عبده منصور المحمودي تأتي مجموعة ( قطرات روح) التي نحتفي بها اليوم للقاصة المبدعة نجاح حميد الشامي إضافة جديدة للمكتبة السردية في الأدب اليمني المعاصر. ووفقاً لما تحدثه المجموعة من مثيرات في ذهن المتلقي واستقراء لسماتها الفنية يمكننا قراءتها في أربعة محاور، الأول : عنوان المجموعة ولوحة الغلاف والثاني : تقنيات الكتابة الإبداعية والثالث : لغة المجموعة والرابع : المضامين الاجتماعية في نصوص المجموعة. [c1]المحور الأول: العنوان ولوحة الغلاف [/c]يمثل عنوان أي عمل إبداعي العتبة الأولى التي يلج المتلقي منها إليه وعنوان هذه المجموعة هو « قطرات روح» ويتضح انه مكون من نكرتين الثانية منهما مضافة إلى الأولى ( قطرات + روح) وقد أضفى التنكير على العنوان ممكنات دلالية متأتية من اللا تحديد الدلالي القطعي مع أن الدلالة الضمنية للعنوان توحي بأن كل نص من نصوص هذه المجموعة بمثابة قطرة من روح كاتبتها نجاح الشامي لا سيما إذا نظرنا إلى علاقة العنوان بقصص المجموعة إذ نجد انه واحد من عناوين نصوص المجموعة وهو النص (قطرات من روحي) مع تحوير بسيط متمثل في إضافة الضمير (ياء المتكلم) إلى (روح) وإضافة حرف الجر (من) بين (قطرات) و(روحي) وبهذا التحوير البسيط اتسم العنوان بطابع من العمومية كما مثل تجريباً مخالفاً للسائد عند كثير من المبدعين الذين يعنونون إصدارهم / إصداراتهم بعنوان واحد من نصوص الإصدار كما هو دون تحوير. وجاء غلاف المجموعة متضمناً لوحة فنية فيها صورة امرأة ممسوحة معالم الوجه تعلوها فراشة تقطر دماً وفي ذلك رمزية لمجتمع الكاتبة الذي لا يتضح في كثير من مفاصله تميز لشخصية المرأة رأياً وفكراً وثقافة وكذلك ترمز الفراشة إلى المرأة المجروحة بالسطوة الذكورية المجتمعية. وهناك ايضاً إمكانية أن تعد هذه الفراشة الجريحة رمزاً لقلب المرأة المجروح الذي يقطر دماً فالفراشة في الغلاف تبدو في إطلاقها من مكان قلب المرأة في اللوحة الفنية. ويتضح أن هناك علاقة دلالية بين ماهية لوحة الغلاف وبين مضامين نصوص المجموعة فالكاتبة امرأة وكثير من النصوص تدور حول المرأة وتأتي توصيفاً لهذه اللوحة كما أن الفراشة الموجودة رسما في اللوحة وردت لفظاً مسبوقاً بحرف الجر (الكاف) الدال على تشبيه المرأة بالفراشة في موضعين من نصوص المجموعة الموضع الأول في النص الذي حور عنوانه عنواناً للمجموعة ( قطرات من روحي) في هذه الجملة: وأحاول أن أطير كفراشة صنعتها يوماً فيحرقني ضوءك» أما الموضع الثاني فورد في النص ( دوائر): لترمي كلماتي المتواطئة مع قلبك كفراشة بللها المطر على عجل « كما أن لعنوان المجموعة ارتباطاً دلالالياً آخر بلوحة الغلاف فـ( قطرات روح) في العنوان هي قطرات الدم تلك النازفة من جسد وروح فراشة لوحة الغلاف. بهذه التعلقات الدلالية البصرية واللفظية للعنون ولوحة للغلاف بمعية استقراء نصوص المجموعة تجسدت فنية التناسق والانسجام بين العنوان واللوحة ونصوص المجموعة ولا أريد أن أكون متعسفاً في تفسير هذه التعاليق لكن هذا ما يمكن استيضاحه من ذلك بجلاء. [c1]المحور الثاني: تقنيات الكتابة الإبداعية: [/c]تتسم نصوص المجموعة بسمات الكتابة الإبداعية الجديدة التي تتداخل فيها الأجناس الأدبية تلك الكتابة