الدكتورة اسمهان العلس في حوار ساخن لـ 14 اكتوبر :
حاورها/ أيمن عصام سعيدعدن.. محافظة المعالم السياحية المتنوعة التي اكتسبت شهرتها التاريخية من أهمية موقع مينائها التجاري، حيث قام اليمنيون القدماء بدور التاجر والوسيط التجاري؛ ماجعلها بمثابة القلب النابض لتنشيط حركة التجارة العالمية قديماً ، وتردد ذكرها في الكتب المقدسة مثل التوراة والمصادر التاريخية الكلاسيكية عند الرومان واليونان القدماء .وتناول عدد من المؤرخين مدينة عدن بالتقصي اسماً وتاريخاً , ومن أولئك المهتمين بهذا الشأن بامخرمة في ( تاريخ ثغر عدن ) , وابن المجاور في ( تاريخ المستبصر ) وتكلم عنها الهمداني في ( الإكليل ) والجندي في ( السلوك ) .وتعالت صرخات ابنائها للإهمال الذي طال كل المعالم التاريخية والاثرية بعدن من خلال الهجمة الشرسة التي تمارس لطمس الهوية الاثرية والثقافية والجمالية لعدن بشكل عام حتى تعاد صياغة تاريخ عدن وفق رؤى محددة.التقينا بالدكتورة اسمهان العلس (بنت عدن) وبكلمات تنم عن قهرها مما آلت اليها معاناتها ، والمها لما تراه من سلوكيات لطمس الهوية التاريخية والمورث الثقافي لهذه المدينة الباسلة... وهاكم حصيلة هذا الحوار:عدم الاكتراث لحضارة مدينة عدنوترى الدكتورة اسمهان العلس ان غياب النظام والقانون وفقدان هيبة الدولة وحرصها وتساهل المسئولين فيما يتصل بالحق الثقافي لعدن وعدم الاكتراث بالمحافظة على الوجه الثقافي المتميز لعدن وعدم القدرة على الوقوف في وجه الجرائم التي ترتكب في حق المدينة ، ذلك السكوت المطبوع بنبرة الخوف من الدفاع عن الحق العام لعدن هو الذي أوصل عدن إلى مستوى التعايش مع الخطأ ، حتى أبرز النقاط الساخنة والأوضاع المأساوية التي تعيشها عدن اليوم . وتضيف العلس قائلة:إنه من المؤسف أن تنتشر العشوائيات فوق الجبال دون احترام للطبيعة الجيولوجية والتضاريسية للمدينة وهذا الأمر ينذر بكارثة محدقة .ونوهت في الوقت ذاته "بدلا من جعل المدينة القديمة في محافظة عدن مدنا طاردة لسكانها إلى المساحات المحيطة بهذه المحافظة أثقل كاهل المحافظة بالتزاحم على مساحاتها المحدودة واعتلى البعض جبالها ، وأهلكت البنية التحتية لها بشكل مخيف ، في الوقت الذي صرفت المساحات البيضاء لعدن للمتنفذين بسعة مهولة منافية لكل المقاييس وبلا ثمن . وأما حاجة السكان من الخدمات العامة فوقفت السلطات المحلية عاجزة إلا من هدم القديم بكل مضامينه التاريخية والحضرية وبناء الجديد لتستوعب الحاجة التعليمية والطبية وغيرها . إنها سياسة آنية قاصرة تخلو من الرؤية الصحيحة للتنمية الحضرية .البنك الدولي ومشروعاته الخاصة بتمويل الأسواقواستطردت اسمهان قائلة :على الجانب الآخر هدد البنك الدولي أو قد سحب بالفعل مشروعاته الخاصة بتمويل الأسواق ، وهو الموقف الناتج تحديدا عن عدم التزام الجهات الرسمية بتوفير البيئة السليمة لتنفيذ المشروعات ، ومنها " ألاّ يثير تنفيذ المشروع شكاوى أو احتجاجات ناتجة عن التنفيذ " ويقصد بذلك أن المفارش غير المرخصة والمحيطة بالأسواق في كل من الشيخ عثمان وعدن هي بيئات ساخنة قابلة للاحتجاج والمعارضة فيما لو نقلوا إلى خارج السوق . لكن السماح لهؤلاء بافتراش الطرقات دون رادع مبكر هو الذي أوصل الوضع إلى حالته الراهنة فاكتسب هؤلاء مشروعية لا ندري وفقا لأي قانون حتى أن السلطات لا تقوى على إجبارهم على الرحيل إلى الأسواق البديلة التي خصصت لهم ومنها سوق الممدارة في الشيخ عثمان ، ومدن عدن وأهلها هم الخاسرون الأساسيون .