في الشهر المنصرم، اندلعت في فرنسا فورة سياسية وإعلامية حول سكيجات ومسرحيات الكوميدي، الأفريقي الأصل، «دديو دونه» - ترجمة الاسم هي «هبة الربّ» -.هذا الممثل يصعد على المسارح منذ سنوات طويلة، وله مسرح خاص، وهو يقدم نفسه كمدافع عن الفلسطينيين وكشاجب لسياسات إسرائيل. غير أن مسرحياته تحولت تدريجيا إلى تبشيع اليهودية، ونكران المحرقة، والتشهير بكل شخصية يهودية فرنسية بارزة، من صحفيين وكتاب ورجال دين، وصولا للحاخام الأكبر ولرئيس مجلس الديانة اليهودية، ولحد الإعلان بأنه يبول على حائط المبكى.في مرات سابقة، كانت هناك شكاوى تطالب بمنع مسرحياته، ولكن المجلس الدستوري الأعلى كان ينقض كل قرار بالمنع. غير أن تمادي هذا الممثل، المسيس والمؤدلج، مؤخرا لحد القيام بحركة يد تذكّر بالتحية النازية معكوسة قد فجر الموقف، وأجبر الحكومة على طلب منعه من تمثيل مسرحيته. وقد حظي القرار هذه المرة بموافقة المجلس الدستوري الأعلى. ولو كان المحور هو التشهير بالمسلمين والإسلام والتحريض ضدهما، لكان الموقف الفرنسي هو نفسه. فحرية الرأي والتعبير مقدسة تماما، ولكنها ليست مطلقة، ولها ضوابطها القانونية، إلا أن المنع يجب أن يكون العلاج الأخير والنادر جدا، بالعكس مما يجري في الدول العربية والإسلامية، وفي دول الاستبداد الأجنبية، كما في روسيا وكوريا الشمالية وكوبا وغيرها، حيث القاعدة هي المنع، بل، وحتى القتل والسجن أيضا - آخر خبر من العراق هو عن صدور أمر لإلقاء القبض على القاضي منير حداد والكاتب سرمد الطائفي لنشرهما مقالات تنتقد المالكي. خبر نرجو أن لا يكون صحيحا، وإن صح، فهو ليس بمستغرب مع حكومة المالكي!! ديو دونة - إن كان هذا اسمه الأصلي؟- ، كان قد تحول للإسلام، ودعا المسيحيين للأسلمة. وله جمهور من شبان الضواحي من المسلمين، الذين كانوا يصفقون له بحرارة كلما اشتد في المهاجمة والتشهير والتحريض ضد اليهود واليهودية كدين. ومع المنع، تنادت جماعات منهم للزحف من الضواحي إلى بعض أحياء العاصمة ذات التجمعات اليهودية لرد الصاع صاعين!! ومهما يكن، فالموما إليه صرح بأنه ينوي تغيير مواضيع مسرحياته وسكيجاته.حالة هذا الرجل تثير تداعيات سياسية بصدد الحق الفلسطيني في دولة مستقلة، وكيفية الدفاع عن هذا الحق المشروع. وفي نظرنا، فإن من يريد السلام حقا من العرب والفلسطينيين يجب ان لا ينزلق لمستوى سياسي وحضاري مسف لحد التشنيع بالديانة اليهودية والخلط بين سياسات غلاة الإسرائيليين وبين يهود العالم، وحتى دعاة السلام في إسرائيل نفسها، والذين كان إسحاق رابين رمزا بارزا لهم. وإن الدفاع عن الحق الفلسطيني لا يتفق مع التلويح دوما بسيف التطبيع ضد كل من ترجم كتابا من العبرية ولو كان لصالح القضية الفلسطينية نفسها. والسلام الحقيقي يبنى تدريجيا من أسفل، وما يلزم من حوار واتصالات بين المؤمنين بالحق الفلسطيني من عرب ويهود. وإن تجريم كل مثقف على زيارة إسرائيل بدعوة جامعية يناقض زيارات المثقفين الفلسطينيين لإسرائيل والتحدث هناك بالعبرية. وإن إقامة الصلة باليهود المهاجرين والمهجرين من بلدان عربية أمر قد يساعد على تشديد الضغوط على قادة إسرائيل لإجراء التنازلات الضرورية، والتحلي بالمرونة اللازمة من أجل التوصل لاتفاق سلمي عادل بين الطرفين. وقد عبرت عن ترحيبي بزيارة المغني العراقي المبدع إسماعيل فاضل وتقديمه أغاني عراقية قديمة أمام حشد من اليهود العراقيين المهجرين. فالموسيقى من أدوات الحوار، وكذلك الأدب وبقية الفنون . وإن تحقيق الحلم الفلسطيني لا يتم بشن حملات شعواء على كل فنان وفنانة وكل كاتب عربي تحاور مع إسرائيلي أو سلم عليه. فهذا موقف يشجع على المزيد من التباعد ولن يسترد شبرا من الأرض الفلسطينية. ومؤسف أنه، بينما الجامعات الإسرائيلية، تدرس الأدب العربي، وبينما العشرات من خيرة المؤلفات العربية مترجمة للعبرية، فإن سيف التطبيع مشهر دوما على من يترجم منها ولو كان أكاديميا فلسطينيا. إن أمثال ديو دونة يشعلون الحرائق، وينشرون الكراهية بأساليب تهريجية مسفة، وإن ما يمارسه وأمثاله ليس مجرد استعمال لحرية التعبير والرأي، بل انحراف بهذه الحرية إلى خانة التشهير والتحريض وتسويغ العنف تجاه قوم وديانة. وهؤلاء الشبان الراكضون وراءه لا يفهمون أن استفزاز اليهود الفرنسيين - وحتى المسيحيين أيضا بدعوتهم للأسلمة - ليس الطريق السليم للمساهمة في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية في الغرب وكسب الرأي العام لجانبنا.هذه ملاحظات أعرف أن هناك من سوف يعترضون عليها. والموضوع ، على أية حال مفتوح للسجال.
الحق الفلسطيني وكيف ندافع عنه..
أخبار متعلقة