أ . خالد سيف سعيد بمناسبة الذكرى الأولى لرحيل فناننا المبدع والقدير محمد مرشد ناجي رحمه الله وطيب ثراه .. فقد ترك فراغاً في الساحة اليمنية من خلال إبداعاته الفنية والغنائية التي قدمها في مشوار حياته الفنية على مدى ستة عقود من الأغاني والألحان بصوته الرائع والشجي ومن روائع أغانيه « مش مصدق» و « إلى متى » كلمات لطفي جعفر أمان ولحن وأداء المرشدي .. وهاتان الأغنيتان اطل دائماً في الاستماع إليهما وأنا اسطر هذه الأحرف على أغنية « إلى متى ».وبهذه المناسبة ارتأيت أن أقدم للقارئ ما كتبه فناننا القدير الراحل المرشدي في النشرة الخاصة «بمناسبة الذكرى الحادي عشرة لتأسيس الإذاعة والتلفزيون الوليد » والتي صدرت في العام 1965م وقامت المذيعة المرموقة فوزية عمر بإعداد هذه النشرة واليكم ما جاء بقلم الراحل الفنان المرشدي تحت عنوان « ذكرياتي مع الإذاعة صفحة 54» . كتب المرشدي في مستهل مقالته قائلاً : احتفلت الإذاعة قبل حوالي شهرين بمرور احد عشر عاماً على تأسيسها .. وتقودني هذه المناسبة الى الذكرى بصفتي احد اولئك الذين عاشوا مولدها .. وترددوا على اروقتها بين الحين والاخر ما بين متحدث او مغنّ في حفلاتها الموسيقية التي كانت تذاع لي على الهواء راساً الى المستمعين. واضاف قائلاً : كنت حينئذ عضواً في ندوة الموسيقى العدنية .. وكان المستمع الكريم يترقب هذه الحفلات بفارغ الصبر تماماً .. كما يترقب المشاهد اليوم « جنة الالحان « من التلفزيون وذلك لان الاذاعة شيء جديد دخل حياة المستمع الكريم لاول مرة .. كما هو الحال بالنسبة للتلفزيون .. هذا من جهة ومن جهة اخرى شوق المستمع الكريم الى سماع الاصوات الجديدة. وعن غناء الفنانين بالاذاعة كتب قائلاً : كنا نغني واحدا بعد الأخر .. الأستاذ خليل .. ياسين فارع .. وأنا كل واحد منا يغني لأكثر من نصف ساعة .. كل واحد منا يتصبب عرقاً ويتضايق من زميله الذي بجانبه لضيق الاستديو .. ولكثره عددنا .. ولم تكن هذه الكثرة إلا مجموعة من بعضها البعض .. جماعة تمسك أدوات الإيقاع .. جماعة تلعب دور « الكورس » تردد وراء المغني وهذه المجموعة التي كان فيها التاجر البارز .. والموظف الكبير جدا.. والدلال الناجح ..والخ سوف يسجل لها فن هذا البلد في المدى الطويل الروح العالية والتضحية الغالية في سبيل تشجيع الموسيقى وأهلها دونما اعتبار منها للجاه والطبقية الرعناء .. وعلى ضوء ما أسلفت ذكره صودف في إحدى أمسيات هذه الحفلات الإذاعية أن يحدث التناقض العجيب المحزن .. والمضحك معاً . « دخلنا الاستديو لنؤدي دورنا المعتاد .. وفوجئنا بالشيخ علي محمد با حميش وهو يتحدث الى المستمعين .. وفوجئ الشيخ في نفس الوقت بوجودنا فبدت على محياه علامات الدهشة والاستغراب والعرق يسيل من جبينه بغزارة .. ذلك لان الحديث الذي كان يلقيه له صلات بالغناء الفاجر المتفسخ على حد تعبيره .. ولم يكن يفصلنا عن فضيلة الشيخ الذي كنا نسمع صوته مجلجلا إلا وصلة الزجاجة الخفيفة .. وكان كل واحد منا يمسك آلته في انتظار أن يفرغ الشيخ من حديثه حول الغناء لنغني نحن كان السيد الإيراني ضابط الإذاعة وقتئذ يذرع ردهة الاستديو ذهابا وإياباً لما سببه لنا و لفضلية الباحميش من إحراج قاتل. وعن بداية تسجيل الأغاني بالإذاعة تطرق قائلاً : كانت الاذاعة في بدء عهدها لا تتفحص كلمات الاغاني ولا تختبر صوت المطرب حتى بعد عام من تأسيسها فلقد كان يطلب من المطرب ان يغني نصف ساعة بالتمام والكمال يملأها باغنيتين او ثلاث مع التقسيم المكرر المعاد مقابل « ثمانية شلن فقط وبهذه الطريقة ولتسابق المطربين قدامى ومحدثين على التسجيلات ، غنيت مكتبة الاذاعة بأغان كثيرة وبارخص ثمن ، وتطورت الاذاعة الى حد ما فيما بعد عندما حصل بعض مذيعيها النابهين على تدريبات اولية في الشؤون الاذاعية .. وتولى ادارتها ابن هذا البلد.. فادخلت التنظيمات الاذاعية المتبعة وشكلت اللجان المختلفة وقطعت بذلك شوطاً ملحوظاً في المضمار الاذاعي وان كان لا زال والحق يقال على الاذاعة الشيء الكثير والكثير جداً نظراً لامكانياتها المحدودة من ناحية .. والتوجيه المفروض من ناحية اخرى. وعن كتاباته لذكرياته مع الاذاعة كتب قائلاً: « وما دامت الآنسة فوزية عمر قد طلبت مني كتابة كلمة بهذه المناسبة وكذأبي أن أقول الحق في وجه من باستطاعته إحقاق الحق أن أقول أن على المراقب العام للإذاعة أن يقوم بإلغاء لجنة نصوص الأغاني فوراً وان كنت لا اعرف أشخاص هذه اللجنة .. وان يوكل أمر فحص كلمات الأغاني لشخص واحد فقط عرف عنه معرفته باللهجات المحلية المختلفة المتعددة في بلادنا .. وبالدرجة الأولى مشهود عنه ترفعه عن الخلافات والحزازات الشخصية التافهة.. وعندنا والحمد لله هؤلاء الرجال الذين تعاونوا مع الإذاعة منذ يوم مولدها .. وقدموا للمستمعين برامج ناجحة واعية حتى يومنا هذا .. وعلى المراقب العام أن يختار احد هؤلاء ويعطيه الصلاحية الكاملة ودونما تدخل من أي جهة وهؤلاء الرجال هم الأساتذة: محمد عبده غانم ، لطفي جعفر أمان ، محمد سعيد جرداة ، محمد عبدالله با مطرف ، وفي الختام تساءل قائلاً : هل يفعل المراقب العام .. بهذا الرأي ويجنب الإذاعة شكاوى القوم وتذمرهم. ؟! وأخيراً نقول لم يمت فناننا القدير المرشدي بل سيظل خالداً مدى الدهر لم يمت من ترك في كل بيت يمني أثراً لن ينسى وذكرى لم تمحى في مشوار حياته الفنية والأدبية على الساحة اليمنية ولعب دوراً في إحياء التراث الشعبي الذي وضعه في المكانة الفنية المرموقة التي استحقها.
|
ثقافة
الراحل المرشدي .. وذكريات مع الإذاعة
أخبار متعلقة