سطور
*د . رود حجار:لطالما واجهت اللغة العربية في العصور الحديثة هجمات كثيرة لتشويهها ومن ثم للقضاء عليها تدريجياً، وذلك لأهداف مختلفة، كاستبدالها بلغات أجنبية أخرى، أو بهدف القضاء على شخصية المسلم بالتقزيم للغته التي تشكل أحد أهم عوامل بناء الشخصية عمومًا والاعتزاز بها، وبالتالي ينشأ جيل قميء لا يحترم لغته وفاقد لمقومات الشخصية القوية، فيشعر بالضياع تدريجيا ويسارع للذوبان في حضارات أخرى، لا ينتمي لها، ولكن بحثاً عن وحاجة طبيعية لاستقرار وانتماء لمجتمع ما سرعان ما يكتشف أنه لن يكون منه يوماً ما ولكن للأسف يكون ذلك بعد فوات الأوان.ولعل إحدى هذه المحاولات المهمة التي تؤدي للقضاء على لغتنا العريقة، لغة القرآن الكريم، إن لم تكن أهمها لعدم وضوحها، وخطرها على الناشئة، وهي الكتابة باللغة العامية، اللغة المحكية، في منتديات تعتمد اللغة العربية كلغة التواصل، أو في برامج التواصل المباشر أثناء المحادثات الكتابية، وإن أهمية هذه النقطة في هدم اللغة العربية تنبع من عدم وضوح خطورتها، وقضائها على الإملاء الصحيح، واستبداله بلغة لقيطة، لا أصل لها ولاجذور، لغة قبيحة منفرة للجيل الناشئ، ومن ثم لايجد لها أمثلة في الكتب التي يقرؤها، الأمر الذي يؤدي لنسيان وضياع اللغة الفصيحة، في الوقت الذي تقوي المدارس والجامعات كلها حتى العربية منها في مجتمعاتنا-ولا أنتقد هذه النقطة حاليًا-اللغة الأجنبية كالانكليزية والفرنسية، ولكنها تصبح عامل خطر عندما يكون على حساب الاهتمام باللغة العربية التي تهمل من قبل الطالب باستخدامه للعامية في تعاملاته، ويزيد خطورة حتى يبدأ باستخدامها حتى في تواصله الكتابي بدل أن نحاول محاربتها في تواصلنا الكلامي الشفوي فيما بيننا.وقد تبدأ الخطوة الأولى، باستخدام كلمة عامية كنوع من التسلية والمزاح كتابيًا، إضافة إلى أن الكتابة بالعامية تخلق نوعًا من التقارب بين المتحدثين، وتحطم حاجز البعد العنكبوتي، ومن ثم يصبح الأمر أسهل لأن استخدام بعض الكلمات بالعامية، يدفع الكاتب إلى عدم تحري الدقة في إملائه أن يكون صحيحًا، فلو كان سينتقده الآخر على إملائه، فمن باب أولى أن يكون النقد على استخدام كلمات عامية دخيلة على اللغة الأصل، وتعتاد العين والأذن على رؤية كلمات عامية، ركيكة، أخطاء إملائية، إهمال تام واندثار للكلمات المعبرة، وللجمل القوية، وبالتالي تعميق للغة المحكية، وزيادة الشروخ والإقليمية بين أبناء الوطن الواحد واللغة الواحدة، وبعد عن لغة القرآن وزيادة الإحساس بعدم الانتماء لها، وغربة عن فهم معاني القرآن، وبعد عن الدين، فضلا عن إحساس بعدم الانتماء لهويته العربية والإسلامية.على كل فرد أخذ هذا الأمر على محمل الجد والإحساس بخطورة هذا الأمر على أبنائه، ولغته، ودينه، وعدم التهاون معه بأي شكل كان، فمعظم النار من مستصغر الشرر، والصعوبة فقط بالبدايات، ومن ثم يصبح الأمر أسهل تطبيقًا ، والإنسان أسير الاعتياد، فما أجمل أن نعود أبناءنا على الاتجاه الصحيح من البدايات، على أن ندعهم في البداية ، يصبح الأمر أصعب عليهم وعلينا، والإحساس بالانتماء لمجتمعاتنا يحتم علينا النصح حتى لمن حولنا حفاظا على هويتنا ولغتنا وديننا من الضياع، ونساهم في بقاء هذا الصرح العظيم الذي هو باق بلاشك ومحفوظ بحفظ القرآن، ولكن الإحساس بأنه كان لنا يد في استمرار هذا الصرح هو رائع بلاشك.