بقلم: د. عبدالواحد عبدالرحمن أحمدكثيرة هي الكتابات التي أتحفنا بها الدكتور علوي عبدالله طاهر على مدى أربعين عاماً ونيف، فقد قرأنا له مقالات في بعض الصحف والمجلات منذ أن كنا طلاباً في ا لمدارس نتلقى العلم في مدارس عدن في أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي، ولا تزال كتاباته متواصلة حتى الآن، ولايزال قلمه معطاء، وقد تناول في كتاباته الكثيرة عدداً من القضايا التي تلامس هموم الناس ومشكلاتهم، عبر المراحل التاريخية المختلفة التي مر بها المجتمع اليمني منذ السبعينات، ولايزال ذلك أنه عاصر وعايش جميع المراحل التي مرت ببلادنا، وكانت له آراء وأفكار وتصورات حول كل مرحلة من تلك المراحل، وبحسه المرهف، ورؤيته الثاقبة عالج كثيراً من القضايا الحيوية وقدم لها حلولاً مناسبة بحسب ظروف كل مرحلة.وربما يكون القراء قد عرفوا الدكتور علوي طاهر باحثاً أكاديمياً، وشاعراً، ومؤلفاً لكثير من الكتب، كما عرفوه خطيباً مفوهاً من على منبر جامع الهاشمي في الشيخ عثمان في كل جمعة، إلا أنهم ربما لا يعرفون أنه قاص ماهر، كتب العديد من القصص القصيرة ذات المغزى السياسي أو التربوي أو الأخلاقي، والتي كان قد تنبأ فيها بأحداث وقعت، بعد سنوات من التنبؤ بها، مستعيناً بالرموز الفنية للدلالة على مسار كل حدث، ونتائجه المتوقعة، وربما كان القراء قد قرؤوا تلك القصص القصيرة التي يسميها الدكتور علوي بالحكايات على الرغم من توافر كل العناصر الفنية للقصة القصيرة فيها، وربما يرجع إصراره على تسميتها بالحكايات لما تحمل من دلالات رمزية ذات مغزى سياسي، لا يريد الإفصاح عنها، أو التصريح بها، لأن ظروف المرحلة التي كتب فيها هذه القصة أو تلك لا تسمح بذلك.وعلى الرغم من معرفتي بالدكتور علوي طاهر وملازمتي له كزميل في هيئة تدريس جامعة عدن، إلا أنني لم أعبأ بقراءة قصصه التي كان ينشرها في بعض الصحف المحلية، وأن قرأت بعضها لم أقف عندها موقف القارئ المتأمل لفحواها ومغزاها وما ترمي إليه رموزها من أبعاد سياسية، ولما كان الدكتور علوي طاهر يحتفظ في أضابيره بنصوص تلك القصص وتواريخ نشرها واسم الجريدة التي نشرتها، ورقم العدد، فإن ذلك قد مكنني من إعادة قراءتها من وحي المرحلة الراهنة التي نعيشها وما يجري فيها من أحداث ووقائع كان الكاتب قد تنبأ بحصولها قبل عقود من الزمن.وكثيرة هي القصص التي استخدم فيها الرمز الدكتور علوي طاهر للتعبير عن تصوراته للحياة ورؤيته للواقع، وتنبؤه للمستقبل، فإنني سأقوم في هذه المقالة المتواضعة بتحليل واحدة من تلك القصص أو الحكايات - كما يسميها كاتبها - محاولاً كشف أسرار رموزها، وبيان بعدها السياسي وما كانت ترمي إليه وقتها، على أمل أن أتواصل مع قراءة في مقالات أخرى لتحليل قصص أخرى من قصص الدكتور علوي، بعد أن أعدت قراءتها من منظور علم النفس، كوني متخصصاً في هذا المجال.وأولى هذه القصص التي أخضعها للتحليل النفسي قصة بعنوان (سهيل) والتي كتبت بعيد توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية في مدينة عدن يوم 30نوفمبر 1989م من قبل قيادتي الشطرين وقتها، ونشرت في صحيفة (صوت العمال) في العدد رقم (933) الصادر في 7 /12 /1989م ص6، أي بعد توقيع اتفاقية الوحدة بسبع أيام فقط.والمتأمل في قصة (سهيل) آنفة الذكر، سيجد أنها تعكس رؤية الدكتور علوي طاهر تجاه الوحدة اليمنية التي رمز إليها بـ(سهيل) قبل أن تكون هناك قناة تلفزيونية فضائية بهذا الاسم.و(سهيل) هو نجم في السماء مضيء يظهر ضؤوه بهياً فوق ربوع اليمن يستدل به العرب على انتهاء موسم القيظ، وبداية موسم الأمطار في جزيرة العرب، وقد استخدمه الدكتور علوي في قصته كرمز للوحدة التي ظهرت تباشيرها بتوقيع اتفاقية الوحدة من قبل قيادتي الشطرين. فهو قد شبه إطلالة الوحدة على ربوع اليمن بما تحمل من خيرات موعودة، إيذاناً بانتهاء مراحل التشطير الممقوتة، فابتهج الشعب اليمني بإطلالتها عليهم، ورحبوا بها أيما ترحيب، واستقبلوها بحفاوة، وغنوا لها ورقصوا، مثلما كان العرب يفعلون قديماً عندما يرون أضواء (سهيل اليماني) تنير ربوع جزيرتهم.