د. زينب حزامكانت زيارتي الأولى لحضرموت في نهاية مارس الماضي، هذه المدينة التاريخية التي شهدت ما يزيد على 100 ندوة وأمسية ثقافية، وطباعة عشرات الكتب عن تاريخ وحضارة حضرموت، وآثارها وتراثها الفني والأدبي والمعماري الذي اشتهرت به مدينة شبام التاريخية وناطحات السحاب التي تجاوز عمرها خمسمائة سنة.وللمدينة قلعة قديمة تحمل اسمها يعود إنشاؤها إلى أكثر من خمسة آلاف عام، وتميز أهل حضرموت ببناء المساجد والمكتبات ومنها مكتبة الأحقاف التي تحتوي على العديد من المخطوطات التاريخية والأدبية والعلمية، كما يتميز أهل حضرموت بتشجيع الأدباء والعلماء والفنانين وخاضت معارك ظاهرة ضد أعداء البلاد.وتعد المكلا من أكبر مدن حضرموت وهي مدينة تجارية صناعية، وأول أمر يلحظه الزائر بسهولة، انتشار صناعات الزجاج والنحاس والفخار والنقش على الخشب، وتشير مصادرنا التاريخية إلى أن حضرموت منذ القرن الخامس عشر تقريباً اعتبرت عاصمة تجارية، حيث هاجر تجارها إلى القرن الأفريقي وآسيا الصينية وقد تمتعت بقوة اقتصادية هائلة مكنتها من بناء حضارة تطورت عقداً بعد آخر ومثلت أسواق حضرموت مصدراً لأكثر من نصف الإمبراطورية البريطانية وإلى دول الشرق والغر ب.وبسبب هذا الموقع الإستراتيجي والمكانة المتميزة التي احتلتها المدينة أقدمت الدول على توطيد العلاقات التجارية والثقافية مع هذه المدينة المتميزة بحضارتها العريقة، وفي حضرموت القديمة يشعر الزائر كما لو كانت متحفاً متعدد الحضارات، وقد تركت بصماتها على عمارة المدينة التي تتميز بمادة الحجر، وهو ما منح عمارة حضرموت طابعها الخاص، ومنها مساكنها وأسواقها وقصورها ومساجدها، وهو ما ألهم شعراء كثيرين فكتبوا عن المدينة بعد أن وقعوا في غرامها ومنهم المحضار والشاعر عبدالله بن الدمينة الذي يقول في قصيدته الغنائية:ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد؟! لقد زادني مسراك وجداً على وجد وإن هتفت ورقاء في رونق الضحى على فتن غصن النبات من الرندبكيت كما يبكي الوليد صبابة وأبديت من شكواي ما لم أكن أبدي وقد زعموا أن المحب إذ دنا يمل وأن النأي يشفي من الوجدبكل تداوينا ولم يشف ما بنا على أن قرب الدار خير من البعد على أن قرب الدار ليس بنافع إذ كان من تهواه ليس بذي عهد ويقول الشاعر الحضرمي حداد بن حسن الكاف في قصيدته الغنائية المشهورة:«بسألك يا عاشور»:بسألك يا عاشور عن حال البلد وأخبار غنانا وكيف الناس والبلدبالله خابر عاد حد من بعد حد أو عادهم في ذكر حدادوأن قد تناسوا ما قرب وإلا بعد بوعودهم الكاذبة بكرة خفي بعدهولعاد لحاجة للمولى والمرد باقول في سيئون بارادكلين من المغرب على فرشه رقد ونا ليالي خمس طرفي ما هني رقدهبنيت كما مولى المطاحين والرمد ومن الكدر من ماذ لا ماذ كثر المشفة تورث القلب النكد والقلب أيش جبره لاقد حالته نكدهوإن ظلت ألا هكذا الحالة نكد ماشي صفا بعد التنكادإن قال صلوا شرق صلينا عمد محبوب عند الله وعند الناس بالعمدةوعلى قلوب الناس له سطوة ويد محد لعب مثله بحداد ومن المطربين المعروفين في حضرموت المطرب يسلم عبدالله دحي، وهو من مواليد عام 1910م تلقى تعليمه الابتدائي في مدينة المكلا بمحا فظة حضرموت ثم اشتغل بالأعمال التجارية فتنقل فيها موظفاً وتاجراً، بعد ذلك أنشأ معملاً صغيراً للصباغة في المكلا.وفي إحدى زياراته لعدن انضم إلى جماعة من المطربين القدماء أمثال عبدالمجيد المكاوي ومحمد عبدالرحمن المكاوي وعمل معهم ضارباً بالدف ومغنياً، بعد ذلك سجلت له شركة (التاج العدني) أول أغنية من كلمات السيد عبدالله محمد باحسن وتلحين صالح عبدالله باسلوم وهما من أهالي مدينة الشحر بعنوان (ما للرشا المعسول حلو القوام)، ويتمتع الفنان المطرب يسلم دحي بجمال الصوت والإجادة في الإلقاء للقصائد والمقطوعات الشعرية، إضافة إلى شهرته في إجادة الأغاني البدوية والقروية كأغاني رقصة الحفة الساحلية (هيش) وأغاني رقصة الدحيفة الدوعنية، وكانت له علاقات واتصالات دائمة بملحني هذه الأغاني، إضافة إلى إجادته للتواشيح الدينية والأناشيد الوطنية.وعندما كان عضواً في فرقة حامد عوض القاضي في مدينة الشيخ عثمان أتيحت له فرصة تعلم العزف على آلة العود فأخذ يغني الألحان البدوية المختارة، حيث سجل بعضها على أسطوانات بعد أن أدخل عليها بعض التغييرات الضرورية.ومن أغاني الفنان الراحل يسلم دحي هذه الأغنية ومطلعها يقول:يا حمول الشب أيش بايشلك كودي باشلك لما تحبهيوم اتعبني حمولك وحطك والتكلف فوق العقاب العكيهيوم في العقبة ملاوي ومضنك عقبة الرحمن ما هي وطنهمن سرح فيها يظلي مهلك وأن زنع خلوه وحده هميه وهكذا كان الفنان دحي من أشهر المغنيين للألحان البدوية الحضرمية وأبرعهم في هذه الألحان الشعبية.وبلغ ما سجله للإذاعة والتلفزيون بعدن آنذاك ثمانية أعمال من موشحات دينية وأغانٍ عاطفية.توفي الفنان المطرب يسلم دحي رحمه الله في أغسطس من العام 1992م عن عمر ناهز الثمانين عاماً.
|
ثقافة
حضرموت وأسواقها وشوارعها وجدران منازلها متحف مفتوح للتاريخ
أخبار متعلقة