ينشد اليمنيون ويتوقون للوصول إلى بناء حياتهم في ظل دولة مدنية وديمقراطية حديثة تحفظ كرامتهم وتصون حقوقهم .. دولة يتساوى فيها الجميع: الشيخ مع المواطن اليمني البسيط، والغفير مع الوزير.. تلك الدولة التي أصبحت حلماً يراود كل اليمنيين الشرفاء من أبناء هذا الوطن.. وهو حلم ليس من الصعب تحقيقه، بل إنه قابل للتحقيق على الرغم من الصعوبات والتحديات الكثيرة التي تحول دون تحقيقه ! ولقد استبشر كل أبناء اليمن شمالاً وجنوباً خيراً بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني وهم لايزالون يعلقون عليه آمالهم بأن تفضي مخرجاته إلى تعزيز دور الدولة ومؤسساتها الوطنية وبناء الدولة المدنية الحديثة وترسيخ قيم العدالة والقانون والمساواة بين عامة الناس، فنحن اليمنيين ومع الأسف زرعنا اليأس بأنفسنا وبإمكانية قدرتنا على تجاوز تلك التحديات التي ترسخت سلبياتها لعقود من الزمن وتحولت القابلية لها وكأنها من المسلمات !!، في وقت كان لابد لنا أن نؤمن أن مشروع ( الدولة المدنية ) بكل ما تحمله من ( قيم ) سيجد بلاشك معارضة قوية من بعض القوى التقليدية ومن الشخصيات القبلية التي يمثل لها هذا المشروع الوطني والديمقراطي الكبير قضاء على مصالحها وتميزها بين الناس .. هذا التميز الذي جعلها فوق القانون ، ومن كان فوق القانون فلا يمكن أن يؤمن بالتعايش مع الآخر وليس بمقدوره أن يؤمن بالمواطنة المتساوية، أو أن يؤمن بالعدل والعدالة الاجتماعية .. أو حتى بالديمقراطية مهما تشدق بها وبشعاراتها وبالتالي فإنه يصبح كما وصفه القرآن الكريم: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام. وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد. وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ) .. ( صدق الله العظيم ).ومن هنا فإن الإيمان بحتمية التغيير وبناء اليمن الجديد يستوجب سعينا لبناء ( الدولة المدنية ).. وذلك ما يقتضي الإدراك بأن القوى المضادة والمناهضة لذلك المشروع الوطني والديمقراطي الكبير والتاريخي ستعمل ولاشك على تشويه هذا المسعى والهدف الوطني والديمقراطي النبيل، ولكن في ذات الوقت فإن الإصرار على الاستمرار والعمل الدؤوب نحو رسم ملامح البناء الجديد لليمن سيؤدي إلى أمرين: أولهما التراجع الحتمي لدور القوى التقليدية المناهضة للتغيير والبناء الجديد وقيام مشروع الدولة المدنية، وثانيهما تزايد وتعاظم وتكاتف دور قوى التغيير والحداثة والمدنية من الليبراليين - وهم الأكثر والأغلب - التي ترسم ملامح هذا البناء الجديد لليمن وللشعب اليمني على أسس الحرية والعدالة والمواطنة وسيادة القانون والنظام. إن الصراع القائم بالأمس واليوم بين الحداثة والتنوير من جهة وقوى الجمود والتسطيح الديني المعروفة بقوى الإسلام السياسي أو حركة جماعة الإخوان ( المتأسلمين ) من جهة أخرى ليس في اليمن بل في العديد من بلدان المنطقة العربية بدأت ملامح نهاياته تتجلى ، ولصالح قوى الحداثة والتنوير خصوصاً بعد السقوط المدوي لجماعة الإخوان في مصر وتراجع شعبية هذه الجماعة على مستوى واسع من البلد العربية بدليل أن ما أصبحنا نلمسه اليوم من التفاف سياسي وشعبي عريض هنا في بلادنا اليمن نحو بناء الدولة المدنية الحديثة وبالتزامن مع الإنجازات التي حققها مؤتمر الحوار الوطني الذي يغلب عليه ( أي المؤتمر ) الإطار الوطني والمصلحة العليا لليمن أرضاً وإنساناً، وهو ما يؤكد إمكانية نجاح مشروع بناء الدولة المدنية الحديثة ليس في مصر الشقيقة وحسب بل وفي العديد من بلدان المنطقة ومن بينها اليمن وذلك نحو بناء الدولة المدنية الحديثة والتي هي حلم كل اليمنيين. إن الإنجازات التي حققها مؤتمر الحوار الوطني لا يمكن نكرانها رغم الصعوبات والتحديات التي ما تزال ماثلة أمامنا وتواجه بعض فرق العمل فيه وخصوصاً فيما يتعلق بالقضية الجنوبية ومسألة بناء الدولة ، إلا أن معظم ما تحقق يمثل اللبنة الأساسية في جدار البنية الجديدة لليمن الجديد والتي سيكون لها أثرها في تشكيل بقية البناء مثل قواعد وأسس الدستور وجدران وسقوف الإجراءات الانتخابية وأنظمتها وأسس الانتخاب والترشيح التي ستنتج ولأول مرة شكلاً ديمقراطياً متيناً وتتجلى قوته ومتانته في اتكائه على المد الشعبي وبعيداً عن السيطرة (الفردية ) سواء كانت أسرية أو قبلية أو مناطقية أو سلالية مذهبية.وهذه البنيات التي تتلاحم فيما بينها اليوم ستكون سياجاً قوياً ومتيناً للفكر التعددي في اليمن ومانعاً حاسماً للفكر الأحادي الشمولي مهما كان، ذلك أن شعبنا اليمني اليوم قد شب عن الطوق وأصبح بمستطاعه التمييز بين الغث والسمين وبإمكانه اختيار من سيمثله ويمنحه صوته وهو الجدير بثقته والقادر على التعبير الصادق والأمين عن كل تطلعاته وآماله نحو بناء اليمن الجديد وبناء دولته المدنية الحديثة وتحسين نواحي حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعيشية .. وأني لعلى ثقة كبيرة بأن شعبنا لن توقفه المساهمة في بناء اليمن الجديد والدولة المدنية الحديثة أي قوى تقليدية أو ظلامية تريد العودة به إلى العصور الوسطى وعصور الظلام ولاتريد لليمن أن يرى طريقه إلى النور .
|
آراء
مشروع الدولة المدنية وتحدياته في اليمن !!
أخبار متعلقة