إعداد/ د. حسين الحضوري أستاذ القانون الجنائي المساعد / أكاديمية الشرطةإن الهدف من السعي إلى حماية النساء والأطفال ليس مجرد هدف أخلاقي بل أنه تعبير عن واقع بشري أصيل هو الحفاظ على النوع الاجتماعي من الاندثار فيما لو أطلق العنان للعنف ليشمل المجتمع، ولعل ذلك التفسير يتفق مع حقيقة تاريخية مفادها ذلك الاتفاق العام حول أن الأحق بالحماية بل الإنقاذ في حالات الكوارث هم النساء والأطفال، لأن النساء أمهات الأطفال ومستودع الأجنة، والأطفال هم جيل المستقبل الذي يحافظ على بقاء الأمة والمجتمع، أي أنهم حملة لواء استمرار بقاء النوع الاجتماعي.يعد موضوع حماية النساء والأطفال من الموضوعات التي أولاها القانون الدولي اهتمامه والتي تستحق البحث، فنتيجة لاستفحال ظاهرة تعرض النساء والأطفال المدنيين لأقسى أنواع المعاملة أثناء النزاعات المسلحة الدولية منها وغير الدولية، ونتيجة لاتساع ظاهرة تجنيد النساء والأطفال في القوات المسلحة والمليشيات المتطوعة بل وحتى إشراكهم في الأعمال العدائية تنمو الحاجة إلى زيادة الوعي بحقوق النساء والأطفال ومحاولة تجنيبهما ويلات الحرب والتشديد على توفير قواعد قانونية تضمن عدم تعرض النساء والأطفال المدنيين منهم والمقاتلين لانتهاكات جسيمة أثناء النزاعات المسلحة، رغم ذلك فإن هذا الموضوع وبحدود علمنا لم يسبق وأن بحث على شكل دراسة مستقلة فالدراسات والأبحاث السابقة كانت تنصب أما على حماية حقوق النساء والأطفال في إطار حقوق الإنسان أي في وقت السلم فقط، في حين يتطرق موضوع بحثنا إلى حماية حقوق هؤلاء في وقت الحرب،أو كانت تلك الدراسات تنصب على ظاهرة تجنيد النساء والأطفال فقط، في حين نتطرق في هذا البحث إلى حماية حقوق النساء والأطفال المدنيين منهم والمقاتلين على حد سواء وذلك أثناء النزاعات المسلحة، ومن ثم يهدف هذا البحث إلى الوقوف على أهم مظاهر حماية النساء والأطفال وأكثرها إلحاحاً في أوضاع النزاع المسلح، ولما كان بالإمكان تصور أن يكون النساء والأطفال من السكان المدنيين أثناء النزاعات المسلحة وهو الوضع الغالب، إلا إنه لا يمكن إغفال أن يكون لهم دور في الأعمال العدائية، ولقد أخذ القانون الدولي الإنساني ذلك بالحسبان، فقد أقر للنساء والأطفال بالحماية أثناء النزاعات المسلحة سواء كانوا مدنيين أم مشاركين في الأعمال العدائية، ولغرض الإحاطة بموضوع حماية النساء والأطفال أثناء النزاعات المسلحة وجدنا بداية أن نبين ماهية النزاعات، وأنواع النزاعات وهذا ما سنوضحه في هذا الجزء من البحث ونتطرق فيه إلى أبرز النتائج التي تم التوصل إليها وبعض المقترحات التي تسهم في تدعيم حماية النساء والأطفال أثناء النزاعات المسلحة، وأخيراً لا يسعنا إلا القول بأننا أقدمنا على هذا العمل وكلنا قناعة بأن جهدنا هذا شأنه شأن أي جهد علمي آخر لا يصل حد الكمال، إذ أن الكمال لله وحده، وحسبنا أن نجتهد في علمنا هذا عسى أن نقترب من الهدف الذي نصبو إليه، والحمد لله أولاً وآخراً.[c1]موضوع البحثالنزاعات المسلحة[/c][c1]تمهيد:[/c]عرفت البشرية الحروب منذ نشأتها الأولى، وصاحبتها الصراعات والنزاعات المسلحة حتى يومنا هذا، وتطورت الوسائل المستخدمة بحيث أصبحت أكثر شراسة وضرراً وفتكاً، فالحرب ظاهرة اجتماعية وإنسانية، لا يمكن تفاديها دون إرادة دولية جماعية تهد ف إلى تعزيز السلم والأمن الدوليين عبر مؤسسات تنبثق عن المجتمع الدولي، الأمر الذي يفتقده المجتمع الدولي في الوقت الحاضر في ظل الهيمنة الأمريكية فيما يعرف بالنظام العالمي الجديد.وقد ظلت النزاعات المسلحة - حتى نشأت عصبة الأمم - هي الأساس بين الشعوب، ينظر إليها بوصفها عملاً مشروعاً، ولا ضابط لها من حيث وسائلها والأساليب العسكرية التي تتجرد من النزعة الإنسانية وتفتقد لأدنى المعايير الدنيا لحقوق الإنسان، ولا تخضع لقواعد ولا يحكمها قانون.