في تاريخ 25 نوفمبر من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة, وتقيم المنظمات الحكومية وغير الحكومية والجهات المعنية بحقوق الإنسان وحقوق المرأة في جميع البلدان فعاليات خاصة بهذه المناسبة (العنف ضد المرأة) لتعريف مجتمعات العالم بحجم هذه القضية الخطيرة التي تخطت الحدود لتصبح قضية عالمية متعلقة بحقوق الإنسان والعيش الكريم. وتركز تلك الجهات على عرض حوادث متنوعة حول العالم تتعلق بممارسة العنف ضد المرأة وكيفية التعامل معها على أنها حلقة ضعيفة في المجتمع, وتعرض في نفس الوقت عدد من الاتفاقيات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان وكذلك حقوق المرأة, والنداءات المستمرة لحماية المرأة من سلطة الرجل وضرورة إنهاء العنف ضدها, وبالتالي وجوب مشاركتها الرجل في بناء المجتمع لأنها تشكل نصفه - فلا نهضة إلا بها. ولكن, هل يُعقل أن العنف ضد المرأة لا يكون إلا من الرجل؟! من وجهة نظري المتواضعة, فإن كل تلك الفعاليات في الحقيقة تحقق نجاحاً كبيراً في عرض مشكلة العنف ضد المرأة والصادر من الرجل وكأنه النوع الوحيد من العنف الذي تعاني منه المرأة في مجتمعنا العربي! ولكن تجاهلت أو تناست أن هناك عنفاً أشد وأكثر تأثيرا وهو عنف المرأة ضد المرأة (طباخة ما تحب طباخة). فإذا كنا نقصد بالعنف استخدام القوة بشكل عام ووقوع الضرر على طرف آخر فإنه لابد من تسليط الضوء أيضا على أن العنف ضد المرأة قد يكون صادرا أيضا من امرأة أخرى, فكما هي شريكة الرجل في كافة الأصعدة والمجالات الحياتية, فهي أيضا تشاركه في العنف الموجه ضد المرأة. وعنف المرأة ضد المرأة ليس مستترا, ولكنه منتشر بشكل كبير في دول العالم الثالث وخاصة مجتمعاتنا العربية, والعنف عموما لا ينحصر على العنف الجسدي فقط بل تجده في أشكال مختلفة محدثة أثراً أقوى لا يزول - معنوية واجتماعية واقتصادية وجنسية وكذلك سياسية - فمثلا نجد العنف الممارس من المدرِّسة والمعلمة تجاه الطالبة في المدرسة أكان عنفا باستخدام العصا أو اليد أو حتى استخدام الكلمات غير المستحبة والتي قد تؤثر على نفسية الطالبة ومستواها التعليمي, وكذلك في البيت نرى العنف بين الأخوات والذي يكون ناتجاً عن الغيرة فيما بينهم وأكرر بأن العنف ليس العنف الجسدي فقط بل أي سلوك يحمل ضررا على الطرف الأخر, وإذا انطلقنا إلى بيئة العمل فسنجد العنف الممارس بين العاملات والتحريض الذي تمارسه مجموعة من العاملات أو النساء ضد إحداهن, أو أحيانا نجد أن مديرة قسم تغار من موظفة لديها لأنها ذات مستوى علمي عال وبالتالي تخشى أن تفقد مركزها في يوم ما فتعمل على تدبير المؤامرات والأكاذيب ضدها حتى تستبعد من هذا القسم, وكذلك نجد العنف الممارس بين الزوجات المتعددة وبناتهن بأشكال مختلفة مثل اختلاق الفتن فيما بينهن, وقد تصل أحيانا إلى اللجوء لأعمال السحر والشعوذة للانتقام. ومجتمعنا العربي يحوي الكثير والكثير من الأمثلة عن العنف الممارس من امرأة ضد امرأة أخرى والتي قد تخطر ببالك الآن وأنت تقرأ هذا المقال. إذن, لا يمكننا تجاهل هذا النوع من العنف مهما حصل فهو اشد وأكثر تأثيرا على المرأة, ولهذا يجب على جميع الجهات المعنية: حكومية وغير حكومية, أحزاباً سياسية, ومنظمات مجتمع مدني, وأية جهات أخرى ذات صلة أن تبذل مزيدا ومزيدا من الأفعال بدلا من الأقوال حتى نتمكن من الوصول إلى بيئة مناسبة للمرأة حيث تصان فيها حقوقها وكرامتها وحريتها, ولا نكتفي فقط برمي البلاء على الرجل بل يجب أن ننظر للقضية من كل الجهات حتى تتشرف المرأة بمراكز مرموقة في مجتمعها بجدارة واستحقاق.
وكذلك.. هي!
أخبار متعلقة