كيف يمكن لنا أن نكتب النوتة بالطريقة العلمية الصحيحة ونقرأها وكيف أصبح واقع الأغنية اليمنية بشكل خاص والعربية بشكل عام؟!هذه التساؤلات وغيرها سنعرفها من خلال قراءتنا لذلك الكتاب الموسوم بـ(قراءة موسيقية في نشوء وتطور الأغنية اللحجية) لمؤلفه الباحث الموسيقي عبدالقادر أحمد قائد الأستاذ المحاضر في مادة النظريات الموسيقية العامة بمعهد جميل غانم للفنون الجميلة (بعدن) وعلى هذا الأساس قد يتساءل السائلون ما السبب في ذلك الاهتمام والتركيز في التوثيق للأغنية اللحجية عن غيرها من الأغنيات اليمنية؟.. ولماذا كانت قبلة الإبداع بلحج منتهى اليمن؟ حيث اهتم وركز الباحث والناقد عبدالقادر أحمد قائد علي بدراسته في الكتابة عن مراحل تطور الغناء في لحج وتوثيقه لكثير من الألحان اللحجية القديمة واهتم كثيراً بإيقاعاتها وأنغامها ومقاماتها الموسيقية المختلفة، وكما يبدو لي أيضاً أن الإجابة واضحة عن ذلك السؤال المفتوح نظراً لما تعرضت له هذه الأغنية اللحجية من إجحاف وإهمال وتحريف من قبل بعض الفنانين الذين قاموا بإدخال تحريفاتهم على كثير من تلك الألحان سواء أكان ذلك بقصد أو غير قصد.ثانياً: لحماية هذه اللون الغنائي اللحجي من القرصنة الفنية وممن ينسبون لأنفسهم ما يحلو لهم من هذه الأغاني دون ذكر المصدر الحقيقي لمؤلفيها من المبدعين سواء أكانوا شعراء أم ملحنين الخ.حسب مؤلف الكتاب الباحث الناقد عبدالقادر أحمد قائد والذي توزع كتابه في بابين:الباب الأول: الأغنية اللحجية ومراحل نشوئهامرحلة السائد التراثيمرحلة التشكل الجديدمرحلة النضج والاكتمال ورحلة المبدع أحمد فضل بن علي محسن العبدلي المشهور بالقمندان وتلميذه فضل محمد اللحجي.إضافة إلى أن الكتاب قد احتوى على أكثر من مائتي أغنية مدونة بالنوتة الموسيقية بضروبها الإيقاعية ومقاماتها الموسيقية ونصوصها الشعرية.. إلى جانب تضمين الكتاب العديد من الصور النادرة لكثير من الشخصيات الفنية والأماكن التاريخية المحفورة في ذاكرة ذلك الفن الجميل.فيما يتناول في الباب الثاني من الكتاب والموسوم بـ(فضل محمد اللحجي نهر العطاء المتجدد) بعضاً من جوانب السيرة الذاتية والفنية من حياة هذا العبقري الموسيقار فضل محمد اللحجي وما قام به من إسهامات ثقافية وفنية وتأسيس للمسرح والندوات الموسيقية في لحج ومعاصرته لكثير من المطربين وتبنيه للمواهب الفنية الشابة أمثال الفنان الشاب “آنذاك” مهدي درويش والذي قدم له في عام 57م أغنيتين من كلمات الشاعر صالح نصيب (يا اللي تركت الدمع) وهي من مقام الراست وجنس الحجاز على النوى وجنس البياتي على النوى وعلى إيقاع الزف الميحه - و( يذكرني القمر خده) وهي من مقام الراست وعلى إيقاع الشرح اللحجي الثقيل (سلطاني) على ميزان رباعي مقسوم. ومن الوجوه التي تبناها الملحن الموسيقار فضل محمد اللحجي آنذاك أيضاً الفنان عبدالكريم توفيق والذي قدم له لحنين من كلمات الشاعر صالح نصيب، فقد غنى له لحن (يقللي الليل توب) والمبنية على مقام الراست على درجة النوى في المذهب، أما الكوبليه فمبني على جنس الحجاز على الدوكاه - كما دونت في لحن البيت الذي يقول (قال ياما ناس من قبلك شكت ظلم القلوب) ثم يعود إلى المقام الأساس الراست بعد أن يبقى على الدرجة الخامسة ويطيلها معلناً ومؤكداً عودته ومسلماً من خلال البيت الذي يقول (وزاد القلب بالآهات.. وزاد النوح والأنات واللوعة تقل.. لليل ذا نصحك ذنوب) الخ.وهكذا يظل اللحن حتى نهايته ينتقل من مقام الراست إلى جنس الحجاز وعلى إيقاع الشرح اللحجي الثقيل “السلطاني” وغنى أيضاً (يلوموني - يلوموني) المبنية على مقام الراست وعلى إيقاع الشرح اللحجي الثقيل “السلطاني”.كما قدم للفنان علي سعيد العودي ومن كلمات الشاعر صالح نصيب (يواعدني)، (ألا يانجمة الفجر)، (ليه تغدر، ليه تهجر)...الخ.تلك هي نماذج من الألحان والكيفية التي بها استطاع الملحن الموسيقار فضل محمد اللحجي الحفاظ على ألحانه وما شكلته من انعطافه تاريخية ونقلة نوعية ولحنية في تاريخ الاغنية اللحجية - والتي لم تكن تمرداً على مدرسة أستاذه أحمد فضل “القمندان” بل كانت امتداداً لها مع احتفاظها بالأصالة والانتماء للأغنية اللحجية.بالإضافة إلى أن الملحن الموسيقار فضل محمد اللحجي له دور كبير في تطوير الأغنية اللحجية مع مجموعة من أصحاب المدارس اللحنية كما يشير إلى ذلك الباحث والناقد عبدالقادر أحمد قائد لما بعد القمندان أمثال عبدالله هادي سبيت، الأمير عبده عبدالكريم، الأمير محسن بن أحمد مهدي، محمد سعد الصنعاني، صلاح ناصر كرد، محمود علي السلامي، حسن عطا، سعودي أحمد صالح، فيصل علوي سعد، عبدالله محمود حنش، عوض أحمد كريشة، أحمد سالم مهيد، فضل كريدي، هادي سعد شميلة..الخ.وعلى العموم فإن الكتاب يبقى وثيقة تاريخية لقراءة تذوقية وتحليلية، ويمتاز بمنهجه الأكاديمي والعلمي في الاهتمام بجمع تراثنا الغنائي المتناثر هنا وهناك وتدوينه نغماً وإيقاعاً بالنوتة الموسيقية.. ثم دراسته وتبويبه كخطوة أولى بفتح هذا الباب أمام الدارسين من الموسيقيين والباحثين في تاريخ وموسيقى الفن اليمني القديم والحديث والمعاصر.وقد عني الباحث والناقد الموسيقي عبدالقادر أحمد قائد في البدء بوضع اللبنات الأولى في جمع وتدوين أغانينا الشعبية بألوانها المختلفة وبإيقاعاتها وأنغامها ومقاماتها الموسيقية بالطريقة العلمية الصحيحة والتعريف بالرواد الذين تحملوا على عاتقهم مسؤولية الحفاظ على هذا التراث.وعلى هذا الأساس يبدو لي أن الموسيقى هي أفضل وسيلة لدينا لاحتمال الزمن وهضمه - وضرب من اللغة المتناغمة - كما أن اللحن أو التنغيم هو أساس الموسيقى، ولذلك فإن حياة الإنسان في كل جزء منها وبين الحين والآخر تحتاج إلى التناغم والإيقاع واللغة على حد تعبير الفيلسوف اليوناني أفلاطون.ومن هنا لعلها جاءت هذه القراءة البحثية للباحث والناقد عبدالقادر أحمد قائد علي لتشير إلى مدى احتياجنا لمثل هذه الأبحاث من الدراسات النقدية المعمقة في مجال الموسيقى وافتقار مكتباتنا إليها وما تعانيه من تصدع في هذا المجال لتملأ وتسد هذا الفراغ العويص في علم ودراية وبكل منهجية وموضوعية دون تحيز لمنطقة ما أو لون من الألوان الغنائية والمؤلف وكما هو معروف يعد هذا العمل (قراءة موسيقية في نشوء وتطور الأغنية اللحجية) الثاني بعد كتابه الأول في مجال البحث والتوثيق (من الغناء اليمني - قراءة موسيقية) الذي صدر في طبعتين عام 2004م ضمن إصدارات وزارة الثقافة صنعاء عاصمة الثقافة العربية 2004م وقدم من مواده لإذاعة صوت الخليج بدولة قطر (15) حلقة بصوته وكانت بعنوان (من الغناء اليمني) وذلك عام 2011م.فهو إلى جانب ذلك يعمل محاضراً في مادة النظريات الموسيقية العامة منذ عام 82م بمعهد جميل غانم للفنون الجميلة (بعدن).كما جاء إصدار هذا الكتاب (قراءة موسيقية في نشوء وتطور الأغنية اللحجية) في مجلد ضخم وأنيق من حيث الإخراج الفني. وقد احتوى على (730) صفحة ويعد ثاني إصدار للمؤلف.والكتاب في اعتقادي يشكل مادة علمية وبحثية في مجال التواصل بالبحث في التراث الغنائي اللحجي والفني والموروث الغنائي وكذا الامتدادات التي ساعدت على نشوء وتطور هذه الأغنية اللحجية بوجه خاص والأغنية اليمنية بشكل عام.والكيفية التي ينبغي فيها الحفاظ على أصالتها من عبث العابثين حيث ارتبطت هذه الأغنية اللحجية بداية بفن الصوت وبظهور الموروث الشعري وبالآلات الموسيقية التقليدية أشهرها آلة (العود)، المراويس، (الهاجر).. الخ، والتي شكلت في مضمونها وارتباطها وبإيقاعاتها الشعبية المختلفة المخيال المجسد والقريب للبيئة اللحجية والمحلية.وذلك ما يجعلنا نشهد بالقول بأن الباحث والناقد عبدالقادر، أحمد قائد علي لا يقل مكانة ومستوى في مكانته العلمية والبحثية الأكاديمية عن الباحثين من النقاد العرب والذين يكتبون في إطار هذه التخصصات الموسيقية والنقدية عن أغنيتنا العربية ومشاهيرها في الغناء والطرب العربي الأصيل في الوطن العربي.وذلك ما يبدو جلياً وواضحاً في دراسته البحثية ومؤلفاته الموسيقية الصادرة والقضايا النقدية الفنية التي يتناولها ويخوض غمار الغوص فيها بعمق الباحث الناقد - والمؤرخ الموسيقي المتمكن وما شكله من أهداف عامة وخطوط انسيابية متناغمة في مجال التدوين الموسيقي والكتابة بالنوتة الموسيقية وبشكلها العلمي والصحيح.
|
ثقافة
مع كتاب المؤلف والباحث عبدالقادر أحمد قائد.. الأغنية اللحجية موسيقى وزمن
أخبار متعلقة