التي يصفها استأذنا الدكتور عبدالعزيز المقالح في تقديمه لهذه المجموعة بأنها كتابة تتواصل مع السردي وتقترب من الشعر وتبدأ مسار التجديد السردي المتجاوز لسمات التقليد. وتتضح ملامح هذه الكتابة بالوقوف على بعض التقنيات الفنية الموظفة في إبداع النصوص كتوظيف أنماط السرد وتقنيتي المقابلة والمفارقة. [c1]1 - أنماط السرد: [/c]من الواضح أن نصوص المجموعة قد توزعت بين نمطين سرديين هما: نمط ضمير المتكلم ونمط الراوي العليم. أ- ضمير المتكلم: في هذا الأسلوب السردي يروي السارد احداثاً عن نفسه وقد وردت عدد من نصوص المجموعة بلسان الراوي متحدثاً عن نفسه الذي هو هنا الكاتبة من ذلك مثلاً سرد النص ( وحدي) بضمير المتكلم كما في قول الساردة: « في إحدى الحدائق الصغيرة.. جلست وحدي أسندت ظهري المنحني على احد المقاعد محاولة تسويته ومددت ثلاث أرجل إحداهن كان عكازاً لم يفارقني منذ أعوام. وفي إطار هذا النمط السردي سردت هذه النصوص من نصوص المجموعة (مدينتي ، قطرات من روحي، الأمس ، موعد ، دوائر ، سلالم). [c1]ب- الراوي العليم : [/c]من خلال هذا النمط السردي يصبح الكاتب فيه قادراً على بناء عالم تخييلي قصصي غني واسع ومعقد على حد تعبير الدكتورة يمنى العيد. وفي مجموعة ( قطرات روح) نجد هذا النمط وسيلة لرواية تفاصيل حياتية متعلقة بالرجل والمرأة معاً . ففي نص ( الوحش) مثلاً يظهر الراوي العليم متحدثاً عن تفاصيل متعلقة بالرجل فهذا الرجل: سار ببطء ثم آب راجعاً عندما أحس صوتاً كحفيف الأفعى لامس اذنيه ... ويقول الراوي العليم ايضاً :» وباصرار اغمض عينيه بقوة ثم اخرج من جيبه خنجراً وبدون أن يفكر هوى به على ظهر وأماكن متفرقة من جسد غريمه.وعلى هذا النسق سرد الراوي العليم من مجموعة ( قطرات روح) احداثاً متعلقة بالرجل في النصوص )مبتدأ ، خمس دقائق، خصوصيات، مرآة، أشباح ، يوم بالانجليزية ، رسائل، قطعة إسفنج). ومن تفاصيل حياة المرأة المروية بهذا النمط السردي النص ( البرق) فالمرأة فيه : « دلفت إلى المطبخ بعد أن أحكمت اغلاق جميع النوافذ .. أشعلت النار في الموقد فانتشر الدفء في أركان المنزل ، وشعر الجميع بالنشوة.. كما سردت النصوص ( تسوق، دفء، السنابل) المتعلقة بحياة المرأة ايضاً بهذا النمط السردي. وبذلك يتضح مدى اعتماد الكاتبة على هذين النمطين السرديين في كتابة نصوص المجموعة. كما تبدو المواءمة - باعتبار النوع - في توزيع نصوص المجموعة على النمطين إذ اقتصرت في أسلوب ضمير المتكلم المتحدث عن نفسه على نصوص متعلقة تفاصيلها بحياة المرأة أما الرجل ( الغائب) فقد كان نصيبه النمط الثاني ( الراوي العليم) وكان بإمكان القاصة تقمص شخصية الرجل وسرد بعض تفاصيل حياته بأسلوب ضمير المتكلم . [c1]2 - المفارقة [/c]مثلث المفارقة واحدة من تقنيات الكتابة الإبداعية لنصوص هذه المجموعة فنجد على سبيل المثال في النص ( الوحش) هذه المفارقة: كان الطريق ضيق مكتظاً بالمفاجآت» فهذه المفارقة واضحة بين الطريق المحسوس الموصوف بالضيق وبين المفاجأة المجردة الموصوفة بالكثرة. كما نجد ذلك ايضاً في هذه المفارقة القائمة بين شعورين : الأول ، شعور الفتاة المتحرقة شوقاً للوصول إلى موعد لقائها بحبيبها وشعور هذا الحبيب البعيد عن