أحمد صالح الفقيه مدخل:ينطلق اهتمام السوسيولوجيا، اي علم الاجتماع، بعالم الرواية من اعتبارين هامين مفادهما : أولا أن الاهتمام الجماهيري بهذا الفن ظاهرة سوسيولوجية تتمتع بكل صفات الظاهرة الاجتماعية. وثانياً لأن ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﺴﺮﺩﻱ يستحضر اﻠﻤﻌالم ﺍﻟﺘاريخية والمعاصرة ، ﻭاﻠﻤﻈﺎﻫﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻭالمضامين ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺍﻹيديولوجية التي يقدمها ﻭﻓﻖ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﺃﺩﺑﻴﺔ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﺍﻟﺘﺸﻜﻴﻞ ﺍﻟﺴﺮﺩﻱ الفني.وقد أفضت ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﻮﻃﻴﺪﺓ بين ﺍﻷﺩﺏ ﻭ المجتمع، إلى اتجاه ﻋﺪد من المدﺍﺭﺱ النقدية الى المناداة ﺑﺎﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻷﺩﺏ، ﻭ رأت ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺗﺄﻭﻳﻞ ﻭتفسير ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻲ، ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، وهذا يعني اﻥ ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻲ ﻣﻨﺘج ﻷﻧﺴﺎﻕ ﺇﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﺃﻭ ﺃﻧﺴﺎﻕ ﺷﺎﺭﺣﺔ لها.ويذهب بعض المشتغلين في ﺣﻘﻞ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ، إلى تصنيف الايديولوجيا في العمل الروائي ﻋﻠﻰ انها مجمل المضامين ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ التي ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻲ ﻭﺼﻠته ﺑﺎﻟﺘﻮﺟﻪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻟﻠﻤﺆﻟﻒ، فيتم ﺗﺼﻨﻴﻒ الروائي ﻭﻓﻖ ﻣﺎ ﻳﻌﻠﻨﻪ ﻣﻦ ﻣﻮﺍﻗﻒ ﻭﺁﺭﺍﺀ ﰲ ﻋﻤﻠﻪ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻲ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ الى ﺃﻥ ﻣﺼﻄﻠﺢ (ﺃﺩﻟﻮﺟﺔ) - ﻋﻠﻰ ﺣﺪ تعبير ﻋﺒﺪالله ﺍﻟﻌﺮﻭﻱ - صارسمة ﺗﺴم بميسمها ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ، ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻴﺔ، ﻟﺘﺼﺒﺢ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻴﺔ اعمالا ﺭﻭﺍﺋﻴﺔ ﺇﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﺗﻄﺮﺡ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﻜﺜﻔﺔ ﻭﻭﺍﺿﺤﺔ.وارى ان ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﻭ المسببات التي يصبح ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻲ بموجبها ﻋﻤﻼ ﺃﺩﺑﻴﺎً ﻓﻨﻴﺎً ﺧﺎﻟﻴﺎً ﻣﻦ الايديولوجيا السياسية بصورة خاصة، يرجع الى طبيعة الرواية، ودرجة ابتعاد الموضوع عن المشكلات الاجتماعية والسياسية للمجتمع، كما في روايات الخيال العلمي والروايات البوليسية على سبيل المثال. اما فيما يتعلق بالروايات التي تتناول المجتمع وتعبر عن علاقاته ومشكلاته فاني ارى انه لا يمكن مصادفة ﻧﺼﻮﺹ ﺭﻭﺍﺋﻴﺔ ﺗﺴﺘﺒﻌﺪ ﺣﻀﻮﺭ ﺍﻷﻧﺴﺎﻕ ﺍﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ، وهنا يحتاج الناقد الى البحث في غاية المؤلف منها، ﻭﻣﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﻔﺠﻮﺍﺕ والمساحات التي ﺗﺘﻤﻮﻗﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻧﺴﺎﻕ ﺍﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ في ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻲ. فإذا كثرت هذه الفجوات والمساحات فان ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻲ ﻳﺼﺒﺢ ﺑﻴﺎﻧﺎ ﺇﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻣﻨﺘﻤﻴﺎ ﻟﻔﺌﺔ من فئات المجتمع.