أنا والسكر :
عبد الجبار ثابت الشهابي:منذ الصغر؛ حُشِينا بحكايات الجدات، والأجداد، والناقلين عنهم من عيرهم؛ عن عنترة بن شداد العبسي، وعمرو بن معد يكرب الزبيدي، وعمرو بن ود العامري، وغيرهم من الأبطال؛ ممن كان الفرد منهم يعُدونه بألف، وألفين، وثلاثة آلاف من الرجال الصناديد ، وكيف كان الفرد منهم (يبطش!!) فيأكل التيس الكبير في وجبة واحدة مع الخبز، والحلبة، والمرق !! ودستين ( حلاية ) أو تقدم له الجفان الكبيرة من الثريد، واللحوم المشوية، أو فتة الموز باللبن، والعسل، والسمن؛ فيبطش بها في لحظات ، وكيف كان الآخر يأخذ البعير من قطيع أبيه فينحره، ثم يشويه بالنار العظيمة، ويجلس عليه آكلاً، شارباً في الصحراء في بضعة أيام .هذه الخزعبلات، كان من السهل ـ بالتالي ـ أن تترسخ في الوعي، كسلوك غذائي يستند إلى وعي، وإن كان خاطئاً، لكنه يجد له سنداً في بطن الآدمي المستعد للسكري، بفعل أي من العوامل، وسواء أكان ذكراً، أو أنثى .ولو لم يكن ذلك صحيحاً؛ فإن الإنسان ـ أي إنسان ـ لاشك أنه يكبر، وتنمو مداركه، سواء أكان بالمعلومات المجربة، أو بالوعي الديني، والأسوة الحسنة التي قدمها الصالحون من هذه الأمة، أو ممن سبقهم؛ فقد كان منهم الأبطال، والصناديد، وهم أقرب إلى الجوع، والفقر؛ منهم لذلك البطر، والبذخ؛ الذي تقدمه الحكايات الشعبية، وإلا من هو طالوت، ومن هو داود عليه السلام، ومن هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ألم يكونوا من أسر فقيرة؟ ألم يذوقوا ويلات المجاعة، والعطش في نشأتهم، وحياتهم، ثم صاروا ما صاروا إليه من القوة ؟!والحق أقول لكم، وقد امتلأ قلبي بالندم، والحسرة، لقد كانت الحكمة بين يدي !! وكنت أعلم كثيراً منها؛ ولكن كرشي غلبني، وهاهو يصنع نعشي، ويسلبني القدرة على الحياة الهانئة في النهار، والمنام الهادئ في ليلي على فرشي، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .نعم؛ لقد كانت الحكمة في متناول يدي، بل في عقلي، ومن فم لا ينطق عن الهوى، من طبيب القلوب ، والأرواح، والأبدان، من حبيبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ألم يقل نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع ، وروي : وإذا شربنا لا نروي، وإذا نكحنا لا نثني !! وذلك رداً على من عرض عليه الطبيب الخاص هدية من أحد الملوك .إن هذا السلوك يعني أن المسلم بذلك لا يحتاج إلى الطبيب، ثم قال مرة أخرى ناصحاً أصحابه : بحسب ابن آدم لقيماتٍ يقمن صلبَه، وروي : يقمن أوَدَه؛ فإن لم؛ فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه ، وفي موقف آخر قال : المعدة بيت الداء !! .واليوم أنظروا !! أطباء التغذية ماذا يقولون ؟ بل صار هناك علاج بالتجويع، وعلاج بمنع المرضى عن تناول أي طعام عدا الفاكهة المحددة، ولكل داء على حدة، في مشافي تُمنع فيها الأطعمة على الإطلاق؛ فلا يأكلون فيها أثواراً، ولا حتى رضَّعاً، ولا يخزنون فيها القات، والشمة، والزردة، كما يحصل عندنا داخل المشافي ـ حسب الخرافة المنتشرة لدى البعض، ومنهم أطباء ـ لمقاومة السكري، أو زر الرأس!! في أمراض أخرى . صدقوني .. لقد ندمتُ، ولات حين مندم، فقد لعب بي كرشي، ونفسي الأمارة بالسوء حتى وأنا أعيش المصيبة بصورها الكارثية التي صارت تهددني بالموت في كل ليلة !!.