وجاءت العديد من المحاولات للحد من ويلات الحروب وآثارها المدمرة على الإنسانية بما تخلفه من جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وكوارث يندى لها جبين الإنسانية تهدف لوضع بعض القيود على حرية الدول في استخدام القوة في العلاقات الدولية دون النظر إلى مدى مشروعية الحرب ذاتها، أو التطرق لأي نوع من الجزاءات بحق الدول التي تنتهك قواعد وأعراف الحرب بحيث لا يتسودها الفظائع والوحشية.فالحرب أصبحت سمة من أبرز سمات التاريخ الإنساني، الذي شهد الخراب والدمار والأهوال والفظائع والمآسي المتلاحقة، والتي كان أبرزها وأشدها قسوة على الإنسانية الحربين العالميتين الأولى والثانية.فقد شكل انتشار الأسلحة غير التقليدية ذات الآثار التدميرية الهائلة تهديداً للمجتمع الدولي بتقويض المعالم الحضارية والقيم الإنسانية، والتي لابد من صحوة تقف عندها الدول على العواقب الوخيمة التي تتهدد البشرية لإنقاذ الأجيال القادمة من أخطارها الجسيمة في ظل امتلاك معظم الدول لتلك الأسلحة دون رقيب أو حسيب من المجتمع الدولي، مما قد يجر الخراب والدمار على الإنسانية جمعاء وليس فقط على الدول التي تمتلكها.[c1]مفهوم النزاعات[/c]عند تحديد الإطار المفاهيمي لموضوع الدراسة سنركز في المقام الأول على مفهوم النزاع بأشكاله وخصائصه المتمايزة وتميزه عن المفاهيم ذات الصلة وهو ما يسمح لنا بالتمييز الصحيح بين المصطلحات المختلفة وتوضيح العلاقة بين مفاهيم النزاع، الحرب، الأزمة.[c1]تعريف النزاع:[/c]يعرف البعض النزاع في بعده اللغوي والاصطلاحي لغة تعني الصراع والنزاع وتضارب شقاق وقتال.أما اصطلاحاً فيحدث النزاع نتيجة تقارب أو تصادم بين اتجاهات مختلفة أو عدم التوافق في المصالح بين الطرفين أو أكثر مما يدفع بالأطراف المعنية مباشرة إلى عدم القبول بالوضع القائم أو محاولة تغييره، فالنزاع يكمن في عملية التفاعل بين طرفين على الأقل ويشكل هذا التفاعل معياراً أساسياً لتصنيف النزاعات.بينما يذهب البعض إلى استخدام مصطلح الصراع بدل النزاع ويعرفه بتعريف شامل بأنه الصراع في صميمه هو تنازل الإرادات الوطنية وهو التنازل الناتج عن الاختلاف في دوافع الدول وفي تصوراتها وأهدافها وتطلعاتها وفي مواردها وإمكاناتها.وفي هذا التعريف قدم لنا عدة محاور تحدد لنا الاقتراب من مفهوم النزاع الدولي فهو تنافس على القيم والقوة والموارد والهدف من النزاع الدولي يكون حسب إمكانيات وقوة كل طرف من تحييد للخصم والاتجاه نحو تصفيته وأيضاً العمل على إلحاق الضرر به أو إيذائه.[c1]التمييز بين مصطلحات متعلقة بالنزاع:الصراع:[/c]بشكل عام الصراع هو تعارض واع بين مجموعتين أو أكثر تسعى كل واحدة منها لتحقيق أهداف متناقضة فعلاً أو تبدو أنها متناقضة، الصراع يعبر عن تصارع إرادتين وتضاد مصالحهما وتعارضهما وغالباً ما يكون الصراع معروفاً بالأبعاد والأطراف والاتجاهات.كما يعرف الصراع «تنافس على القيم وعلى القوة والموارد يكون الهدف فيه بين المتنافسين تحييد أو تصفية أو الأضرار بخصومهم».وكما يمكن للصراع أن يكون مادياً - استخدام الوسائل المادية - وقد يكون معنوياً - كالصراع الأيديولوجي أو الحضاري.[c1]التوتر:[/c]يشير إلى حالة عداء وتخوف وشكوك وتصور بتباين المصالح، أو ربما الرغبة في السيطرة أو تحقيق الانتقام، غير أنه في هذا الإطار دون أن يتعداه ليشمل تعارضاً فعلياً وصريحاً وجهوداً متبادلة من الأطراف للتأثير على بعضهم البعض.والتوتر حالة تسبق النزاع، وكثيراً ما رافقت انفجار النزاع، وأسباب التوتر في الغالب مرتبطة بشكل وثيق بأسباب النزاع، إلى جانب ذلك فإن التوترات إذا تحولت إلى شكل خطير، قد تكون بدورها عاملاً مساعداً على أو رئيساً لحدوث النزاع طالما أنه توتر على عملية صنع القرار.الأزمة:وهي مجموعة ظروف وأحداث مفاجئة تنطوي على تهديد واضح للوضع القائم، لها انعكاسات هامة على النظام الدولي، توصف أحياناً بأنها «حمى العلاقات الدولية» والأزمة هي مرحلة أكثر تقدماً من التوتر، وعرفها البعض بأنها «تهديد كبير ومفاجئ في وقت قصير».
|
اشتقاق
أنــــواع النــــزاعات المسلحــــــــة
أخبار متعلقة