ولا يظهر الحضور ﺍﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻲ ﻟﻠﻤﺆﻟﻒ، في رأيي، الاعند ﺍﺳﺘﻨﻄﺎﻕ ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻲ، بمعنى ﻗﺮﺍﺀته ﻭﺗﺄﻭﻳله، بتحليل المستويات الداخلية والخارجية للنص، وهذا تناول حداثي يحاول ﺃﻥ ﻳﻮﺣﺪ بين مختلف الاتجاهات ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ، التي ﺣﺎﻭﻟﺖ ﺃﻥ ﺗﺪﺭﺱ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ بجزئياتها وكلياتها، ﻭالتي تميزت- ﺃﻳﻀﺎ - ﺑﺘﺠﻤﻴﻊ المقاربات ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ المنصبة ﻣﻦ ﻗﺒل على ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻭتحليل ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻴﺔ، فقد ﺍﻫﺘﻤﺖ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ بجميع ﺟﻮﺍﻧﺐ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ، ﺑﺘﺮﻛﻴﺰﻫﺎ في ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﻋﻠﻰ المستويين ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻭالخارﺟﻲ، ﻭهو أيضاً ﻣﺎ ﺍﻋﺘﻤﺪﺗﻪ ﺍﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻜﻮﻳﻨﻴﺔ في تحليلها ﻟﻠﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻴﺔ . [c1]عتبات الرواية[/c]الطبعة التي بين يدي هي الطبعة الخامسة وقد نشرها اتحاد الكتاب والأدباء اليمنيين في العام 2010 وجرى طبعها بصنعاء بمطبعة دار الآفاق وأخرجت في 209 صفحات من القطع المتوسط. وكانت الطبعة الاولى قد نشرت في العام 1984 من قبل دار الآداب في بيروت.ان الغلاف من وجهة نظر سيميائية هو لوحة واقعة ضمن بنية النص مع انه صفحة تتميز عن المتن بطابعها الدلالي الخاص، من حيث كونه تركيبا للنص في لوحة تنتظم فيها المعطيات البصرية واللسانية. وتظهر كلمة الرهينة على غلاف رواية الرهينة في الجزء الاعلى من الصفحة بخط كبير الاحرف فوق رسم ملون لامرأة شابة حسناء، يشغل نصفها الاعلى كامل الصفحة، يليها اسم الروائي بخط اصغر. وأنا افضل عند تناول العتبات الاكتفاء بالعنوان لأنه العنصر الوحيد الذي يرتبط بالروائي، اما بقية العناصر فليس للروائيين اليمنيين يد فيه في الاغلب الأعم، غير أن ذلك من الاستثناءات في هذه الحالة، وربما بالصدفة. فمع ان العارف بالحال يعرف ان كلمة الرهينة تنصرف الى شخص ذكر مسترهن مرهون، إلا أن غير العارف سينصرف ذهنه إلى الشابة التي يمثلها الرسم باعتبارها الشخص المقصود. وبطلة الرواية «الشريفة حفصة»، على الرغم من سمو مكانتها الاجتماعية، يمكن النظر إليها من قبل العارف كرهينة أيضاً ولكن للتقاليد والأعراف.ويتميز العنوان من جهة أخرى بالمباشرة اللافتة، كما انه ذو دلالة مباشرة على مرحلة من حياة الروائي، أو ربما أحد إخوته، كان فيه رهينة في مرحلة مبكرة من حياته باعتباره ابنا لشيخ إقطاعي، من الذين اعتاد الأئمة على اخذ أبنائهم رهائن ضمانا للولاء الطاعة، ولولا أن الروائي من مواليد العام 1943 لاعتبرت الرواية نوعا من السيرة الذاتية، مع انها يمكن أن تكون كذلك وان يكون فضاؤها الزمني نوعا من التمويه.