منتهى الشعر ابتداء القصيدة
قراءة/ نورالدين الخبثاني :مدخل: (إذا ما كانت المرأة فعلا مكانا للخطيئة .. كيف لها أن تلد أنبياء قديسين و عظماء. إذا من خلال المرأة يجب أن يعاد النظر في ثقافتنا ولا يعاد فقط على المستوى النظري، بل وعلى المستوى العملي أيضاً) علي سعيد / أدونيس. [لا يوجد نمط فقرة][فقرة بسيطة] تتناول الدراسة التي ستحمل كعنوان لها : “ منتهى الشعر، ابتداء القصيدة... قراءة ممكنة في المجموعة الشعرية : “خدود الصبار”، للشاعرة عنان العكروتي، بالنظر نصا شعريا لافتا، لما أبداه من اقتدار على شد قارئه واستدراجه إلى مناطق معاودة القراءة واستطابة الإدمان عليها . و لعل من أولى دواعي ذلك ما ينفرد به النص من خواص الفرادة والاختلاف عن مألوف مكونات المشهد الشعري الراهن من نواحِِِ عديدة معجمية فنية و جمالية . وتنقسم الدراسة التي نحن بصددها، و التي تمثل هذه الورقة لمحة تلخيصية عنها، إلى قسمين رئيسيين: قسم تحليلي تفكيكي و قسم تأليفي تأويلي . أما القسم الأول فيتفرع بدوره إلى جزء أول تركز اهتمامه على دراسة عناوين القصائد ، في ما أصبح يعرف في الدراسات السيميائية بالعتبات و بالنص الموازي وغير ذلك من التسميات، وجزء ثان يتعلق بمعالجة لغة النص ومعجميته وثالث لرصد كيفيات صدور الزمن وحضوره بما هو مقوم لأداء فعل القول الشعري ولمجريات إنتاج الدلالة . قد خلص تناول سياق العناوين إلى الكشف عن واحد من الرهانات المفصلية للنص، اضطلعت به صياغة محددة و مهيمنة للعناوين اختارت في أغلب حالاتها تقديمها أسماء نكرة مثل: بعث، تأمل، إيماءة، أو تراكيب إضافية وعطفية وغيرها، جعلت مهمات إنتاج الدلالة و المعنى ( التعريف هنا ) لا يتحقق إلا بعناء الاكتساب، وبغموض الاختلاف، باستثناء حالتين فريدتين، وردتا في بداية المتن، انفردتا باستخدام ضميري المتكلم و المخاطب : أنا أنا ...أنت، و قد تطلبتا تعمقا خاصاً في البحث كان الهدف منه تبديد وهم الحضور، أو تأكيد متانة الغياب . أما تدبر شأن لغة القصائد و رسم ملامح قاموسها ، فقد أفضى الاشتغال عليه إلى التعرف على لغة خاصة ، هي كلام الطبيعة البكر المشذب من كل محمولات ثقافة التمدن الرخامي و من ثقل التنزيل اللاهوتي، يعاضدها في ذلك تصريف للزمن (لا زمني)، هو بمثابة دورة المواسم و سيولة الأزل ؟ و بالانتقال إلى القسم الثاني التأويلي تكون رفقة النص و دربة الاستئناس بدواخله و المشقة الممتعة في حفر طياته ، قد فتحت بابا لمسارات تأويلية بعضها يتقصى رهانات الدلالة في النصو بعضها الآخر يغامر بما يمكن أن ننعته بالاجتراء / الاجتراح المعرفي. فمن حيث الدلالة ، أطلق سياق العناوين ما نحسبه نداء، صرخة أو “ عواء” ( كما جاء في منطوق النص )، لما هو صوت الطبيعة الغفل ، الذي يهفو إلى إيقاظ خدرنا العميق بمفعول المنجز التاريخي - الفولاذي و هو يغرقنا في نسيان وجودنا النوعي الأصيل لفائدة الاستغراق في الموجود الكمي الاستهلاكي/ في اليومي. لينبهنا / الصراخ بلغة الطبيعة وساعات الانتقال والولادة ( الغروب ، الفجر ، العتمة ...) نحو ينابيع الخلق و لحظات إعادة التشكيل، ليدفعنا إلى الانطلاق نحو مروج الامتلاء. و هو المبحث الذي توسلنا له بنموذج للتأويل يقوم على نوع من التقاطع بين روافد أسطورية متنوعة كـ : المتاهة الإغريقية و برج بابل و الأساطير/ الحكايات أوالخرافات الطوطمية الإفريقية ...) . روافد تبدو للوهلة الأولى متباعدة، لكنها لا تلبث بعد التمرن على الطقوس النصية ، أن تلتقي في حوض أصيل أطلقنا عليه على سبيل الافتراض و الاحتمال “ أنوثة العالم “ ؟؟؟ أما المستوى المعرفي فقد دفعنا إليه المتن دفعا من خلال زخم الدلالة و كثافة الرمز الذي حملت به القصيدة ، هي التي تحررت من أغلال القوالب النظامية لسيادة الشعر ، لتحيل بذلك ، أو بالأحرى لتنبه إلى إمكانية التخطي بل ضرورة التجاوز ، للذهاب بصرح الشعر الذي اهترأ في أقبية الخطابة و المديح ، أو تكلس في الاستعجام اللغوي ...