أبلغ عن جريمته وسلم نفسه للشرطة
تحقيق/ ياسمين أحمد علي:جريمة قتل شهدها سكان ضواحي منطقة الشيخ عثمان تتجلى فيها اللامبالاة بأبشع صورها وأشنع ملامحها .. فما أبغض الاعتداء على حق الإنسان في الحياة !! رتب جريمته وحده وارتكبها وحده وأحاطها بكل ما يكفل لها السرية والأمان ولم يترك ثغرة الا سدها متناسياً ان الجريمة في كثير من الأحيان تكشف عن نفسها وقد تأتي الصدفة التي لم تخطر بباله عندما قام بتسليم نفسه شخصياً الى الشرطة .. هذه ليست مجرد جريمة قتل عادية بل هي مجموعة من الجرائم المعقدة والغريبة.هو زوجها والفاعل الحقيقي في الجريمة (الشك) الذي كان دافعاً للجريمة يؤكد بشاعتها واستخفاف الجاني بما اقترفته يداه .. نعم الجريمة ليست عادية الجاني مات قلبه قبل يديه باعتباره إنساناً شذ عن كل القواعد والقيم والأعراف وفسق عن أمر ربه وتحدى القوانين .. بارد المشاعر جامد الملامح يعترف بقتلها وكأنه يعترف بذبح (فرخة) عندما قام بلف حبل حول عنقها وقام بخنقها ولم يكتف بخنقها بالحبل بل أخذ سكين المطبخ وقام بذبح عنقها لم يلتفت لقول الله في محكم آياته (ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) ماتت (هـ) هكذا كان الوصف الذي يتردد مع موتها أثناء انشغال أسرتها بالدفن وتلقي العزاء .. ولكن أهالي المنطقة يشهدون بأنها امرأة ذات خلق ومحترمة !! .الجريمة لا تزال مستمرة ولكن السؤال لماذا؟هل أصبح الجناة لا تردعهم أحكام القضاء التي تصل أحياناً الى الإعدام وكيف يقدر القاضي ظروف كل قضية عن غيرها؟ صفحة (قضايا وحوادث) نزلت الى موقع الحادث والجهات المختصة وإليكم هذه الحصيلة ..شرطة الشيخ عثمانتحدث إلينا المساعد أول صالح شيخ الكوني ضابط تحقيق قائلاً: في تمام الساعة الحادية عشرة صباحاً تم إبلاغنا عن واقعة القتل التي قام بها المتهم (ن،ح،م) العمر 35 عاماً العمل قطاع خاص زوج المجني عليها التي تدعى (هـ، ع،م) العمر 35 عاماً وهي ام لستة أولاد منهم اربع بنات من الزوج المتوفى كما انها ابنة عم المتهم الذي قام بخنقها بواسطة حبل لفه حول رقبتها ثم طعنها برقبتها (الحنجرة) بواسطة سكين المطبخ وارداها قتيلة والسبب الذي ادى لقتلها هو (الشك) في أخلاقها وقام المتهم بمراقبتها لمدة شهر حتى انه لم يستطع تحمل ذلك حسب اقوال المتهم إلينا و عند استلامنا للبلاغ قمنا بأشعار العمليات والأدلة الجنائية وتم النزول الى موقع الجريمة مباشرة مع فريق الادلة الجنائية والتصوير وتم ضبط اداة الجريمة الحبل والسكين وحضر المتهم الى الشرطة وسلم نفسه الى الشرطة مباشرة وتم نقل جثة المجني عليها الى ثلاجة مستشفى الجمهورية إشراف/ الرائد/ عبدالواحد ردمان مدير شرطة الشيخ عثمان والرائد/ محمد احمد مصعب والمساعد اول / محمد صالح مطيع رئيس التحريات والمساعد اول/ احمد ناصر/ والمساعد اول / صالح شيخ الكوني .الشك من الشيطانقمنا بالنزول الى مكتب العدل والأوقاف لمعرفة الجانب الديني حول هذه الجريمة والتقينا بالشيخ انيس الحبيشي عضو هيئة الإفتاء الشرعي بمكتب الأوقاف بعدن الذي وضعنا له أسئلتنا وكانت اجابته كالآتي:(الحمدلله والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله) .. لا يجوز الشك من الرجل في من هم تحت ولايته لأن الشك من الشيطان وقد قال الله تعالى: (إن يتبعون الا الظن وان الظن لا يغني من الحق شيئاً).فالظن ليس يقيناً كما بين الله عز وجل وما يبنى عليه لن يكون حقاً ولا صواباً .. ولذلك نهى رسول الله ان يشك الرجل بامرأته وامر من يقدم من سفر الا يطرق اهله ليلاً بل عليه ان يرسل إليهم من يعلمهم بقدومه، وهو اليوم عبارة عن التلفون والرسالة وغيرهما .. ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن إطراق الرجل لأهله أي زوجته ليلاً ليدرأ عنهم الشك الذي يدفع احدهم الى التجسس على اهل بيته وهو عمل قبيح مخل بالمروءة.وأضاف الشيخ انيس الحبيشي قائلاً: هناك من يشك في اهله وينتج عنه افحش الجرائم كالقتل والضرب والطرد من البيت واحياناً الطلاق .. وعندما يرتكب الرجل جريمة قتل بحق زوجته فقد صار من أهل النار لقول الله تعالى (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذاباً عظيماً) .. لقد امر الله من يرجم زوجته بالزنا ان يلجأ الى القضاء الذي بدوره سيتحقق من القضية وقد امر بالملاعنة بين الزوجين عند عدم تبين الأدلة او إنكار المرأة للواقعة .. والخلاصة ان الشك طريق الشيطان ونبضه في النفس والله امرنا ان نتحرى الصواب ونجتنب كثيراً من الظن بقوله (ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن ان بعض الظن اثم واتقوا الله).الفرد يولد بغرائز تسيرهكما قمنا بالنزول الى مستشفى الأمراض النفسية والعصبية التقينا بالأخ وهيب حسن مغيني اختصاصي نفساني اكلنيكي بمستشفى الأعصاب النفسية (مصحة السلام).الذي قال لنا يتفق العلماء على أن العامل السائد في ارتكاب جرائم القتل هو البيئة وقسوة الحياة ولا سيما الحياة الاقتصادية.فالجريمة جريمة كانت سرقة او انتهاك أعراض او جريمة قتل ولكن الأخير هي من اشد الجرائم كانت مقصودة او غير مقصودة فجريمة القتل شرعاً وقانوناً محرم.ولكن اريد اقول ان القتل ليس مقصوراً على فئه معينة من الناس او مكان معين من الأماكن فقد يرتكب الكبير والصغير والشيخ والأمير والمتعلم و غير المتعلم جريمة قتل ولكن الفرق احياناً تكون مقصودة واحياناً غير مقصودة واحياناً ذات دافع واحياناً من دون دافع قتل كما ان هناك عوامل مساعدة لجريمة القتل وهي المخدرات والخمور.واضاف الأخ/ وهيب مغيني قائلاً:ولعل اهم الصفات التي يمتاز بها مرتكب الجريمة هي تقلب عواطفه ومشاعره وعدم استقرارها عند حاله واحده ولهذا فأن القاتل المتعمد شخص سريع الانفعال سريع التقلب في اهوائه ومشاعره وعواطفه نادراً ما تستقر.هناك آراء قديمة عن سبب السلوك السيئ او اللاخلاقي الإجرامي يعود تاريخها الى الحضارة اليونانية القديمة، حيث راى سقراط (399،469 ق.م) ان جميع الافعال السيئة تعود الى الجهل والضلال ويرد الفضيله الى المعرفة وان مايفعله الانسان يعود لمبدأ اللذة وما يتجنبه يعود لمبدأ الالم.وان الجريمة سبيل الوصول الى اللذة إذ يسعى المجرم للذته على حساب المجتمع .. ويرى افلاطون ان الجريمة لا ترجع الى سبب طبيعي في الانسان بل الى اسباب مكتسبة ويقول افلاطون وان هناك فرقاً بين مجرم بالارادة ومجرم بدون ارادة .اما ارسطو فيرى ان الفرد يولد بغرائز تسيره وان الاجرام يولد بالسليقة ولا يمكن تغييره وان هناك خصائص جسمانية تدل على سماتهم الخلقية.وهناك بعض المفكرين عزوا الاجرام الى الكواكب فلكل انسان كوكب يتحدد مع ساعة مولده وان هذه الكواكب تتحكم في مصيره او مستقبله والكواكب تكون كواكب سعد او كواكب نحس وحال الناس من حال كواكبهم وكواكب المجرمين نحسات .الجريمة كحقيقة اجتماعيةالجريمة ظاهرة اجتماعية بدرجة اولى تمس معايير القيم والأصول الاجتماعية ويقال من الناحية الاجتماعية ان الجريمة هي كل فعل يخالف الشعور العام للجماعة على اعتبار ان الجريمة ليست سوى تعبير عن نقص التضامن الاجتماعي لدى مرتكبها بسبب عدم تزوده بالقدر الكافي من القيم والقواعد الاجتماعية اللازمة لحفظ وجود الجماعة.