الصهاريج والعشوائيات وبحسرة تنم عن الالم لما تراه من عبث بمقتنيات تاريخ عدن تقول: فالصهاريج يعبث بها وتنتشر العشوائيات في جوانبها وبعض مقتنيات المتحف تستخدم حواجز بين الأشجار والعبث الآخر في جزيرة صيرة وقلعتها التاريخية ويغطي العبث بها مكوناتها الجيولوجية والبيئية والتاريخية ، ناهيك عن نتائج مؤسفة يحملها المستقبل بسبب بناء السوق بوضعه الحالي .وتضيف العلس قائلة :أما باقي المكونات التاريخية والطبيعية في عدن القديمة خاصة فحدثّ ولا حرج ابتداء من برج الصمت - معبد الفرس- الذي افترشه المغتصبون واستباحوا أرضه وبنوا بيوتا لهم من أحجار المعبد التاريخية ، مرورا بمعبد اليهود الذي استبدل بمركز الحاشد ومعبد الهنود الذي مازلنا نتنازع قضيته في المحكمة بعد أن صرف لمتنفذ . أو بلدية عدن التي بيعت لأفراد وهي مؤشر حضاري لقدم التخطيط والإدارة والبلدية في عدن . ناهيك عن مدارس هذه المدينة التي تتوالى عليها معاول الهدم بدءاً من مدرسة لطفي مرورا بمدرسة البادري ثم مدرسة الطويلة دون احترام لتاريخية هذه المدارس ، وكأنه ليس هناك في قاموس البناء معالجات أخرى سوى الهدم .الخصوصية المعمارية في عدنوبصوت متذبذب قالت الدكتورة اسمهان :أما الخصوصية المعمارية لعدن فحدّث- ولا حرج . وكأننا في هذه المدينة كنا بمعزل عن العالم حتى أصبحنا نستجلب الأحجار والإسمنت ونظم البناء الجديدة والقمريات من خارجها ، وذلك بالطلب بتشجيع تام من الأجهزة الرسمية التي عطلت العمل بالنظام والقانون في هذا الجانب وألغت وظيفة المهندس البلدي وسمحت بالبناء من خارج النمط الشهير لعدن ومسائل أخرى لا يتسع الوقت لها ، وكأنهم يتجاهلون الحقيقة التاريخية التي أجبرت أجدادنا على استخدام أحجار جبل شمسان والبوميس في البناء سواء في بناء الآثار القديمة أو المباني الخاصة التي لم تعترها الملوحة والرطوبة حتى اليوم ، لأنها مواد منسجمة مع خصوصية مدينة عدن . فنشأ في شوارعنا بناء دخيل متعارض مع موروث المدينة الذي كنّا نضاهي به ونفتخر أنه دليل آخر على عالمية هذه المدينة .ويتناسى القائمون على إدارة هذه البلاد أنهم أمام مدينة استثناء لها من التاريخ ما يجبرنا على تغيير كل السياسات لصالح الحقيقة التاريخية ولها من المستقبل ما يلزمنا على توظيف هذا الموروث توظيفا ثقافيا وتنمويا رائدا .منطقة الرزميتوقالت والحسرة مرتسمة على ملامح وجهها: منطقة الرزميت- الخليج الأمامي - هي صورة متفردة للعبث الممنهج. فقد تداخلت فيها أعمال البناء بنهج عشوائي مع فوضى المولات، في منطقة مازالت شواهد قدمها ماثلة أمام الأعين ، إذ تنتصب أمامنا منارة مسجد عدن التي هي باقي مسجد قديم ، كما أن هناك شواهد أخرى فيها . وبدلا من وضع المنطقة تحت السيطرة الثقافية والتركيز على صونها وإخضاعها للحفريات التاريخية انتصبت أمامنا الأبنية الخاصة والمولات دون مراعاة لذلك .كلمة أخيرةتنهيدة هزت وجداني وكسرت لحظات الصمت التي سيطرت علينا للحظات قبل ان تردف: إننا أمام كارثة ثقافية بيئية اجتماعية إذا ظل التعامل مع مدن محافظة عدن بهذا المستوى. إن تراثنا الثقافي الذي تحتضنه مدينة عدن لا يستحق هذا التعامل المنافي للمسئولية والسلوك الحضاري ، لن أقول إنه هويتنا ومرتكزات انتمائنا نحن أبناء عدن ، فقد تسبب هذه العبارة حساسية لدى البعض ، لكن ليتعاملوا معه على أنه مورد تنموي فريد لكل البلاد.