أن كلمة الرهينة كلمة خنثى، إن صح التعبير؛ فكل شيء يصلح لاستخدامه كرهينة شريطة أن يكون ثمينا بالنسبة لمن يقدمه، ويطلق اللفظ ذاته على الأنثى والذكر، بل وحتى على الشيء المرهون وان كان جمادا. نظام الرهائن نظام موغل في القدم مذ عرف الإنسان الإمارة المملكة والسلطنة، حيث يعمد الملك أو الأمير بموجبه على اخذ رهائن من أبناء الاقيال ورؤساء القبائل. وحسبنا هذا من العتبات.[c1]الفضاء الزمني للرواية[/c]تدور أحداث الرواية بين العامين 1945 و1948 في عهد الإمام يحيى حميد الدين وربما امتدت أحداثها إلى العام 1949 في عهد الإمام احمد. وقد استندت في هذا التحديد من جهة إلى حقيقة أن اغتيال الإمام يحيى يرد في أواخر الرواية في الصفحتين 184 و 185، ومن جهة أخرى استندت إلى أن وظيفة الدويدار (صبي الخدمة في القصور) التي شغلها بطل الرواية الرهينة، تشترط أن يكون شاغلها صبيا لم يبلغ الحلم، وان يكون قادرا جسديا على الخدمة، أي انه يكون في حوالي العاشرة من العمر، فان كان ذلك كذلك في العام 1945 فانه يكون في عتبة البلوغ في العام 1949 حيث يكون في الرابعة عشرة من عمره، وهي سن لا يصلح أن يكون فيها دويدارا لصلته بنساء القصر، اللهم إلا إذا كان طواشيا من الخصيان. [c1]الفضاء المكاني[/c]مدينة تعز هي مسرح أحداث الرواية وقد اختار منها الروائي قصر النائب كمكان رئيس ذو أمكنة متعددة بداخله، كغرفة الحالي والمطابخ والإسطبل وديوان النائب وقصر الشريفة ..الخ. يحتوي الزمان الرئيس، ثم فضاءات وأزمنة مساعدة كقلعة القاهرة، ، ثم بدرجة اقل كثيرا قصر السيف احمد (دار الناصر) والطريق إليه.[c1]من فصول الرواية[/c] في المقطع الاستهلالي للرواية التي يتحدث فيها السارد بلسان بطل الرواية بضمير الأنا يقول: (كم هي جميلة هذه المدينة! شاهدتها لأول مرة عندما أخذت من قريتي ووضعت في قلعتها (القاهرة) بين رهائن الإمام. أخذني (عكفة) الإمام ذوو الملابس الزرقاء عنوة من بين أحضان والدتي ومن بين سواعد أفراد أسرتي المتبقين. ولم يكتفوا بذلك بل اخذوا حصان والدي تنفيذا لرغبة الإمام.) ص6 و7.بالإضافة إلى ما يثيره هذا المقطع في نفس المتلقي من أسى على الطفل الرهينة، فانه يمكنه أيضاً من تصور مقدار الحزن والغضب الذي تخلفه معاملة قاسية كهذه في نفس الطفل، إلا أن هناك ماهو انكي من ذلك بكثير وهو ما سنتناوله بعد قليل. من جهة أخرى ينبئنا المقطع بمقدار ثراء أسرة الطفل الرهينة، ذلك أن امتلاك إسطبل للخيل في ذلك الزمان، يشبه مع بعض المبالغة، امتلاك طائرة خاصة في هذه الأيام.في اليمن كان اضطرار اللاهوت السياسي للاستعانة بالقبائل الشمالية المقاتلة، لفرض سلطانه على المدن والمناطق الزراعية اليمنية، سببا في ظهور ما يمكن تسميته بالاستعمار الداخلي، الذي لعبت فيه القبيلة الشمالية دور المستعمر، وأسرة الروائي هي إحدى رؤوس تلك القبائل المقاتلة. وطبقا لشهادات من كبار السن في المناطق الزراعية، استمع إليها الكاتب، وكان مصدرها روايات أسلاف الشهود المنتقلة بالسماع من جيل إلى جيل، فان الهيمنة القبلية الشمالية كانت تبدأ بحصول شيخ على موافقة من الإمام أو صك بإقطاعه منطقة معينة، فيذهب إليها الشيخ مع مجموعة قوية من قبيلته، ويشرع في محاصرة قراها قرية بعد أخرى، ويفتشون كل بيت، ويستولون على وثائق ملكيات سكانها، ثم يطلبون من الملاك الأصليين الوصول إلى مقرهم الذي اتخذوه في القرية، لاستئجار ممتلكاتهم ذاتها من الملاك الجدد، مقابل نسبة من المحصول، فيتحول المالك إلى أجير يعمل في أرضه ذاتها. ويتوارث أعقابه حق الانتفاع بتلك الأرض، كما يكون لهم حق بيع هذا الحق لآخرين مقابل مبلغ متفق عليه تذهب نسبة منه للمغتصب، ويوقع الشاري الجديد عقد استئجار يحل فيه محل الأول كأجير.والمثير للسخرية أن الأجيال اللاحقة من أبناء المشايخ المغتصبين شاركوا في الثورات ضد الحكم القائم في زمنهم بسبب تضررهم من الجبايات الحكومية الباهظة، فأصبح يشار إليهم في أدبيات التاريخ اليمني المعاصر على أنهم من الثوار، وقادة الحركة الوطنية ضد الظلم والاستبداد على مر الأجيال. وكانت هذه الثورات سببا لأخذ الرهائن من شيوخ هذه المناطق ضمانا للولاء والطاعة أو حتى لمجرد النكاية.[c1]الاستغلال الجنسي للرهائن[/c]في المقطع التالي يواصل ( الرهينة) حديث الرواية الاستهلالي قائلاً: « كان يوما معتدلا، خفت فيه حدة هطول الأمطار لتتيح لنا مشاهدة المدينة والقرى البعيدة المتلألئة فوق الجبال، كان الجو صافيا . إنه علان شهر التأهب للحصاد . كنت مع زميلي الدويدار، الدويدار الحالي كما يسمونه، على سطح دار النائب العالي ،لا أدري لماذا أحببت صداقته، ربما لتقارب السن، وربما لعملنا المشترك . كنت قريب العهد في منزل النائب ، نائب الإمام و عامله على المدينة وما يتبعها ،عندما أخذوني قسرا من قلعة القاهرة ، معقل الرهائن. وأدخلت من بوابة قصر النائب وأنا أتذكر نظرات الازدراء التي ودعني بها زملائي الرهائن . كنت على علم بأن بعض الرهائن قد أخذوا إلى قصور الإمام وبعض نوابه وأمرائه دوادرة . وكنت أسمع أن بعضهم قد تمكن من الفرار والبعض قد فشل،فكبلوه بالقيود الحديدية في قلعة القاهرة مدى الحياة . الشيء الذي لم أكن أعرفه هو معنى الدويدار وما هو عمله ? ولم أكن أعي أي تفسير يقال ،ربما لصغر سني . من شروط الدويدار أن يكون صبيا لم يبلغ الحلم . هكذا كان يقول أستاذنا الفقيه السجين أيضاً معنا، والمكلف بتعليمنا القرآن والفروض والطاعة في قلعة القاهرة معقل الرهائن . يقوم الدويدار حاليا بعمل الطواشي وعندما تبدو علينا الحيرة يقول : والطواشي هم العبيد المخصيون . فنزداد حيرة أكثر .والخصي، هو من تضرب خصيته . ونحتار أكثر أيضا من جديد متألمين لهذا العمل القاسي فيقول: لكي لا يمارس عملا مشينا، جنسياً، كمضاجعته نساء القصور، أي بمعنى آخر يجب أن يكون فاقدا لرجولته، أي بمعنى آخر، عاجزاً، ونحتار أيضا ، فنقول : هذا يكفي ، مفهوم ? غير مفهوم يا سيدنا الفقيه . يقوم غاضبا لردنا الجماعي الذي كان يعتبره وقحا أو وقاحة ، ونصيح بنشيدنا المعتاد : - غفر الله لك يا سيدنا ، ولوالديك مع والدينا ، إلخ .”