الجريمة كمشكلة نفسيةان الجريمة من الامراض التي تصيب المجتمع والتي يجب التصدي لها بكل الطرق او ادراجها ضمن الشذود المرضي .. والبعض يراها ظاهرة طبيعية سوية في المجتمع ولكن هذا لايعني ان المجرم انسان سوي لا يعاني من شذود بايولوجي او عقلي وبهذا نقول قد يكون المجرم مجنون او ناقص العقل وقد يكون سوياً او عبقرياً او متوسط الذكاء او قد يكون نبيلاً وقد يكون وغداً شريراُ يكره ولا يحترم قوانينه وقد يكون مواطناً صالحاً .. يحترم المجتمع وقوانينه وقد يرتكب عن قصد وقد يرتكب الجريمة من دون قصد او خطأ او تحت ظروف عسيرة او بحاجة قاهرة وهذا يعني ان الجريمة مشكلة نفسية رغم اختلاف النظر اليها فهي مشكلة جادة او بسيطة سواء كانت سوية او غير سوية ان النفس البشرية غاية في التعقيد والحساسية يتوجب معرفتها بشيء من العمق والدقة ولهذا فان مساهمة علم النفس في المجال القانوني مهمة ومطلوبة.جريمة القتل العمدقمنا بالنزول إلى كلية الحقوق والتقينا بالدكتور/ نجيب علي سيف الجميل أستاذ القانون الجنائي المشارك والمحاضر في علمي الإجرام والعقاب ووضعنا له عدة أسئلة فأجاب قائلاً: إن القتل العمد يعد من أخطر أنواع الجرائم.. فالجاني بارتكابه لجريمة القتل يعدم نفساً إنسانية بريئة خلقها الله سبحانه وتعالى وجعلها من أعظم وأهم وأكرم مخلوقاته، فكرمها تكريماً وفضلها على كثير ممن خلق تفضيلاً، وتزداد خطورة جريمة القتل العمد عندما تكون مصحوبة بسبق الإصرار والترصد أو إذا ارتكبت بطريقة وحشية أو تم القتل باشتراك عدة أشخاص أو كان المجني عليه طفلاً أو امرأة أو على صلة قرابة بالجاني أو تربطه به علاقات صداقة أو كان جاراً له كما هو الحال في هذه الجريمة.أركان جريمة القتل العمد:ولقيام جريمة القتل العمد فإن القانون اليمني يشترط توافر أركان معينة هي: موضوع الجريمة: وهي الحياة الإنسانية، أي الحياة ذاتها إذا كانت مستقرة في كائن حي له صفة الإنسان، باعتبار أن القتل يمس هذه الحياة فيعدمها.الركن المادي: وهو يتكون من الفعل القاتل أو المميت أو الامتناع عن الفعل الذي يؤدي إلى الوفاة، والذي أرتكبه الجاني، وأيضاً يتكون من الرابطة السببية بين الفعل أو الامتناع والنتيجة الإجرامية، أي أن وفاة المجني عليه كانت بسبب الفعل الإجرامي المميت الذي أرتكبه الجاني أو الامتناع عن الفعل المؤدي إلى الوفاة.الركن المعنوي: ويتمثل بالقصد أو العمد الجنائي القائم على عنصرين هما: العلم: أي علم الجاني بأنه يرتكب فعلاًً مجرماً شرعاً وقانوناً، وأن هذا الفعل سيترتب عنه نتيجة جرمها الشرع والقانون.الإرادة: وتعني أن الجاني أراد ارتكاب ذلك الفعل المميت ورضي بتلك النتيجة الإجرامية وهي وفاة المجني عليه.عقوبة جريمة القتل العمد وشروطها: ونظراً لخطورة جريمة القتل العمد فقد قررت الشريعة الإسلامية لها عقوبة الإعدام قصاصاً. وهذا ما ذهب إليه أيضاً المقنن اليمني في نص المادة (234) من قانون الجرائم والعقوبات النافذ رقم (12) لسنة 1994م، إذ جاء فيها: « من قتل نفساً معصومة عمداً يعاقب بالإعدام قصاصاً إلا أن يعفو ولي الدم...» استناداً لقوله تعالى: «كتبنا عليهم فيها إن النفس بالنفس»، وقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ..».