على خلاف توقعات وتخوفات كثيرة، مرّ يوم محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي ومن معه من قيادات الجماعة الكبار هادئاً وبتعبئة إخوانية شديدة الضعف في كل مناطق الجمهورية، بما فيها مكان المحاكمة الذي لم يصل عدد مؤيدى مرسي به إلى أكثر من ألفي شخص فى أقصى التقديرات. غابت الجماعة وأنصارها وحلفاؤها في اليوم الذي كان مفترضاً أن يكون يوم التجمع الأكبر والاحتجاج الأعنف، فهو يوم محاكمة ما يدعون أنه «الشرعية» ممثلة في رئيسهم وأعوانه، وراح المصريون يتساءلون عن سر هذا الغياب وتتعدد تفسيراتهم.التفسير الأكثر شيوعاً ما بين عموم المصريين ونخبتهم ووسائل الإعلام هو أن الجماعة وتحالفها المدافع عما يسمونه الشرعية قد أصيبوا بحالة من الإنهاك والضعف وانصراف غالبية المصريين عنهم بعد شهور أربعة من عزل مرسي والبدء فى خريطة طريق المستقبل. ويرى أصحاب هذا التفسير أن سلوك الجماعة وتحالفها طوال هذه المدة المتركز فى المسيرات والمظاهرات التى تعيث فساداً أثناء تحركها، قد أفقدتهم تعاطف عموم المصريين بمن فيهم من كانوا يشاركونهم البعض منها فى الفترة التى تلت عزل مرسي. ويكمل هذا التفسير بأن وقوع الغالبية الساحقة من قيادات الجماعة العليا والوسطى فى قبضة الأمن قد فكك بنيتها التنظيمية وأضعف كثيراً من قدرتها على الحشد والتعبئة، فلم تستطع يوم محاكمة مرسي أن تحشد ما كان كثيرون يتوقعونه. ويكتمل هذا التفسير بأن الغالبية الساحقة من المصريين التى عانت من سنة حكم الإخوان قد وضعت آمالها فى تطبيق خريطة الطريق وزاد تفاؤلها بنجاحها مع تقدم عمل لجنة الخمسين لإعداد الدستور، وهو ما حال بين الإخوان وبين القدرة على تعبئتهم وتحريضهم على النزول للشوارع والميادين يوم محاكمة مرسي.أما التفسير الثاني فهو يرى أن الإخوان يمتلكون رؤية أشمل وقدرة أكبر مختزنة للاحتجاج والتظاهر، وأنهم يدبرون لمظاهرات واحتجاجات أوسع خلال الفترة المقبلة، وأنهم لم يفعلوها يوم محاكمة رئيسهم حتى يخالفوا التوقعات ثم سيفاجئون الجميع بما هو أكبر وأوسع من ذلك. والحقيقة أن هذا التفسير قائم على افتراض نظري لا توجد أى قرينة على صحته، فلاشك أن موعد الاحتجاج ومناسبته هما من أهم عوامل القدرة على التعبئة له، ولاشك أيضاً أن يوم محاكمة رئيسهم المعزول يعدالأهم بالنسبة للإخوان لكى يبرزوا فيه قوتهم وقدرتهم على رفض الخطوة الأهم فى نزع ما يسمونه «الشرعية» عن حكم رئيسهم بوضعه خلف القضبان ومحاكمته عن جرائم قتل وتعذيب وفق القانون الجنائي وأمام قاض طبيعي. ومن هنا فالاعتقاد أن الإخوان يدخرون ما لديهم من قوة متخيلة لدى البعض لأيام أخرى يبدو متهافت الحجة غير مقنع ولا متناسب مع الطريقة التى تفكر بها الجماعة عادة.أما التفسير الثالث، وهو غير متناقض مع التفسير الأول وإن تناقض كلية مع الثاني، فهو يقوم على أن الجماعة قد قررت بصورة نهائية التخلي عن رئيسها المعزول وعودته كشرط للدخول فى الساحة السياسية مرة أخرى. فلم ترد الجماعة أن تجعل من يوم محاكمة مرسي تتويجاً لرفضها لما جرى فى مصر منذ 30 يونيو وتتمترس وراء عودته التى تأكدت لها استحالتها، فغاب من تبقى منها عن يوم المحاكمة حتى لا تتعقد الأمور. وربما يلفت النظر ويرجح هذا التفسير طريقة تغطية قناة الجزيرة للمحاكمة سواء قبلها أو أثناءها أو بعدها، حيث يبدو أن هناك درجة من تخفيف التحريض واستخدام مصطلحات أقل عدائية لمصر وانحيازاً للإخوان، وبث لبعض من الأخبار والمعلومات المضادة لتحركات الإخوان وإن كان بصورة طفيفة. وكل هذا قد يمثل مؤشراً على وجود تحركات غير معلنة سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي لتفكيك الموقف الإخواني، يرجح أن تكون قطر طرفاً فيها مع أطراف مصرية أخرى، فأن تخفف الجزيرة من أدائها فى ذلك اليوم الحاسم وقبله وبعده فهذا أمر مرتبط بصور عديدة بغياب الإخوان عن شوارع مصر وميادينها يوم محاكمة رئيسهم المعزول.فى كل الأحوال فإن الأيام وحدها، والقريبة منها، هى التى ستجيب عن السؤال الذى يطرحه المصريون: أين ذهب الإخوان؟
أين ذهب الإخوان المسلمون؟
أخبار متعلقة