إلى المنتهى، إلى الشعرية بما هي قول جامح يؤلف لتناغم المعارف و يحتفل بتجانس الأجناس، أو بصيغة أخرى يمشي بذاك العود الأبدي إلى القداسة الساحرة للقول الأسطوري ... ملاحظات إضافية، منهجية و بيبليوغرافية ومعرفية : منهجيا: اعتمد البحث على وسيلة التقصي بالاحتمال والافتراض، مقدماً الاستقراء على الاستدلال، أي متجنبا الماقبليات اليقينية - المدرسية لفائدة الانحياز للإنصات للنص بالمركزي فيه و الهامشي . بيبليوغرافيا: توخينا نوعا من المرحلية التي تنطلق من الأرضية اللغوية، النحوية البلاغية و ل لتنتهي إلى ماهو ألسني ففلسفي من ذلك الابتداء في شأن التعامل مع حالة “ التنكير “ بكتاب سبويه، و وصولاً إلى كتاب قواعد فاتت النحاة و هي دراسة معاصرة للبناني أحمد حاطوم . و بالنسبة لتناول (منزلة الضمائر) في إطار ثنائية الحضور / الغياب، انطلقنا من المسلمات المدرسية حولها لنتجشم مهمة هدم المسلمات الراسخة حولها بما جاءت به الدراسات الألسنية لبن فينيست والمشروع الفلسفي لجاك دريدا في مؤلفه “ في النحوية أو غراماتولوجيا” المقوض لمتافيزقا الوعي . و معرفيا : قادنا في هذا البحث و في غيره هاجس نقل خطاب النقد الأدبي العربي من واقع الإنشاء بالمناولة عن المدارس الأجنبية والتهافت على مجارات موجات التجديد المستورة، إلى مرحلة الشروع في الإنتاج المفاهيمي و المعرفي . بالمراهنة في هذا السياق على مفهوم الشعرية و من منظار الـتأسيس إلى “ ديمقراطية الكتابة “ وهو ذات الإمكان الذي راهن عليه المفكر الفلسطيني الاستثنائي إدوارد سعيد بمبادرته بالتأليف في ما أسماه : النقد الديمقراطي . ملحق أول: أدلة التاريخ و التمدن في المتن الشعري : قاطرة ، قلم، مدفأة، الركوة، مزهرية، مدن قديمة ...أدلة التدين و اللاهوت : الله، “ آية إله “، ربهم ، نبوءة ( مهزومة )، يرتل أورادا، البعث ... هذا و قد وردت أغلب هذه الأدلة في سياق من الدلالة السالبة و الملحقة بالمعنى، و تعمد النص إزاحتها نحو مواضع ثانوية وهامشية بالنسبة للجهاز الرمزي للقصائد، خصوصا إذا ما أخذنا بالاعتبار مركزية قاموس الطبيعة و الذات. ملحق ثان : تصنيف أولي لأبنية الصور الشعرية في “خدود الصبار “ : صنف أول : البناء بالتجاور الأفقي للعبارات المتضاربة و المتقابلة في الدلالة ( الحقيقة - ذنوبها / أتقدمك - تنبت بمفاصلي/ زنجي - أتعبه عفن الحرية / أشتاق - شوقي يبلله الأسى ...) . و هو ما يسمه الباحث في السيميائيات (جيرار جينات) بـ: “الصورة الهاربة “ . صنف ثان : البناء بالتكرار: تكرار التقرير و الاستفهام ( أنا لون، أنا بعض، أنا لغة ، أنا أغنية ...)صنف ثالث : البناء بتركم الانشاء بالعطف ( و قصيدة ، و الطاعون، و يكفي، و أختبئ، و أنمو / قصيدتي “ بدأت “ ، “ بعث “...) صنف رابع : شكل من البناء يعتمد تقنية “ الكولاج “ المشهدي بالجمع بين صور جزئية متعددة تكون مجتمعة صورة جديدة تشملها جميعا و تتجاوزها ( و هو جانب لا يزال في حاجة الى التعميق...) ملحق ثالث: حول دلالة “أنوثة العالم “ للعبارة زيادة على كونها استعارة شعرية . نظير لها في علم الانتروبولوجيا يعرف بـ “ عهد الأمومة “. ذلك أن انقلابات عديدة حدثت خلال تاريخ البشرية الطويل ( خمسمائة ألف سنة ) من منظور “التاريخ الصناعي” - كما يرى ذلك هيدغر- ، و الحال أنه قد لايساوي طرفة عين إذا وضعناه في إطار تاريخ الطبيعة الذي يقاس بمليارات السنين . و لعل من أهم هذه الانقلابات: - انقلاب الزراعة و صناعة الأدوات الحديدية - انقلاب الحرب و اختراع السلطة السياسية -انقلاب خطاب المعرفة الذي انتقل من شعرية الأسطورة إلى صرامة يقين الحقيقة الأحادية في الفلسفة اليونانية... تلك الانقلابات التي عملت على الإجهاز على “ عصر الأمومة “، بما هو عالم من الخصوبة الاطمئنان و الامتلاء . و لم يبق غير الشعر وحده، و بالتحديد القصيدة، لتحمل استمرارية الحنين إليه، من أجل استعادته مختلفا بما تراكم من مكاسب مضيئة عبر التاريخ التقني المذكور.