سطور...
إعداد/هبة طهديبلوماسي وشاعر سوري معاصر، أحدثت حرب 1967 والتي أسماها العرب (النكسة) مفترقًا حاسمًا في تجربته، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه (شاعر الحب والمرأة) لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته (هوامش على دفتر النكسة) عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.على الصعيد الشخصي، عرف القباني مآسي عديدة في حياته، منها انتحار شقيقته لما كان طفلاً ومقتل زوجته بلقيس خلال تفجير انتحاري في بيروت، وصولاً إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته (الأمير الخرافي توفيق قباني).ولد في 21 مارس 1923 من أسرة دمشقية عريقة إذ يعتبر جده أبو خليل القباني رائد المسرح العربي ووالده تاجراً دمشقياً معروفاً، وسوى ذلك من أنصار الكتلة الوطنية التي قارعت الانتداب الفرنسي. وبحسب ما يقول في مذكراته، فقد ورث القباني من أبيه، ميله نحو الشعر كما ورث عن عمه أبو خليل القباني حبه للفن بمختلف أشكاله. يقول في مذكراته أيضاً، أنه خلال طفولته كان يحب الرسم ولذلك (وجد نفسه بين الخامسة والثانية عشر من عمره غارقًا في بحر من الألوان)، ومن ثم شغف بالموسيقى، وتعلّم على يد أستاذ خاص العزف والتلحين على آلة العود، لكنّ الدراسة خصوصًا خلال المرحلة الثانوية، جعلته يعتكف عنها.خلال طفولته انتحرت شقيقته، بعد أن أجبرها أهلها على الزواج من رجل لم تكن تحبّه، وهو ما ترك أثرًا عميقًا في نفسه، ولم يكشف عن القصة باكراً بل قال أنها توفيت بمرض القلب، إلا أن كوليت خوري كشفت عكس ذلك، وهو ما ثبت في مذكراته الخاصة أيضًا، إذ كتب: (إن الحبّ في العالم العربي سجين وأنا أريد تحريره). كما ارتبط بعلاقة خاصة مع والدته، التي لم تفطمه حتى بلغ السابعة وظلّت تطعمه بيدها حتى الثالثة عشرة من عمره.عام 1939 كان نزار في رحلة بحريّة مع المدرسة إلى روما، حين كتب أول أبياته الشعريّة متغزلاً بالأمواج والأسماك التي تسبح فيها، وله من العمر حينها 16 عامًا، ويعتبر تاريخ 15 أغسطس 1939 تاريخًا لميلاد نزار الشعري، كما يقول متابعوه. وفي عام 1941 التحق نزار بكلية الحقوق في جامعة دمشق، ونشر خلال دراسته الحقوق أول دواوينه الشعريّة وهو ديوان “قالت لي السمراء” وقد قام بطبعه على نفقته الخاصة، وقد أثار موضوع ديوانه الأول، جدلاً في الأوساط التعليمية في الجامعة:ومنذ ديوانه الأول، أثار هذا الصوت المختلف جدلاً عنيفًا، وصفه نزار فيما بعد فقال (لقد هاجموني بشراسة وحش مطعون، وكان لحمي يومئذ طرياً).تخرج نزار عام 1945 والتحق بوازرة الخارجية السورية، وفي العام نفسه عيّن في السفارة السورية في القاهرة وله من العمر 22 عاماً. كانت القاهرة حينذاك، تشهد ذروة ثقافية وصحفيّة، وفيها طبع نزار ثالث دواوينه (طفولة نهد)، الذي لم يكن جريئاً في عنوانه فحسب بل في لغته الشعريّة التي لم تكن مألوفة في ذاك الوقت. ديوان (طفولة نهد) اجتذب ناقدين كبار لمناقشته والرد عليه، من أمثال توفيق الحكيم وكامل الشناوي وأنور المعداوي، وبينما تحمّس له المجددون فقد أثار الديوان حفيظة المحافظين والتقليديين حتى أنّ حسن الزيات أسماه في معرض نقده (طفولة نهد). لكن الديوان بشكل عام، شكل انطلاقة له في الأوساط الثقافية المصرية حتى بات أحد رموزها. ولما كان العمل الدبلوماسي من شروطه التنقل لا الاستقرار، فلم تطل إقامة نزار في القاهرة، فانتقل منها إلى عواصم أخرى مختلفة، فعمل في السفارات السوريّة في أنقرة ولندن (1952 - 1955) ومدريد (1955 - 1959) وبكين (1959 - 1961) وبيروت حتى استقال عام 1966، ليتفرغ للعمل الأدبي.