ومثلما كان (سهيل اليماني) النجم يضيء جزيرة العرب بعد موسم القيظ، ليبشر أهلها بموسم الأمطار والنماء، فإن (سهيل) الرمز في حكاية الدكتور علوي قد تجسد في شخص رجل غريب يدعى (سهيل) مر بقرية معظم سكانها أميون، يتعاملون مع الحياة بعفوية تامة، ففي الشمال كان أغلبية الناس متدينون بصورة تقليدية، يعبدون الله من غير دراية بأحكام الدين، فتسللت إلى أذهانهم بعض المفاهيم المغلوطة عن الإسلام. وفي الجنوب - بفعل النهج الماركسي الذي كان سائداً - سيطرت على عقول كثير من الناس بعض المعتقدات الخاطئة، وانتشرت في أوساطهم أنواع مختلفة من التضليل الفكري والدجل السياسي، وهي التي سماها الكاتب الشعوذة الناجمة عن تأثير بعض السياسيين المتطرفين.وكما تقول حكاية (سهيل) للدكتور علوي : مر (سهيل) بالقرية والناس على هذه الحال من الجهل والتخلف، فسأله أحدهم: عن اسمه، فقال: اسمي (سهيل).والقرية هنا رمز لحالة التخلف التي كانت عليها اليمن عشية إعلان الوحدة، فأكثر الناس يتحدثون عن الوحدة ويتلهفون بشغف لرؤيتها مجسدة على الواقع، ولكنهم يجهلون حقيقتها، ولا يعرفون كيفية التعاطي معها بإيجابية. ولعل ذلك ما دفع أحد الأهالي يهلل ويكبر مستبشراً بمجيء (سهيل) إلى قريتهم وهو الذي دفعه ليطوف في أنحاء القرية يبشر الأهالي بمجيء (سهيل) قائلاً: (سهيل جاء، سهيل جاء).وفي ذلك إشارة إلى ما قامت به أجهزة الإعلام وبعض المثقفين للترويج للوحدة والدعاية لها، وتهيئة الأجواء لاستقبالها، وقد عبر الكاتب عن ذلك بقوله:(تجمع أهالي القرية وتحلقوا حول سهيل) ولجهلهم بقوانين الحياة، وعوامل التطور، صاروا يستعطفون سهيل، ويترجونه أن يمطر على قريتهم، التي لم ينزل عليها الغيث منذ سنين لغياب سهيل. أي لغياب الوحدة.وهذا يعني أن الناس كانوا يعرفون أن الوحدة ستكون مصدر خيرهم، وسبب سعادتهم، فقد ترسخ في أذهانهم بفعل تأثير بعض المثقفين أن الوحدة كفيلة بحل مشكلاتهم في وقت قصير جداً، بصرف النظر عن المعوقات والصعوبات التي تجابهها، وهو ما جعلهم يبالغون في طموحاتهم، ويكثرون من مطالبهم، ويلحون في ضرورة الاستجابة لتحقيقها رغم كل المعوقات وكثرة الصعوبات.ولما كان الجهل قد تحكم في عقليات أهالي القرية، فإنهم طالبوا سهيلاً بمطالب يستحيل تحقيقها، وألحوا في مطالبته إياه بأن ينزل عليهم الغيث، وتسقى أراضيهم، وهذا الطلب لا يستطيع تحقيقه غير الله سبحانه وتعالى، والشيء نفسه فعله بعض الناس مع الوحدة التي حلت في بلادهم، فاستعجلوا جني ثمار الوحدة قبل نضجها، فطالبوا الوحدة بمطالب تعجيزية ليس من الممكن الاستجابة لها لاستحالة تحقيقها في وقت قصير جداً.ولما كانت عقولهم متحجرة وغير قادرة على استيعاب معطيات الحياة وقوانين التطور، لجؤوا إلى تضييق الخناق عليها ومحاصرتها وشل حركتها كما فعل أهالي القرية مع سهيل حين لجؤوا إلى حبسه في المسجد، حتى ينزل عليهم المطر.وإذا كان أهالي القرية قد انقسموا بشأن (سهيل) إلى قسمين: قسم انتفعوا من وجوده ليتعلموا منه ما يفيدهم في دنياهم وآخرتهم، ويصححوا ما علق في أذهانهم من أخطاء، وقسم آخر تضررت مصالحهم من وجود سهيل في قريتهم، فأرادوا التخلص منه، وفك الارتباط به، وهذا هو شأن الناس مع الوحدة، قسم منهم التفوا حولها، وارتبطت مصالحهم بها، وحافظوا عليها، ودافعوا عنها، لأنهم أدركوا أن عهود التشطير قد ولت، وأن حياتهم قد تغيرت نحو الأفضل بفعل الوحدة. أما القسم الآخر، فقد ساءهم ما حصل من تغيير إيجابي في حياة الناس بعد الوحدة، لأن ذلك قلل من تأثيرهم في الناس، الذين لم يستجيبوا لهم، وتضررت مصالحهم وعملوا - جاهدين - على فض اشتباكهم بالوحدة، وعملوا للتحضير للانفصال، ولكن محاولاتهم باءت بالفشل، لأن الوحدة كانت قد تأصلت في وجدان الناس، ولم ليست خياراً للمساومة، هل تبقى أم ترحل؟.ومثلما رفض (سهيل) مغادرة القرية، لأنه أراد استكمال مهمته، فإن الوحدة اليمنية باقية إلى الأبد، ليعم الخير ربوع اليمن، ويتحقق فيها الرخاء والنماء، لأنها ملك كل اليمنيين من أبناء الوطن الواحد.
|
ثقافة
رؤية تحليلية للرمز في حكاية (سهيل) للدكتور علوي طاهر
أخبار متعلقة