الحديث عن الدولة المدنية المنشودة حديث ذو شجون، فالمجتمع اليمني برمته يقبل التمدن إذ ستنصهر وتذوب مختلف القبائل ركضا خلف التمدن بايجاد دولة النظام والقانون التي يعتلي فيها الدستور والقوانين النافذة المنظمة وكافة مجالات الحياة المهمة، وفي ذات الوقت تغيب عن هذه الدولة المدنية الراقية الأحكام القبلية وأعرافها الهابطة التي تعلي وترتفع بأقوام وتقلل من شأن الآخرين كونهم غير نافذين ولا يسيطرون على روح الثروة في الحياة القروية البسيطة.إن أعواما خلت بمعاناتها وآلامها في ظل غياب هيبة الدولة، وفي ظل شيوع الفساد المالي والاداري واختفاء دولة النظام والقانون لابد من الدولة المدنية الحديثة التي في اقامتها البلسم الناجع والشافي لشتى الاوجاع والاسقام المترتبة على اختفائها اذ تمكن هذه الدولة من ضمان حقوق المواطن في ظل المواطنة المتساوية حيث لا فرق بين شمالي وجنوبي وبين عدني وصنعاني وبين ابيني وحضرمي، فالجميع متساوون أمام القانون الذي سيشرعن قيام علاقات اجتماعية متوازية بين الأفراد والقوى والمجاميع والمكونات السياسية والفكرية والاجتماعية الا ان العمل الوطني يقوم على إيجاد دولة المؤسسات الوجه الحقيقي للدولة الحديثة تعمل مؤسساتها على طريق تحسين وتجويد الانتاج وتحقيق الانضباط الوظيفي واعتماد معايير مدنية حديثة للتعيين والترقيات والسمو بأداء أجهزة ومؤسسات الدولة عبر تشجيع الموظف والعامل وتحسين دخله ومستواه المعيشي والاجتماعي، والحد من البطالة بتأمين سوق الاستثمار المحلي والاجنبي الذي سيدفع الى ايجاد فرص عمل كثيرة لشبابنا المؤهل والعاطل عن العمل، مع السعي الى الحد من البطالة المقنعة في وحدات ومؤسسات وأجهزة الدولة المختلفة بتوزيع الفائض ليلبي الاحتياج في وحدات ومؤسسات اخرى في ظل احترام التخصصات والاعلاء من شأن الكفاءات وتأمين حياة سعيدة لابناء وأسر الشهداء.وفي ظل الدولة المدنية الحديثة سيترجم التعايش السلس بين مختلف المكونات السياسية والاجتماعية وجميع شرائح وفئات الشعب اليمني العظيم الى واقع عملي ملموس باعتباره خيارا وطنيا راقيا يقوم على أساس المواطنة المتساوية والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية حيث ستقتص هذه الدولة المدنية الحديثة الراقية للمظلوم وسوف تأخذ بيد الظالم بكافة أشكال وصور الأخذ المتمدن والحديث، علاوة على تضييق مساحة التهميش الاجتماعي عن طريق السعي الدؤوب لادماج الفئات والشرائح المهمشة في حركة المجتمع المختلفة في سبيل تذويبها في نسيج المجتمع الموحد، مع ذلك ستعطي هذه الدولة المدنية الحديثة الأولوية لمناهضة ومكافحة جميع اشكال وصور التمييز بين أفراد المجتمع على أساس المهن، والقضاء على شتى الدعوات الهابطة التي تصنف الناس إلى سادة وعبيد، إلى ذلك سيتعايش الجميع في ظل ابعاد التحديث في ظل الدولة المدنية الحديثة على صون وتفعيل الحرية الشخصية المنضبطة بشرع الله عز وجل، كما سيتعايش الجميع على أساس تعزيز النهج الديمقراطي برعاية التعدد السياسي والحد من الشمولية بالدعوة الى الشراكة في السلطة والثروة، وتفعيل مبدأ التداول السلمي للسلطة ورعاية حقوق المواطن ناخباً ومرشحاً بحيث يعبر عن إرادته دون ضغوط ترغيبية او ترهيبية، مع رعاية حقوق المواطن في التعبير عن رأيه ورفضه للسياسات والإجراءات الحكومية المختلفة (وتدخل في هذا الإطار المكونات السياسية المختلفة) عن طريق تفعيل النضال السلمي ودوره العظيم في رعاية التجربة السياسية والديمقراطية في ظل الدولة المدنية الحديثة التي أضحت قاب قوسين أو أدنى.
|
آراء
عن الدولة المدنية وأبعاد التحديث.!
أخبار متعلقة