شعورها وعما رسمته له مليتها من شعور متجانس مع شعورها المتجسد في قولها: « قلبي كان قد استقل دراجة نارية وسبقني منذ أكثر من ساعة فبقيت قدماي تعد الخطى وتقيس المسافات ابتداءً من المليمترات وحتى الكيلومترات المكعبة. وحينما وصلت كان جسدي بارداً كتمثال من الجليد قلبي متهللاً مستبشراً بين يديه.. وقد بدا شعور الحبيب مختلفاً عن هذه الأحاسيس إذ جاء بمفارقة مضحكة حينما تحدث إليها: « قال لي وهو يفرد شفتيه بثقة لتبرز منهما ابتسامة بريئة وقد احكم أسنانه عليهما بعضة خفيفة :» معك سلف؟ .. [c1]3 - المقابلة: [/c]كما جاءت تقنية المقابلة القائمة بين متناقضين واحد من تقنيات الكتابة في هذه المجموعة كما في هذه المقابلة القائمة بين ( الصبح / الليل) في النص ( أشباح):» وعندما تسلل الصبح توارى الليل بطيئاً فرأى كل أصحابه..» ومن ذلك ايضاً هذه المقابلة اللطيفة في نص ( البرق) القائمة بين رقص أغنيتين متناقضتين في مشاعرهما حزناً وسعادة:« حينما انتهى رقص المطر .. بدأ رقص آخر لاغنية الموت... فرقص المطر يوحي بدلالة ضمنية للسعادة أما الرقص الآخر فقد حمل دلالة الحزن الراقص على إيقاع اغنية الموت الكئيب. [c1]المحور الثالث: لغة المجموعة:[/c]لغة المجموعة بشكل عام هي اللغة العربية الفصحى قريبة المعنى المسيج بتمنع شفاف سرعان ما ينجلي بشيء من التروي والتمعن في لغة النص لحظة التلقي. كما تتسم لغة المجموعة بسمات اللغة الشعرية المشحونة بطاقات دلالية متجسدة في جماليات فنية ( سرد شعرية). وقد أشار الدكتور عبدالعزيز المقالح في تقديمه للمجموعة إلى ذلك فقال أن هذه المجموعة :» سيمفونية تتخذ من اللغة موسيقاها وإيقاعها ، وتحاور الأشياء وتتأملها بطريقة عميقة الغموض فيها ولا تشي بوضوح تام. ونجد تجلي اشراقات هذه اللغة الشعرية في مواضع عدة من نصوص المجموعة كما في هذه الاشراقة الفنية في هذه الجملة من النص (دفء): « الأحاسيس هنا مختلفة .. في عينيها بحيرتان واسعتان عذبتان تحوطهما أعشاب كثة شديدة الاخضرار» وكما في الإشعاع اللغوي الشعري المنبثق من هذه الجملة في النص (مرآة) :» القى بنظراته الحائرة على الشعاب والمساكن المبعثرة فوق التلال، وبين أحضان الوادي المشتعل فرحا». فقد مثلت الجملة ( المشتعل فرحاً ) اشراقة لغة شعرية بديعة بلا ريب. ويبدو أن لغة المجموعة قد اتخذت من الألفاظ (المطر ، الريح، الحلم) مسارات تبلور لحقلها الدلالي فلفظ (المطر) في لغة النصوص يحمل نوعاً من دلالة التفاؤل الضمنية المقرونة بدلالة الانتشاء للفظ ( الرقص) المتعلق بالموسيقى والغناء ونجد ذلك في مواضع من نصوص المجموعة ففي أول نصوص المجموعة:» والمطر يعزف سيمفونيته الجميلة ايقاعاً مميزاً ... وايضاً « وعلى إيقاع المطر تشارك أصوات الزغاريد والطبول الرياح عزفها الأبدي الخاص... وفي مواضع أخرى نجد شواهد ذلك من مثل:» ورقصت قطرات المطر على النوافذ والأبواب وقارعات الطرق وحينما انتهى رقص المطر..» في النص ( البرق). كما يرد لفظ الصيف المرتبط بالمطر في مواضع حاملاً ضمنية تلك الدلالة من مثل :» فكان لديها صيف خاص وعصافير كثيرة..» في النص (الدفء). وورد لفظ ( الريح) في لغة المجموعة بصيغتي الجمع والإفراد متصفاً بصفة الأنين حاملاً بذلك دلالة الخوف والحذر. ويتضح ذلك بالنظر إلى بعض المواضع التي ورد فيها هذا اللفظ من مثل :» الرياح تئن وسط سكون يكاد يكون ابدياً..» في النص ( مبدأ) و» الرياح تئن في الأرجاء الخالية من البشر..» في النص ( البرق). وورد هذا اللفظ ايضاً غير ملازم للفظ ( الأنين) مع احتفاظه بدلالة الخوف تلك كما في هذين الموضعين: « مع عصف الريح في الطريق الضيق»، في النص (الوحش)و «صفير الرياح يعوي في هذا الظلام..»