(الأسود يليق بك) لأحلام مستغانمي أو حكاية الليلة الثانية بعد الألف
كتبت / علياء بن نحيلة صدرت في نهاية سنة 2012 عن دار نوفل اللبنانية رواية جديدة للكاتبة أحلام مستغانمي عنوانها (الأسود يليق بك) وكالعادة تلقفتها معارض الكتاب والمكتبات العربية بلهفة كبيرة. واعتبر الإعلام العربي واللبناني -خاصة- صدورها حدثا أدبيا هاما وتسابقت النساء العربيات على الحصول على نسخة موقعة بقلم الكاتبة فبيعت منها سبعون ألف نسخة في شهر واحد.وقد بحث القراء في رواية (الأسود يليق بك) عن ذلك النص المجنون والمتوتر والاقتحامي والمتوحش والإنساني والشهواني والخارج عن القانون الذي وجده نزار قباني في رواية (ذاكرة الجسد) التي اعتبرها قصيدة مكتوبة على بحور الحب والجنس والايديولوجيا اختصرت تاريخ الوجع والحزن الجزائري وتواصلت هذه القصيدة في (فوضى الحواس) و(عابر سرير).وأحلام هي صاحبة الروايات الأكثر مبيعاً في العالم العربي منذ سنة 1993 تاريخ صدور روايتها (ذاكرة الجسد) التي تحصلت بها على جائزة نجيب محفوظ عام 1998 والتي ذكرت ضمن أفضل مائة رواية عربية حتى انه تم تحويلها إلى مسلسل سمي بنفس اسم الرواية أخرجه السوري نجدة أنزور وذلك سنة 2010.. وقد بيع منها أكثر من مليون نسخة، وبلغت مجمل طبعاتها الأربع والثلاثون طبعة وتواصل هذا التألق في روايات (فوضى الحواس) و(عابر سرير) و(نسيان كوم).[c1] لغة منتقاة بعناية[/c]كتبت أحلام مستغانمي سنة 1973 (على مرفأ الأيام ) و(كتابة في لحظة عري )و( ذاكرة الجسد) و(أكاذيب سمكة ) عام 1993و(فوضى الحواس) سنة 1997. وعابر سرير 2003. و(نسيان كوم) سنة 2009 الذي تزامن إصدارها مع (قلوبهم معنا قنابلهم علينا).في روايتها الأخيرة (الأسود يليق بك) تواصل الوصف والتعبير بلغة عربية شاعرية وسليمة وراقية ألفاظها منتقاة بعناية تؤكد بها أهمية الموسيقى في حياة الإنسان وما يتهددها في ظل تكاثر الإرهاب في البلدان العربية ورفض البعض لتعاطي المرأة لها فكانت الموسيقى كما كان الرسم في ثلاثيتها ذاكرة الجسد وفوضى الحواس وعابر سرير إحدى أهم الأبطال دللتها أحلام وحافظت عليها من كل الشوائب وألبستها أحلى الحلل لتروي من خلالها بعض التفاصيل المؤثرة في البيئة السياسيّة والاجتماعية المتوترة والمشحونة في البلدان العربية التي تتخبّط في مخاض وحراك مستمر.[c1] حشو وسطحية[/c]بهذه اللغة خططت أحلام لقصة خيالية ولشخصيات استثنائية ولكنها لم تكتبها هذه المرة بذاك العمق الذي عودت به قارئها حيث وردت القصة مليئة بالحشو والجمل الزائدة بعيدة عن الإبداع سطحية وحديث الحب فيها غير مكتمل تفاصيله مليئة بالتناقضات حيث أبحرت بسفينتها إلى هدف غير معين منذ البداية ورست بعيدا عن هدفها لذا كان من الطبيعي أن ينتهي ذاك الحب بتلك الصفة المزعجة. سردت أحلام روايتها هذه وجزأتها دون كثير من التركيز وغلبت قصة الحب الخيالية على قضية الوطن.