أن تتحول من ابن شيخ الى صبي خدمة ولو في قصر لا بد ان يفعم النفس بالمرارة والاحساس بالهوان. ومن هنا ازدراء الرهائن لمن أصبحوا دوادرة. ويلمح الروائي على لسان الرهينة سبب الازدراء فيقول:« كان بعض الرهائن ممن مارسوا أعمال الدويدار ثم عادوا إلى قلعة القاهرة مرة أخرى لبلوغهم الحلم كما يقول الفقيه : يحكون أشياء غريبة وعجيبة علينا . وكنت ألاحظ أن معظم العائدين منهم إلى القلعة قد تغيرت ملامحهم ، حيث غدوا مصفري الوجوه بالرغم من ظهور نعومة شاملة في أجسامهم مع شيء من الترهل وذبول في غير أوانه . كنت ألاحظ أيضا اهتمام حرس القلعة بهم ، هؤلاء ناعمي الملمس رقيقي الأصوات ، بملابسهم النظيفة المرسلة حتى الأرض ، وبتلك الكوافي المزركشة التي حاكتها نساء القصور فوضعوها على رؤوسهم لتخفي شعرهم المجعد الممشط ، الذي تفوح منه رائحة الدهون المعطرة التي يستنشقها بلذة أفراد الحرس ، والفقيه مدرسنا أيضا الذي يبالغ في مراعاته لهم بسماجة أكثر مما يلزم.كانت قلعة القاهرة في ذلك الزمان مقرا لحامية عسكرية مزودة بالمدفعية والرشاشات، وكان الإمام يختار من حرسه الخاص «العكفة» قيادات الحامية، رجالا ذوي دين وخلق تلقوا كبقية العكفة قسطا من التعليم. وفيما عدا العكفة كان الجنود رجال قبائل غلاظا جهلة. ولطالما عرفت الثكنات بأنها بيئة خصبة لأنواع الشذوذ الجنسي حتى في الجيوش الحديثة، ويتداول اليمنيون قصصا عن الاستغلال الجنسي للرهائن من قبل الجنود المقاطيع الذين يتركون عائلاتهم في قراهم الجبلية ولا يحصلون على فرصة لزيارتها الا كل عام ونيف، ولعل هذا الاختلاط بجنود الحرس الغلاظ الجهلة يفسر تلك الأنوثة الظاهرة على الدوادرة العائدين من القصور التي وصفها الرهينة في المقطع السابق، بالإضافة إلى اختلاطهم بخادمات القصور ونسائها، ومنهن العوانس اللواتي ربما تحركت نوازع الامومة فيهن فأحسن إلى الصبيان وصنعن لهم الطواقي واعتنين بهندامهم ورائحتهم..وربما كانت العوامل السالفة الذكر هي التي دفعت الروائي إلى تصوير زميله الدويدار (الحالي) أي الجميل لم يفر في علاقاته الجنسية أيا من نساء القصر وهو مجرد طفل وصور القصر في معظم الرواية وكأنه مبغى كبير، ثم ذهب ابعد من ذلك بان صور الحالي وكأنه الشريك الجنسي الايجابي لحرس قصر النائب مع أن العكس هو الأكثر معقولية كما في هذا المقطع:- كانوا يسألون عنك، عن الدويدار الحالي ! ترك منكبي وأطرق لحظة إلى الأرض ،ثم قال باسما :- ماذا قالوا ?- لا شيء ، سوى أنني كنت غير محبب لديهم .- لا يهمونني في شيء ، فهم مجرد عوانس كعوانس القصر وملحقاته ._ أتعني ذلك ؟- ألم تلاحظ ذلك، على أشكالهم وطباعهم وحديثهم وتصرفاتهم ؟!جذبني نحو دار الشريفة حفصة .. قلت له :- ليس من الآن .- لماذا ؟- لم تستدعني أولا ، وثانيا أريد أن أتحدث إليك حول عملي هذا .- دويدار .- لم أفهم ?- دويدار ، وهذا يكفي .- يعني : خادم !- أرقى نوعا ما .- لم أفهم !- ستفهم مستقبلاً !- قال لي هذا الكلام .. البورزان !- دعك منه ، فهو عانس أيضاً . ساد صمت لفترة وجيزة ، قلت له بعد ذلك :- لماذا يطلقون عليك ، لقب .. الحالي ؟! ابتسم ثم قال :- من الحلاوة ![c1]الاستغلال الانكى[/c]في هذا المقطع من الرواية ص65 يتلقى الرهينة إخباراً عن أسرته في قريتهم وان هناك عساكر «بقا» في بيوت أسرته التي لم يعد فيها إلا النساء والأطفال. و« البقا » تعبير يدل على أن الجنود يقيمون في المنازل ويتلقون الخدمة والكفاية أي كل ما يحتاجون إليه من سكان المنزل. ويمكن للمرء تصور ما يمكن أن يحدث... الأمر الذي يفسر النقمة المحتدمة في رواية الرهينة:«حاولت ذات يوم ، وقد ضقت ذرعا بالحياة ، أن أقنع صاحبي بالخروج إلى الميدان ثم إلى المدينة ، إلى السوق ، إلى الشارع ، قلت له بتودد :- أريد أن أتجول في المدينة هذا اليوم ، ولو لساعة واحدة .