، في النص (أشباح) وتأتي مفردة الحلم مكوناً آخر من مكونات الحقل الدلالي للغة هذه المجموعة، فالحلم منبع ثري، لأنه يمثل خبرة شخصية لذلك الأساس العميق المظلم الذي يعد دعامة حياتنا الواعية- كما يقول جوزيف كامبل.وبذلك فقد تصدر الحلم صفحة إهداء هذه المجموعة، وفيه:«عندما كان الحلم سنابل قمح وشمعة أضاءت عتمة اللقب...».كما ورد الحلم في مواطن ممازجاً للحقيقة ومختلطاً بها حد اختفاء الملامح فيما بينهما، من مثل هذا التمازح:«عانقت الهواء الرطب.. واحتضنت بعينيها حلمها الضيق كان جميلاً كالحلم.. لكنه حقيقة اللحظة...».ومثل الحلم أيضاً رافدَ إلهام إبداعي حينما يطرأ على المبدع فيخلد لحظته في نصوص فنية:«أمسكت قلمي وفرشت أوراقاً كثيرة، كنت قد اشتريتها جملة حتى لا أكون مضطرة لشراء أوراق إضافية لحظة حلم طارئة».[c1]المحور الرابع: مضامين الحياة الاجتماعية:[/c]يمثل المجتمع بمختلف تمظهرته تجليات الواقع في العمل الإبداعي، وللواقع فائدة حتمية في العمل الأدبي، والواقعي منه خاصة، حسب توصيف محمد خضير حينما يقول: «إن قيمة الدرس الواقعي تكمن في معرفة الواقع، واقع الحياة، وواقع الكتابة، غزارة المرجع وحدود النص...كما أن القصة القصيرة أكثر مناسبة لطبيعة المجتمع العربي من سائر الفنون كما يقول إحسان عباس في كتابه (القصة العربية... أجيال وآفاق).وفي مجموعة (قطرات روح)، تتجلى حزيئات من تفاصيل واقع الحياة الاجتماعية، إذ جسد أول نصوصها مضمون ظاهرة تعاطي القات في المجتمع اليمني، وتأتي معالجة هذه الظاهرة بتصوير مدى انتصار الإرادة والقرار الحاسم تجاه الظاهرة، إذ ينفذ بطل القصة قراره بالإقلاع عنها، ويبلغ التصوير أقصى مداه حينما يشارك البطل في مناسبة اجتماعية- كون المناسبات الاجتماعية عامل استمرار حتمي للظاهرة حسب توصيف النص- ومع مشاركته في المناسبة الاجتماعية، إلا أنه لم يتخل عن قراره، فجعلهم بصيغةٍ شكلية، لا تمس قراره، وحينما عاد من المناسبة: «خلع حذاءه وقبل أن يستلقي على فراشه، تقدم إلى أمام المرآة، ونظر نظرة فاحصة إلى فمه وهو يضحك، ثم أخرج أوراق «القات» التي دسها بين أسنانه في بداية السهرة ورماها جانباً... عندها فقط أحس أنه فعلاً قادر على العطاء.ومن تجليات الواقع الاجتماعي في مضامين المجموعة، ظاهرة الفقر، فالفقر هو السبب الرئيسي في استمرار مرض رب الأسرة وموت زوجه، في النص (البرق):«وبجوار إحدى النوافذ كان يقف أربعة يحملون على أعناقهم نعشاً ترقد عليه امرأة وخلفهم بدأ شبح رجل يسعل..حاملاً فوق ذراعه طفلاً، وذراعه الآخر ممسك بطفل آخر...»