وقد وضع المقنن اليمني ضوابط وشروطاً معينة للحكم بعقوبة الإعدام قصاصاً المقررة لجريمة القتل العمد، إذ نصت المادة (234) من قانون الجرائم والعقوبات على أنه: (من قتل نفساً معصومة عمداً يعاقب بالإعدام قصاصاً إلا أن يعفو ولي الدم فإن كان العفو مطلقاً أو بشرط الدية أو مات الجاني قبل الحكم، حكم بالدية، ولا اعتبار لرضا المجني عليه قبل وقوع الفعل. ويشترط للحكم بالقصاص أن يطلبه ولي الدم وأن يتوافر دليله الشرعي فإذا تخلف أحد الشرطين أو كلاهما وأقتنع القاضي من القرائن بثبوت الجريمة في حق المتهم أو إذا امتنع القصاص أو سقط بغير العفو يعزر الجاني بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات، ولا يجوز أن يصل التعزير إلى الحكم بالإعدام إذا كان الجاني معروفاًً بالشر أو ارتكب القتل بوسيلة وحشية أو على شخصين فأكثر أو من شخص سبق أن أرتكب قتلاً عمداً أو توطئة لارتكاب جريمة أخرى أو لإخفائها أو على امرأة حامل أو على موظف أو مكلف بخدمة عامة أثناء أو بسبب أو بمناسبة تأدية وظيفته أو خدمته حتى لو سقط القصاص بالعفو». كما نصت المادة (235) من القانون نفسه على أنه: «إذا عفا ولي الدم مطلقاً أو مجاناً أو بشرط الدية جاز للمحكمة تعزير الجاني بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات، ويجوز أن تصل العقوبة إلى الإعدام في هذه الحالة إذا توافر مع القتل أحد الظروف الواردة في الفقرة الثالثة من المادة السابقة».كما أنه إلى جانب ذلك قرر القانون اليمني على القاتل عمداً وعدواناً عقوبة تبعية هي الحرمان من الميراث إذا كان المجني عليه قريباً للجاني، إذ نصت المادة (53) من قانون الجرائم والعقوبات على أنه: «القاتل عمداً لا يرث قتيله ولا يكون ولياً لدمه ولا يملك العفو».ويتضح من النصوص القانونية السالفة الذكر أن عقوبة الإعدام قصاصاً تتطلب توافر شروط معينة هي : أن يكون القتل قد ارتكب على سبيل العدوان، أي أنه قتل مجرم شرعاً وقانوناً.أن يكون القتل قد تم بصورة عمدية، أي أن الجاني كان قاصداً قتل المجني عليه.أن يكون الفعل المميت الذي أرتكبه الجاني قد أدى إلى وفاة المجني عليه أو كان سبباً لوفاته.أن تكون النتيجة الإجرامية قد تحققت، وهي إزهاق روح المجني عليه.أن يكون القتيل معصوم الدم، أي أن الشرع لم يهدر دمه. والإنسان المعصوم وفقاً لنص المادة (231) من قانون الجرائم والعقوبات هو:- مسلم أياً كانت جنسيته.- اليمني أياً كانت ديانته. - من ينتمي إلى دولة معاهدة غير محاربة أو بينها وبين اليمن هدنة. - من دخل أراضي الجمهورية بأمان ولو كان منتمياً لدولة محاربة مادام الأمان قائماً، ويعتبر الإذن بدخول البلاد أماناً حتى يلغى بقرار من السلطة المختصة.أسباب جريمة القتل العمد:إضافة إلى ما تقدم فإن جريمة القتل العمد تعود إلى أسباب ودوافع عديدة، أهمها ما يلي:الثأر أو الانتقام.الغيرة أو الحقد أو الحسد.الطمع في الميراث أو المال أو تحقيق منفعة معينة.النزاعات بين الأفراد.المشاكل الأسرية.الأمراض النفسية والعقلية.تعاطي وإدمان الخمور والمخدرات.الاستفزاز وغيرها من الأسباب والدوافع.كما أن جرائم القتل العمد تزداد في ظل انتشار ظاهرة حمل السلاح الناري أو الأبيض.وختاماً يمكن القول أن جريمة القتل العمد تعد من أخطر الجرائم التي لا تمس الفرد فحسب، بل المجتمع أيضاً، فالقتل هو إفناء للوجود الطبيعي والاجتماعي للمجني عليه، ومن ثم فإن الأضرار الناتجة عن الجريمة لا تقع على المجني عليه أو على أسرته بفقدان عائلها أو أحد أفرادها فقط، وإنما تقع أيضاً على المجتمع الذي كان المجني عليه أحد أفراده الصالحين.