فيصل بن غالب إن الله عز وجل قد فرض الصيام وشرعه لحكم سامية وغايات عظيمة وأسرار بليغة علمناها أو لم نعلمها، وقد أشار وأوضح بمنه وكرمه إلى بعض هذه الجوانب إيناساً للنفوس وجذباً للقلوب، ولأن معرفة غايات الصيام ومراميه من أعظم أسباب الاستفادة من رمضان في إصلاح النفوس وتطهيرها، فمعرفة أسرار الصيام وسيلة وسبب لاستقامة الصائم ورفعه إلى مقام المراقبة لله والإحسان الذي هو ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك )، وتحليته بالفضائل الرفيعة، وبالتالي يصل المجتمع الإسلامي إلى الصلاح والهداية والرشاد بإذن الله وتوفيقه. ولكن لابد لنا أن نعلم أنه ليس بوسع أحد من الناس مهما أوتي من علم أو رزق من حكمة أن يحيط علماً بكل الأسرار الإلهية التي تضمنتها العبادات والشعائر التي شرعها ووضعها لنا ربنا سبحانه وتعالى. وإليك أيها القارئ الكريم بعضاً من أسرار الصيام وأهدافه وإن كانت قد تخفى على كثير من الناس وهي : التعود على الإخلاص والمراقبة: فأعلى معاني الصيام الإخلاص لله سبحانه وتعالى ومن هنا تأتي أهمية عبادة الصوم ومعناه الكبير، إذ كل عبادة سواه لله قد يدخلها الرياء وإرادة المخلوقين مثل الصلاة والزكاة والحج أما الصيام فإنه لا يكون إلا لله وحده سبحانه وتعالى ولا يكون الصائم إلا مخلصاً فيه ولذلك قال الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله تعالى ( لارياء في الصيام ) وذلك لأن الصائم يستطيع أن يأكل أو يشرب في خفاء بعيداً عن أعين الناس ويدعي أنه صائم ولا نستطيع أن نعرف منه ذلك ولكنه لما راقب الله وأخلص هذه العبادة له وصام عن الأكل والشرب في السر والعلن دل ذلك على صدقه وإخلاصه ومراقبته لربه سبحانه وتعالى، فهنا تكمن هذه العبادة، فالصوم أمر موكول إلى الصائم بينه وبين ربه لا رقيب عليه إلا هو، وهو بين العبد وربه فقد تكون وحدك ولا يراك أحد والطعام قريب منك أو بين يديك ومتشوق وطامع فيه ومع ذلك لا تأكله بل تصبر عليه، فهذا هو الإخلاص ومراقبة الله الذي ينميه الصوم في قلوب العباد. التقوى: إن من أعظم غايات الصيام هو وصول الناس إلى التقوى والخشية من الله، ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى ( يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) البقرة (183) فنرى الصائم يمتثل أوامر الله ويجتنب نواهيه حال صيامه، فهذا من أعظم مقاصد الصيام الذي بدوره يزداد به التقوى عند الإنسان لربه من حيث لا يعلم به. شكر الله على نعمه الكثيرة: ومن ذلك بلوغ شهر رمضان لأن أجر الطاعة فيه عظيم ومضاعف فيشعر المسلم بقيمة الهدى والنور الذي يسره الله له فيكبر الله على هذه الهداية ويشكره على هذه النعمة التي هي من أعظم النعم علينا، ولذلك قال الله تعالى: ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) البقرة (185). ومن أسرار الصيام وأهدافه العظيمة: أن الصوم فيه إعداد للأمة بالإرادة القوية لتحمل المشاق وقيادة التغيير في النفس والكون، فالصوم مجال لتقرير الإرادة الجازمة ومجال لاتصال الإنسان بربه اتصال طاعة وانقياد له كما إنه مجال للترفع على ضروريات الجسم والصبر على ذلك إيثاراً لما عند الله من الرضا والأجر، فالصوم يهيئ ويعد النفوس لتحمل صعوبات الحياة في السير على الطريق ليصل العبد إلى ربه سالماً من الزلات والآفات وغانماً بالأجور.ومن حكم الصوم وأهدافه: أن الصوم يقوي النفس ويمرنها على ترك الشهوات، فالصوم يرتقي بالنفس ويجعلها تتهذب من الشهوات وتتخلص من المغريات وذلك لأن في الصوم اقتصاداً في إمداد القوى الحيوية إلى الجسم وفيه تعود على ترك الشهوات والمعاصي والسيئات وبذلك يحصل للإنسان إرادة وملكة في ترك الشهوات المحرمة والصبر عنها فيتأهل الصائم للتخلق بالكمال ويكون إجتناب الشهوات أيسر عليه فيقوى على النهوض بالطاعات والعبادات وجميع شؤون حياته اليومية مع الاصطبار عليها. ومن أسرار الصيام البليغة وغاياته العظيمة: أن الصوم يقرب الأمة بعضها من بعض، فالصوم يقرب الغني إلى الفقير والكبير إلى الصغير والرئيس إلى المرؤوس فيعرف الغني قدر النعمة التي هو فيها، فالصوم يذكر الأغنياء الذين هم غارقون في نعم الله بأن لهم إخوانا يتضورون جوعاً، ليس ذلك في رمضان فحسب بل في جميع أيام العام فعندما يصوم الغني يجوع فيتحرك أصحاب القلوب الحية والنفوس الأبية للبذل والإنفاق والعطاء فيكون الود والمحبة بين أفراد المجتمع. ومن أهداف الصيام وأسراره : أنه يربي المسلم على أنواع الصبر كالصبر على الطعام والمعاصي والصبر على طاعة الله وهو سبب من أسباب النصر والقوة والتمكين والعزة وسبب للأجر العظيم والثواب الكبير . قال سبحانه وتعالى: ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) الرمز (10). ومن أسباب الصيام وأسراره : أنه يورث الإنسان الصحة والسلامة من كثير من الأمراض فله أسرار وفوائد طبية كثيرة منها تقويه الأجساد ووقاية من الأمراض والعلل وغيرها من الفوائد ولذلك قال الرسول صلى الله علية وسلم: (صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر) والوحر هو الغل .. وقوله أيضاً كما روي عنه أنه قال: ( صوموا تصحوا) فهذه بعض الأسرار والفوائد والأهداف التي تفيد المسلم في صيامه لشهر رمضان الكريم، نسأل الله أن يفقهنا في ديننا ويوفقنا لصيام هذا الشهر وقيامه.
|
رمضانيات
أسرار الصيام وأهدافه
أخبار متعلقة