كما أن الفقر أيضاً هو الذي يقود الفقراء إلى اتخاذ مسالك غير مشروعة للحصول على المال وإعالة أسرهم، ويأتي النص (أشباح) مرآة لذلك، إذ يذهب البطل الفقير مع مجموعة من الفقراء ليلاً فيجلب لزوجه المريضة وأولاده الجائعين بعض أرغفة:«رفع بصره إلى زوجته الراقدة في سريرها، سمع أنفاسها تتردد فتنفس الصعداء، وحمد الله إنها مازالت على قيد الحياة، أيقظ أطفاله، وأخرج الكيس من تحت إبطه، ووضعه على فراش زوجته، التي طالعته بتلك العينين الضامرتين»لكنه مع ذلك لم يكمل مشواره في إطعام زوجه وأطفاله لأنه بفعله هذا ملاحق بتهمة الإرهاب، إذ يلحق به ضابط الأمن ومرافقوه، قائلاً له:«ألم أقل لك أن تكف عن أعمالك الإرهابية هذه؟.. هات الكيس..»فحاول جاهداً الحفاظ على الكيس إلا أنه لم يستطع:«تلك العيون الجائعة، جعلته يتشبث بالكيس، لكن الأشباح انتزعوه منه، وأخرجوا ما بداخله..«خمسة أرغفة من الخبز» كل ما في الكيس!أمرهم قائدهم أن يأخذوه..لم تردعهم عينا المرأة ولا حتى توسل الصغار».وتأتي صورة المرأة واحداً من المضامين الاجتماعية في المجموعة، إذ نجد أنه في نصوص المجموعة يتضح تصوير لبعض تفاصيل حياة المرأة اليمنية، في مجتمعها، سواء في حبها للأرض أو في علاقتها بالرجل. فهي مقهورة مظلومة مصادرة الحقوق سلطوية الرجل.وهي محبة للأرض، عاشقة لها، وقد صور ذلك القاص محمد عبدالولي في عدد من نصوصه، ويأتي النص (سنابل) في هذه المجموعة مصوراً هذا الحب وارتباط المرأة اليمنية بالأرض ارتباطاً نسيجياً:«عندما اكتهلت، وخط الشيب رأسها.. عانقت ذؤابتها الثري الذي ولدت من ثناياه، وصارت إليه...»وتبدو المرأة في هذا النص متسمة بالمعاناة والكد والعمل الدؤوب، فهي:«تعشق، تحب، وتعطي بلا حدود..مدتها الشمس شعاعاً لا يعرف الانكسار... لثم الجبال والحقول وكل جميل في الكون البديع فحاكت ألف حلم عانق الأرض... وأمتد حتى الشمس.هكذا استطاعت أن تعقد قراناً بينهما، فصار لها عائلة..»أما العلاقة بين الرجل والمرأة فإنها في مجموعة علاقة محكومة بسلطوية الرجل، فمجتمع المرأة التي تصورها نصوص المجموعة مجتمع قاصرة النظرة إلى المرأة فهي مكبوتة بهذه النظرة تكابد مرارة التقاليد الاجتماعية المجرّمة للحب، وقد ورد في النص (وحدي)، ما يشير إلى ذلك:«في شرعنا ممنوع أن يضرب طبل في قلبي فرحاً بالحب».كما ورد تصوير قيود المجتمع العاطفية المتمثلة بعادات القبيلة في النص (قطرات من روحي)، ففيه:«أجر آلامي التي ضيعتني وخبأتني وأحرقتني بك.. وأسافر وحدي أنا أنت...حظي العاثر وعادات قبيلتنا...».ومع هذه القيود الاجتماعية المضروبة حول العاطفة، فإن المرأة تحاول كسر بعضاً من هذه القيود فلا تحرم نفسها من عاطفة إنسانية وهبها الله لكل البشر، وتطرق باب الحب بإخلاص علها ترضي مشاعر من تحب، إذ تتداعى مع همسات مشاعر الحب منذ البداية مخدوعة بها وبرونقها، حتى تصدمها المفاجأة بالحقيقة حينما ينسحب هو وتبقى هي وحيدة سائغة لهذه النظرة الاجتماعية القاسية، وهذا ما يصوره هذا الجزء من النص (وحدي):«كنت صغيرة جداً حينما ناداني لأول مرة، فتمنيت أن ألبي نداءه، لم يعرف قلبي الصغير إيقاعاً غير إيقاعه. لكنه كان جباناً... فيقيت وحدي».ومع اصطدامها بهذه المفاجأة إلا أن التجربة العاطفية الأولى خلوداً مقدساً في ذاكرة القلب، وإن كان معلوماً أن المصير هو الفراق:«سمير الزمان وصوتك مازال يخدرني، يربكني فأتوحد معك في فرحي ثم في حزني المتدحرج حتى الظلمة.. فإلى أي حد سأذهب بك معك، وإلى أين ستأخذني احتمالاتي..