أما موضوع الرواية فلا جديد فيه ومستهلك وقد يشعر القارئ في بعض الأحيان بالملل فالبطلة مغنية والدها جزائري وأمها ابنة مطرب سوري قتله الإرهابيون زمن الرئيس حافظ الأسد وبسبب قتل الإرهابيين لوالدها وشقيقها وتهديدها بنفس المصير هاجرت المغنية (هالة الوافي27 سنة) مسقط رأسها الجزائر وعادت مع والدتها إلى سوريا وفي بيروت تعيش قصة حب مع ثري لبناني اسمه (طلال هاشم) حصل على ثروته بالتخطيط والعمل الدؤوب والاجتهاد المدروس، هذا الثري الوسيم وضع خطة للإيقاع بهالة فأرسل لها الأزهار والرسائل المقتضبة وبطاقات الحفلات واستضافها في أفخم الفنادق العالمية وعمل على إبهارها بما لديه من إمكانيات مادية. ولكن كبرياءها يتغلب على ثروته فتتركه لأنها تريد الإنسان لا ماله وتشعره بأنها أثرى منه رغم محدودية دخلها.[c1] الشخصيات تتمرد على الكاتبة[/c]هالة فتاة مثالية لم تستطع حسب ما ذكرته الراوية أن تتنازل عن كرامتها ورفضت أن تسلم نفسها لمن أحبته بكل جوارحها ولكن الحقيقة أنها كانت ذكية وانتبهت إلى انه يحب زوجته ويحرص على أن لا يؤذيها لذا كانت تعرف منذ البداية انه لن يكون لها وانه لن يختارها إلا إذا ساومته وفعلا دخلت معه في ما يشبه لعبة الشطرنج أي أن البطلة لم تكن بتلك البراءة التي أرادت أن تظهرها الكاتبة وهذا يعني أن الشخصية أفلتت منها وتغلبت عليها وفضحت ما حرصت الراوية على إخفائه.تقول الراوية أن علاقة الحب عذرية بدأت جميلة وكاملة لكنها لم تستطع أن تثبت جمالها للقارئ وان البطلة عفيفة وشريفة وتستميت في إبراز ذلك لكنها تسمح لمن لم تستطع أن تسميه عشيقا بان يقبلها في كل مكان في جسدها وان تسكن معه نفس الغرفة وتقاسمه نفس السرير أي أن العفة هي أن لا تفتض بكارتها.أما البطل فمتعال متبجح بثروته عنيد وأناني لا شبه بينه وبين البطلة لا في طريقة العيش ولا في المبادئ يحصل على ما يريد بالمال على عكسها هي واللقاءات بينهما لم تكن متكافئة على أي صعيد. أي أن الرواية كانت تسير حيث لا تريد الكاتبة لان بطلا كهذا لا يمكن أن تطمع فتاة في غير ماله إلا إذا كانت صادية ولم نجد ما يفيد هذا في الرواية.لم تكن قصة حب بين بطلين بقدر ما كانت رغبة امتلاك احدهما للآخر فالبطل ثري خمسيني يريد أن يثبت لنفسه انه ما زال قادرا على إغواء الفتيات الصغيرات، معقد ويظن انه بماله يمكن أن يتحكم في مصير غيره في حين ترى فيه البطلة الدفء والأمان وهو ما لم يجده فيه قارئ الرواية.الشخصيات الثانوية كانت أكثر صدقا وكانت قصصهم أكثر واقعية وعلاقاتهم بالقارئ أجمل فعلاء شقيقها ونجلاء ابنة خالتها وهدى الصحفية والندير ووالدتها كانوا مقنعين وقد سردت الراوية ما تعلق بهم من أحداث بنجاح وبدون تناقض تحدثت من خلالهم عن الإرهاب في جزائر التسعينات والتصفيات الجسدية دون ذنب باسم الدين وعن أحداث 1982 في حماة سوريا وأحداث العراق وعن الهجرة السرية من خلال حكاية الندير الذي يموت غرق بأحلامه بالعيش الكريم في أوروبا.[c1] حكم ومواعظ[/c](الأسود يليق بك) فيها الكثير من الحكم بداية من عنوانها الذي تفسره أحلام بان (الحداد ليس في ما نرتديه بل في ما نراه وانّه يكمن في نظرتنا للأشياء وانه بإمكان عيون قلبنا أن تكون في حداد... ولا أحد يدري بذلك) أو قولها: (الكبرياء أن تقول الأشياء في نصف كلمة، ألا تكرر. ألا تصر. أن لا يراك الآخر عاريًا أبدًا. أن تحمي غموضك كما تحمي سرك. أو: (لا أحد يخير وردة بين الذبول على غصنها... أو في مزهرية وان العنوسة قضية نسبية إذ بإمكان فتاة أن تتزوج وتنجب وتبقى رغم ذلك في أعماقها عانسًا، وردة تتساقط أوراقها في بيت الزوجية).