قبسات من شهر رمضان
فيصل بن غالبيقبل كثير من الناس في شهر رمضان على كتاب الله سبحانه وتعالى قراءة وحفظاً وأحياناً تفسيراً وتدبراً وما ذاك إلا لأن رمضان هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن قال الله تعالى:« شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن...» البقرة/ 185 وكان الملك جبريل عليه السلام يدارس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن. فالحديث عن القرآن في رمضان له مناسبته وله خصوصيته لا سيما مع إقبال الناس عليه.فالقرآن هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم من تمسك به نجا ومن حكم به عدل ومن عمل به هدي إلى صراط مستقيم. قال الله تعالى فيه« لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد» فصلت/ 42. فللقرآن فضائل عديدة ومن تلك الفضائل ما يلي:1ـ أنه هدى:فقد وصف الله هذا القرآن بأنه هدى «هدى للمتقين» البقرة/ 2 أي يهتدون بآياته ومعانيه حتى يخرجهم من ظلمات الشرك والجهل والمعاصي إلى نور التوحيد والعالم والطاعات، يهتدون به فيما يعود عليهم بالنفع الصلاح في دنياهم وآخرتهم كما قال الله سبحانه وتعالى» إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً» الإسراء / 9.2ـ إن عبره أعظم العبر، ومواعظه أبلغ المواعظ، وقصصه أحسن القصص: قال تعالى:« نحن نقص عليك أحسن القصص» يوسف/ 3.3ـ أنه شفاء: قال الله تعالى « يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور» يونس/ 57 فهو شفاء للصدور من الشبه والشكوك والريب والأمراض التي تفتك بالقلوب والأبدان ولكن هذا الشفاء لا ينتفع به إلا المؤمن به كما قال الله تعالى:« وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا» فصلت/ 44 وقال أيضاً «قل هو للذين آمنوا هدىً وشفاء» الإسراء/ 82.فالقرآن الكريم قد حوى خيراً عظيماً وعلماً غزيراً من علوم الدنيا والدين إما تصريحاً أو تلميحاً أو إشارة أو إيماءً قال الله تعالى:« ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمؤمنين» النحل/ 89 وقال أيضاً: «ما فرطنا في الكتاب من شيء» الأنعام/ 38 فكل ما يحتاج إليه البشر لإصلاح أحوالهم في دنياهم ومعادهم فقد بينه القرآن الكريم لهم فيه ولا يعني ذلك الاكتفاء بالقرآن الكريم دون الأخذ بالسنة النبوية أو الأخذ بعلوم العصر الحديث كالتكنولوجيا وغيرها مما يفيد البشر.ويتميز القرآن عن غيره بسهولة ألفاظه ووضوح معانيه قال الله تعالى «ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مذكر» القمر/ 17 فحفظه وإتقانه أيسر وأهون من سائر الكلام وقراءته ميسرة حتى على العجم وهذا من معجزات هذا القرآن.لقد أنزل الله القرآن ليفهم الناس معانيه ويتدبروا آياته ثم يعملوا بما فيه قال الله تعالى:« كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب» ص/ 29. وقال:« أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها» محمد/ 24 وكلما تدبر العبد آيات الله عظم انتفاعه بها وزاد خشوعه وإيمانه، ولذا فد كان النبي صلى الله عليه وسلم أخشع الناس وأخشاهم وأتقاهم لربه لأنه أكثرهم تدبراً لكلام الله سبحانه وتعالى.قال أحد العلماء: عجبت لقارئ القرآن يقرؤه ولا يتدبره كيف يتلذذ بحلاوته. وللأسف كم من الناس في زماننا هذا على هذه الشاكلة. فيا لله كم اهتدى بهذا القرآن من أناس كانوا من الأشقياء. وكم سعد بهذا القرآن من أناس كانوا من التعساء، نقلهم القرآن من الشقاء إلى السعادة ومن الضلال إلى الهدى ومن نار جهنم إلى جنة النعيم.وكم من أناس ناصبوه العداء وأعلنوا الحرب عليه فلما سمعوه ما لبثوا إلا يسيراً حتى دخلوا في دين الله أفواجا.ولعل من عجائب ما يذكر في هذا الشأن قصة توبة الإمام الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى كان قاطعاً للطريق وكان سبب توبته أنه عشق جارية فبينما هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع تالياً يتلو قوله تعالى:« ألم يئن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق» الحديد/ 16 فلما سمعها قال: بلى يا رب قد آن فرجع فآواه الليل إلى خربة فإذا فيها قافلة من الناس فقال بعضهم نرحل وقال البعض الآخر حتى نصبح فإن الفضيل على الطريق يقطع علينا وهو يسمع. فقال الفضيل بن عياض ففكرت وقلت في نفسي أنا أسعى بالليل في المعاصي وقوم المسلمين ها هنا يخافونني وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني تبت إليك وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام.فرحم الله الفضيل بن عياض قادته آية من كتاب الله تعالى إلى طريق هدايته ورشده فكان من الزهاد العباد والعلماء العاملين المجاورين لبيت الله الحرام.فهل نتأثر نحن بالقرآن حين نقرؤه ونسمعه بكثرة وخاصة في هذا الشهر العظيم؟ نسأل الله العظيم في هذا الشهر الكريم أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وشفاء صدورنا ونور أبصارنا وجلاءً لهمومنا وأن يصلح أعمالنا ويتقبل صيامنا وقيامنا وتلاوتنا وجميع أعمالنا ويجعلنا من عباده المقبولين في هذا الشهر العظيم إنه سميع قريب مجيب.