عبثاً أحاول فقد بدأ العد التنازلي لفراقتنا الأول».بهذه الصورة العاطفية المثالية تبدو المرأة في المجموعة، بحيث تخلص في حبها الذي لا يمثل عند الرجل إلا وسيلة من وسائل التسلية والترويح، فهو منساق وراء نصائح أصدقائه الذين يشيرون عليه بذلك، ليجد نفسه في النهاية ظالماً وخادعاً للمرأة فيبدو نادماً على ذلك في النص (رسائل)، حينما يقرأ رسائل حبيبته، فيحدث نفسه نادماً:«خدعوني بأن الأمر سيكون مجرد تسلية فقط وأننا سنقضي وقتاً معك..»ومع ذلك أن هذا النص يصور شعور الرجل بالندم إلا أن ذلك غير مجدٍ للمغلوبة على أمرها، كما يصورها النص:«في الجهة الأخرى وفي داخل الغرفة المظلمة، ثمة جسد يرقد على مقعد خشبي هامداً مثخناً بالآلام يرفض أن يفتح الباب..أو أن يتفوه بكلمة واحدة...»ولأن الرجل يتعامل في حبه للمرأة كوسيلة للتسلية غير هادفٍ إلى الارتباط بها، فهو يكثر من اصطياد القلوب، فالفتاة في النص (سلالم) تجد نفسها واحدة من سرب الفتيات المخدوعات بادعاءات وخداع هذا الذي انخدعت بحبه:«محاصرة أنا بهذا الكم الهائل من الأرقام.. الـ تحشرني بين الأصغر، والأكبر من والـ يساوي... لأصبح في النهاية مجرد رقم حسابي يقبل القسمة، الجمع والطرح... لكنه غير قابل للضرب...»لتصب المرأة في النهاية إلى قناعة وإدراك للواقع معتبرة التجربة العاطفية درساً علمها كيف لا تثق بأحد، مستعيدة ثقتها بنفسها ومتخلصة من سطور ذكرياتها وتجربتها المحزنة:أربعة، لكني الآن... عبرت هذا الخوف لأشفى من أربعة...أنا، أنت، المصعد..وسلالم كثييييرة في المنتصف...»في الأخير.. أقول إن لكل نص أفاق تلق متعددة ومختلفة من متلق إلى أخر باختلاف وتعدد تكوينات بناهم الثقافة والفكرية والمعرفية، وقد تناولت في ورقتي هذه قراءة لمجموعة الكاتبة المبدعة نجاح الشامي (قطرات روح)، وقد كانت قراءتي وفقاً لما تداعيت له من ممكنات نصوص المجموعة الفنية والفكرية، وأتمنى أن أكون قد وفقت بعض التوفيق في ذلك.[c1]الهوامش [/c]قطرات روح ، نجاح حميد الشامي ، ط 1،2008م ص (54) نفسه نفسه ، ص (75)نفسه ص (4)نفسه ،ص (49) الراوي - الموقع والشكل يمني العيد مؤسسة الابحاث العربية بيروت ، ط 1،1986م ص (83)قطرات روح المصدر السابق ص: (29) نفسه نفسه ص (14) نفسه ص (28)نفسه ص (70)نفسه ص (71) نفسه ص (40)نفسه ص( 17،18)نفسه ص (5) نفسه ص (22) نفسه ص (34) نفسه ص (7) نفسه نفسه ص (14) نفسه ص (17) نفسه ص (22)نفسه ص (7) نفسه ص (14) نفسه ص (28)نفسه ص (36)الموروثات الشعبية القصصية في الرواية اليمنية دراسة في التفاعل النصي ابراهيم ابو طالب ط1 اصدارات وزارة الثقافة والسياحة صنعاء 1425هـ 2004م ص (180) قطرات روح مصدر سابق ص (5) نفسه ص (22) نفسه ص (73) السرد والكتاب محمد خضير كتاب مجلة دبي الثقافية الاصدار (36) ط1 مايو 2010 ص: (26) قطرات روح مصدر سابق ص (9) نفسه ص (18)نفسه ص (38)نفسه ص (39)نفسه نفسه ص (42)نفسه ص(43)نفسه ص(50) نفسه ص( 54، 55) نفسه ص (50)نفسه ص (55، 56)نفسه ص(76)نفسه ص (68)نفسه ص (78)نفسه ص (79)
|
ثقافة
قراءة في مجموعة ( قطرات روح) للقاصة نجاح حميد الشامي 2-1
أخبار متعلقة