د. أسعد شريف يقابل التكيف.. عدم التكيف، أين نجد الأول، وأين نجد الثاني؟ الفنان يواجه مشكلة عدم التكيف مع من حوله أكثر من غيره وبشكل جاد، الشاعر يحس بهذا النوع من المشكلة، الأديب الذي يبحر في عالم التخيلات القريبة للهلوسة وربما تتقارب أكثر مع الهذاءات.هل يقودنا التكيف وعدم التكيف إلى عالم الذهان!! إنه حقاً تساؤل فيه أكثر من علامة استفهام؟ الفنان، الشاعر، الأديب، القاص، المفكر، الكاتب، يؤمن بأن حسه وقياسه للتكيف ليسا بمبعدة عن عوامل مضللة عدة بعضها فيما يحسه ويريد معرفته معرفة أقرب إلى ذاته هو كحاس ومتكيف نفسياً لما يختلج بين ثناياه، لذلك تتركز نرجسيته في قدرته على كشف هذا التضليل بصورة مستمرة ولقدرته أيضا على أن يكون جزءاً من عالم اللا تكيف دون أن يستمتع بما يجول في تفكيره خلال تلك الحقبة حينما يغوص في أعماقه لينتج فكراً أو قصيدة أو قصة أو رواية أو عملاً فنياً، يعيش تلك اللحظات الخاصة جداً في نفسيته الألم.. الخالد فيكون الإبداع، يقول علماء النفس إنها لم تكن لحظة ألم، أو هذاءات، وإنما لحظة تضحية لمجد يخطه فكره على الواقع!!تعرف موسوعة علم النفس والتحليل النفسي التكيف بأنه خطوة أبعد من المواءمة على طريق التوافق سواء في المجال البيولوجي أو الاجتماعي أو النفسي، وهي تمثل تغييراً في البناء ـ أو السلوك ـ لمواجهة متطلبات البيئة الأمر الذي يستدعي تفرقته عن المواءمة والتوافق. وتختلف النظريات النفسية في معنى التكيف، فيرى التحليل النفسي بأنها قدرة الأنا على التوفيق بين الدفعات الغريزية الصادرة من الهو وبين العالم الخارجي، وبين الأنا الأعلى. وذلك عبر اختبار الواقع، وتضيف موسوعة علم النفس أيضا أن المدرسة السلوكية ترى في التكيف بأنه انطباع الكائن الحي للشروط التي يفرضها التعلم، مع استبعاد السلوك التمهيدي غير الضروري، وترى السلوكية أيضاً أن التكيف هو تلك المدة الكلية منذ بدء التعرف المنظم للمثير حتى تلك اللحظة التي تستقر بعدها الاستجابة دون تغير.نحن نتكيف مع بيئتنا ـ مجتمعنا، مع من حولنا لكي نرضي أنفسنا، ويرضى عنا الآخرون، لكي نحس بالاطمئنان تجنباً لغضبهم، أو رفضهم لما نفكر فيه حتى يقودنا تفكيرنا إلى سلوكنا الظاهر، ونرى الاستجابات بين القبول والرفض، ففي حالة الرفض يلجأ البعض منا للجنون، والجنون أسلوب للهروب من الزيف الإجتماعي من الانحلال من القيود، من النفاق، عدم القدرة على مواجهة النميمة، دعونا نقول إنها انطلاق إلى الحرية بمعناها الأوسع ولو بشكل فردي، هذه الحرية لا يقبلها المجتمع، بل يقبلها من عمل بالطب النفسي والعمل النفسي المتخصص، فهي تحمي صاحبها من قسوة المجتمع والسلطة إذا كانت دكتاتورية، وفي الوقت نفسه تحميه حتى تتبلور أفكاره ويعبر عن رأيه الخاص بكل حرية وبلا خوف.من المعروف أن الاضطراب الذهاني (العقلي ـ أو ما يطلق عليه الجنون) يتم تشخيصه طبياً نفسياً بعد التأكد من مظاهره، والطبيب النفسي لا يتسرع بالتشخيص إذا اختلف الفرد عن المجتمع أحياناً، ولكن السلطة الدكتاتورية الحاكمة تتهم الفرد بالمرض العقلي أو الجنون وربما يودع إحد المستشفيات وتثار حوله الكثير من المبالغات أو التشهير لغرض تسقيطه.دعونا نستأنس برأي عالم التحليل النفسي الشهير مصطفى زيور بقوله إن النفس هي هي سواء أكان ما يصدر عنها هذياناً أم إبداعاً فنياً، وإنها هي هي في أعماقها، سواء أكان ما يشغلها أحلام الليل أم نشاط الحياة اليومية وأن ما يصدق عليها هو هو كان حاصل إنتاجها قصصاً خرافية وأساطير أو مسرحية تراجيدية أو فكاهة مثيرة للضحك، أنه لا يصح في الأذهان أن تكون صفات النفس هي هي في الصحة والمرض.هل تستقيم الأمور في حالات التكيف النفسي حينما ينم عن ألوان من الصراع المكبوت الذي تدور رحاه بين الواقع المؤلم ونقيضه، ما تحمله إنسانية الإنسان؟ وسياسة الدولة الهوجاء أو سلطة الجماعة التي لم تر في إنسانية الإنسان سوى أنه منقاد وعبد بلا تفكير مقابل سلطة السيد الحاكم؟ حتى بات الأمر أن المقابل النفسي لهذه الصورة هو أن المرء لا يشعر بالألم، لا يشعر باللذة، وأصبح الأمر في بلداننا ليس حالة انعدام الألم في حد ذاته ولكنها تشمل القدرة على تقبل الألم وأن الرغبة في إحلال اللذة محل الألم وما هو إلا وهم ومستحيل، فلذلك يحق لنا أن نقول أن الفرد ـ المواطن ـ الإنسان في أي بلد ما هو إلا المعبر الظاهري عن مرض قيادته وسلطة بلده وكثيراً ما يكون الشعب أكثر ذكاء وحساسية ورغبة في الخلاص والتطور والانطلاق نحو التحرر، ومعاناته بعدم التكيف البيئي والاجتماعي والنفسي ليست إلا دليلا على صدق رغبته هذه وإحباطها إزاء تحجر القادة السياسيين أو تخلفهم، فالتكيف النفسي ليس عملية آلية تحدث بمعزل عما يدور في النفس وبلا إرادة واجتهاد ومخاطرة لابد من القبول بها، فكل اختيار هو تفضيل ومخاطرة قد تؤدي إلى خسارة وقد تحقق الفوز.. وهو التكيف الناجح.
التكيف النفسي.. الشعور بالقدرة
أخبار متعلقة