة تسهل دورهم المهم وتهيئ لهم الأجواء الداعمة لتطوير هذه المؤسسات وبالتالي تطوير المجتمع المدني اليمني. شرط أن لا يكون للسلطة التنفيذية ولا الأحزاب أي نوع من أنواع التدخل في عملها ونشاطها...وأن لا تستغل المؤسسات المدنية لدعم جهة حزبية داخلية أو خارجية.
يمكننا خلق أجواء مناسبة من أجل التوصل لإنشاء مؤسسات مدنية بطريقة علمية، ونتحول من مجتمع متمسك بالمصطلحات إلى مجتمع يطبق المفهوم على أرض الواقع لكي يستفيد من النتائج ويفيد. فالطريق طويل وفيه العديد من العثرات، ولكن ليس بالمستحيل نيل الأهداف المرجوة.
لكن أمامنا مشكلة مهمة وهي أن أغلب القوى تتصارع مع بعضها لأنها تمتلك الحقيقة الأبدية ولا تتنازل بعض الشيء عن حقوقها من أجل الوطن والمجتمع. فلو فرضنا أن الأحزاب النافذة والتي في طريقها للحكم حصلت على المعرفة النوعية لخلقت أجواء مناسبة تسهل عملية بناء مجتمع مدني.
أتمنى من المختصين الحوار في هذه المواضيع المطروحة خدمةً للمجتمع اليمني لعل وعسى أن نصل لطريقة وأسلوب لبناء مجتمع مدني ليمن جديد .
المجتمع المدني لبناء اليمن الجديد
أخبار متعلقة