- لماذا ؟- يوم واحد، بل ساعة واحدة، ألا تسمح أن ترافقني ؟- أشاء ! لكني أريد فقط أن أشم الهواء .- الهواء موجود !- أريد أن نمشي معا، أن نشم هواء آخر ، نرى الناس، أن أجد أي شخص من بلدتي ممن يبيعون البصل والثوم والبطاطا في السوق ، أسألهم عن حالة أسرتي !- أبوك الهارب يلهب الدنيا بلسانه الطويل على الإمام في الجرائد ، في عدن ، وحالة بلدتكم سيئة . أطرقت ، لم أكن أعرف أن لوالدي هذه الأهمية !- أما أعمامك وأفراد أسرتك الآخرون ففي السجون . أطرقت مرة أخرى ، كنت أعتقد أنني الرهينة الوحيدة في السجن ! ثم قال :- لا يوجد في دياركم سوى النساء والأطفال الرضع ، و السواري و العكفة بقاء عليكم .»في سيرة مؤسس دولة الموحدين في المغرب المهدي محمد بن تومرت كما وردت في وفيات الأعيان لابن خلكان، انه لجأ إلى قرية تينمل الواقعة في عمق مضيق بين جبلين، وانه لاحظ هناك الأشكال المتباينة للأطفال، فعدد كبير منهم زرق العيون شقر الشعور، فلما سال أهاليهم عن ذلك قالوا أن جنود السلطان بن تاشفين، واغلبهم صقالبة من العرق الغربي، يأتون إليهم للجباية ويسكنون في دورهم فيخرج الأطفال على تلك الشاكلة، ولا أكاد اشك أن هذا من ذاك.[c1]الخلاصة[/c]تتميز رواية «الرهينة» بنسق ﺍﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻲ ﻭاضح ومكثف في ﺑﻨﻴﺔ الخطاب ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻲ، فالعالم الاجتماعي الكامن في هذا العمل الروائي عالم متصارع دائر في فلك المصالح ويسعي نحو تحقيق الأفضلية ولو بتشويه الآخر إلى درجة الاغتيال الأخلاقي المعنوي، فيما يظهر أنه استكمال للاغتيال المادي الذي نفذه الانقلاب العسكري الناصري على الحكم الأمامي في سبتمبر 1962، وشعور الروائي انه بالرواية يستكمل انتصار طبقته الاجتماعية من شيوخ القبائل وقد ورثت حكم البلاد بعد إسقاط الجمهورية الأولى في نوفمبر 1967 في انقلاب عسكري لعب فيه تحالف بين البعث وشيوخ القبائل الدور الأكبر، ثم ما تبع ذلك من تحولات سياسية في العقدين التاليين هيمن خلالها شيوخ القبائل على مقدرات البلاد. ولد زيد مطيع دماج عام 1943 في لواء إب في اليمن وبدأ تعليمه لدى الكتاب « المعلامة « حيث حفظ القرآن الكريم . - درس الحقوق في جامعة القاهرة والصحافة في جامعة صنعاء لكنه لم يكمل تعليمه إلا في صنعاء.- انتخب عضوا في أول برلمان يمني عام 1970 بعد انقلاب نوفمبر 1967 ومن ثم رئيسا للجنة الثقافة فيه . - عين محافظا للواء المحويت وانتقل إلى العمل الدبلوماسي حيث عمل دبلوماسيا في الكويت ثم في سفارة اليمن في لندن، وتوفي هناك في العام 2000م.صدرت له المؤلفات التالية :1 - طاهش الحوبان (قصص) 1973 2 - العقرب (قصص) 1982 3 - الرهينة (رواية)1984 4 - الجسد (قصص) 5 - أحزان البنت مياسة6 - الانبهار والدهشه - سرد من الذاكرة 2000 7 - المدفع الاصفر- قصص 2001وقد حظيت روايته الرهينة بدعاية كبيرة ورعاية من قبل السلطة بسبب مضامينها الايديولوجية بينما تكاد تكون بقية اعماله محهولة.
|
ثقافة
قراءة سوسيولوجية لرواية زيد دماج (الرهينة)
أخبار متعلقة