عند استقالته انتقل إلى بيروت حيث أسس دار نشر خاصة تحت اسم (منشورات نزار قباني)، وبدأ أولاً بكتابة الشعر العمودي ثم انتقل إلى شعر التفعيلة، وساهم في تطوير الشعر العربي الحديث إلى حد كبير. تناولت كثير من قصائده قضية حرية المرأة، إذ تناولت دواوينه الأربعة الأولى قصائد رومانسية. تحول نحو الشعر السياسي بعد حرب 1967، وأصدر عدة قصائد لاذعة ضد الحكومات والأنظمة العربية عموماً وضد حكم البعث في سوريا ومنها (هوامش على دفاتر النكسة)، و(عنترة) و(يوميات سياف عربي).في عام 1982 قتلت زوجته بلقيس خلال تفجير السفارة العراقية في بيروت، فغادر نزار لبنان إلى باريس ثم جنيف وأخيراً في لندن حيث قضى الخمسة عشر عاماً الأخيرة من حياته، واستمر بنشر دواوينه وقصائده المثيرة للجدل خلال فترة التسعينات ومنها (متى يعلنون وفاة العرب؟) و(المهرلون).قال النقاد عن نزار أنه (مدرسة شعرية) و(حالة اجتماعية وظاهرة ثقافية) وأسماه حسين بن حمزة (رئيس جمهورية الشعر). كما لقبه أحد آباء القصيدة اليومية: إذ قرب الشعر من عامة الناس. الأديب المصري أحمد عبد المعطي حجازي وصف نزار بكونه “شاعر حقيقي له لغته الخاصة، إلى جانب كونه جريئًا في لغته واختيار موضوعاته، لكنه انتقد هذه الجرأة التي وصلت في المرحلة الأخيرة من قصائده (لما يشبه السباب). الشاعر علي منصور قال أن نزار قد حفر اسمه في الذاكرة الجماعيّة وأنه شكل حالة لدى الجمهور (حتى يمكن اعتباره عمر بن أبي ربيعة في العصر الحديث). وعن شعره السياسي قال حسين بن حمزة: ( أذاق العرب صنوفًا من التقريظ جامعاً بين جلد الذات وجلد الحكام، في طريقة ناجعة للتنفيس عن الغضب والألم).له أيضًا دور بارز في تحديث مواضيع الشعر العربي (إذ ترأس طقوس الندب السياسي واللقاء الأول مع المحرمات)، وكذلك لغته (إذ كان نزار مع الحداثة الشعرية، وكتب بلغة أقرب إلى الصحافة تصدم المتعود على المجازات الذهنية الكبرى. وقد ألقت حداثته بظلال كثيفة على كل من كتب الشعر، وذلك لكون قصائد نزار سريعة الانتشار).من ناحية ثانية، كانت قصيدته (خبز وحشيش وقمر) سبباً بجدال ضخم انتشر في دمشق ووصل حتى قبة البرلمان، نتيجة اعتراض بعض رجال الدين عليه ومطالبتهم بقتله، فما كان منه إلا أن أعاد نشرها خارج سوريا، وقبل ذلك عام 1946 كتب الشيخ رفاعة الطهطاوي في القاهرة عام 1946، مقالة جاء فيها: (كلامه مطبوع على صفة الشعر، لكنه يشمل على ما يكون بين الفاسق والقارح والبغي المتمرسة الوقحة) ، وقال أيضاً: (في الكتاب تجديد في بحور العروض، يختلط فيه البحر البسيط والبحر الأبيض المتوسط، وتجديد في وقاعد النحو لأن الناس ملوا رفع الفاعل ونصب المفعول). رغم ذلك فقد قررت محافظة دمشق تسمية الشارع الذي ولد فيه على اسمه، وقد قال نزار إثر قرار المحافظة:هذا الشارع الذي أهدته دمشق إلي، هو هدية العمر وهو أجمل بيت أمتلكه على تراب الجنّة. تذكروا أنني كنت يومًا ولدًا من أولاد هذا الشارع لعبت فوق حجارته وقطفت أزهاره، وبللت أصابعي بماء نوافيره.وكان لدمشق وبيروت حيز خاص في أشعاره لعل أبرزهما (القصيدة الدمشقية) و(يا ست الدنيا يا بيروت).توفي في 30 أبريل 1998 عن عمر يناهز 75 عاماً في لندن، ونقل جثمانه إلى دمشق حيث دفن بها بعد جنازة حاشدة شاركت بها مختلف أطياف المجتمع الدمشقي إلى جانب فنانين ومثقفين سوريين وعرب.