من الحياة
مضت سنوات، وما من يوم إلا ونسمع فيه عن سقوط قتلى وجرحى على الأرض السورية الشقيقة. ومضت سنوات والعالم (السادي) يتلذذ بالرؤوس المتطايرة، والدماء السائلة، والأشلاء المتناثرة، ومضت سنوات والعالم العربي - وعلى رأسه ما يسمى بالجامعة العربية - يكتفي بالمناشدة والتنديد، ودعوة الأطراف إلى وقف العنف ورفض التدخل الأجنبي، وكأن الجميع قد تآمروا على أرض الحضارة القديمة، وحاضرة الدولة الأموية التي انطلقت منها الفتوحات، وخرجت لنا العلماء والفقهاء.لقد هالتني وأفزعتني تقارير صادرة عن المنظمة السورية لحقوق الإنسان (سواسية) جاء فيها ما يلي من أرقام وإحصاءات فظيعة بحق: ففي كل عشر ساعات ونصف، يموت من الجوع نعم من الجوع لا القنابل والرصاص شخص واحد، بينما يموت من البرد شخص كذلك كل 8 ساعات ونصف ويموت طفل كل خمسين دقيقة، بينما تموت امرأة كل ساعة وخمس وأربعين دقيقة. وكل نصف ساعة يموت أحد الرجال المدنيين - غير المتقاتلين - وتخسر إحدى العوائل معيلا لها. أما عن ضحايا التعذيب، فيموت أحد المعتقلين في سجون النظام السوري كل عشر ساعات، بينما يموت أحد المدنيين كل 12 دقيقة بنيران القوات النظامية.وعن أساليب القتل والتدمير، للبشر والشجر والحجر، فحدث ولا حرج. سلاح كيمياوي وطائرات ترمي بكل ما تمتلك من وسائل الفتك، لا ترحم الإنسان والحيوان، وآخر ما توصل إليه العقل الإجرامي هو (براميل الموت) التي يلقى بها على الأحياء فتدمر كل ما تصل إليه محتوياتها.تصور البعض في البداية أنه صراع طائفي مذهبي، سنة وشيعة، فإذا بالكل يقتل الكل، فالعلويون يقتلون السنة، و(داعش) تقتل في الجميع والسؤال الملح هنا هو: علام يتقاتلون ؟! ولماذا نسمح لإيران بالتحكم في مصير بلد عربي؟.لقد أصبح المتقاتلون في سوريا الشقيقة دمى، تحركها القوى الأجنبية، وبالذات إيران، مستغلة أطماع الفرقاء، والكل - عن وعي أو بلا وعي - يحقق لإسرائيل والقوى الغربية مخططاتها لتقسيم الدول المحيطة بإسرائيل.هل فكر هؤلاء المتقاتلون فيمن يستفيد من هذا كله؟! لن يستفيد شيعة أو سنة، ولن تستفيد قاعدة أو غيرها، إنما المستفيد الأول - وبلا جدال - هو إسرائيل أولا وأخيرا.هل فكر المتقاتلون يوما أنهم سيسألون أمام الله تعالى عن مقتل عشرات الآلاف من الأبرياء، ممن لا ذنب لهم، سوى أنهم يعيشون على الأرض السورية صاحبة الحضارة الإسلامية العريقة؟!نعم، نحن كأفراد لا نملك إلا الدعاء، لكن من المؤكد أن دولنا وقادتنا وكبراءنا يملكون من الفكر وآليات العمل، ما يمكن أن يوقف هذه المذابح، لو توافرت الإرادة القومية، والنوايا الخالصة.والله لنسألن أمام الله تعالى عما يحدث في سوريا من دمار وهلاك وقتل وإفساد لأن الله تعالى يأمرنا بالإصلاح بين طوائف المؤمنين المقتتلين، بل ومقاتلة الفئة الباغية، فهل نحن سعينا بكل ما نملك من قوى للإصلاح؟وهل فكرنا في تطبيق الأمر الرباني في الآية الكريمة، بقتال البغاة والمعتدين؟!السوريون مطالبون بوقفة مع النفس، ومحاسبة الذات، وإنقاذ ما تبقى من الوطن، والناس، والعرب مطالبون - كذلك - بمراجعة مواقفهم من سوريا الشقيقة، والمسلمون أيضا لهم دور، وعليهم مسؤولية دينية وأخلاقية وإنسانية، وجميعنا محاسبون ومجزيون.إن النفس لتحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على ما يحدث فيك يا سوريا لمقهورون ومتألمون.