قصة قصيرة
حوراء البحرانيواقعي الذي أعيش نعمة من الله حباني بها، لكن هناك أموراً تداخلت في ذهني جعلتني أفقد قيمة هذه النعمة، كم كنت شاباً متمرداً أعترض على اهتمام عائلتي بي، وعلى سؤال أمي المتكرر وقت غيابي كنت أرى كل ذلك مجموعة من القيود.فقررت السفر ..لا لعمل أو لدراسة أو لعلاج وليس حتى لسياحة، بل لأشعر بقيمة هذه العائلة ....هاجرت بكياني إلى دولة لا نشترك معها بشيء، إلى دولة فيها برودة المشاعر، وتشتت العائلة، دولة لا محل لذكر الله إلا في قلوب القلة من المهاجرين أمثالي...أصل إلى هذه الأرض وأنا أحاول طرد بقايا الذكريات من صدري وتفكيري، كنت أريد من الحياة أن تعلمني درساً لا أنساه مدى حياتي .كنت أقف تحت الثلج الأبيض أرى بياض المكان أتذكر قلوب عائلتي، فأطرد الصور التي هاجمت عيني لأعوضها بصور الطبيعة الخلابة التي تأسر القلوب وترخي الأعصاب .أجلس على مائدة الطعام أرى أرواح أسرتي تشاركني وجباتي الثلاث،كان المنزل موحشاً ميتاً لا يوجد به إلا صدى خطواتي التي بدأت تختفي مع مرور الأيام ، ففكرة أن تعيش وحيد في منزل لا يشاركك إلا صوت أنفاسك يجعلك تزحف لا أن تسير وحسب.أسمع رنين الهاتف يخيل لي أن والدتي تسأل عن أحوالي ، اشتقت إلى صوتها إلى سؤالها إلى الحنان المتدفق وهي تهتف “بني تأخر الوقت أين أنت يا صغيري”.فأغضب وأثور لست صغيراً أني رجل خط شاربي على ملامحي . لكن ...كيف لها أن تسأل عن أحوالي وأنا حتى لم أتواصل مع أحدهم .. لا أحد يعلم أين أرضي ومستقري.انهارت قواي.... تساقطت دموعي بصمت .....وكأنها حبات لؤلؤ تملأ الكوب الفارغ الذي أمامي..مللت الجلوس ويخنقني الجلوس بالمنزل ويشتتني الخروج .أخطو خطوات ثقيلة على الطريق ، أشعر بعيون تراقبني ، ليس في هذه الديار أمان ، أفتقد حتى هذا الشيء ...إلهي كم كنت في نعمة في وطني وبوسط عائلتي.أين أنت يا أمان وطني ؟؟ أين طريقك الدافئ ؟؟ أين العيون التي تحرسنا بدل أن تراقبنا؟؟هكذا البعد عن الوطن والعائلة غربة مرة لا يشاطرك مرارتها أحد، ولا يأتيك بحلاوتها شيء. أرفع عيني إلى السماء تتعالى شهقاتي إلى الذي يرأف بأحوال العباد، أكملت طريقي إلى المجهول لا هدف ولا غاية تجعلني استمر بالبعد عن حجر والدتي ..هل هكذا يكون السفر ؟؟ما الذي جنيته وأنا هارب من حجر يحتويني ومن يد تمدني بالحنان والطاقة،اتجهت من فوري إلى المطار، احتضنت حقيبتي بيدي أشد على جواز سفري ..فيشرق يومي بالأمل وتلوح من بعيد صورة عائلتي، أجري نحو العودة لوطني فعلا لن تجد أحن عليك من وطنك، بعدي عن وطني أشبه بيد تسد أنفاسي، شكرا يا دنيا على هذا الدرس القاسي الذي لن أنساه مدى حياتي.. عند بوابة المطار وبينما أنا غارق في موجة أفكاري ... وعند اقتراب خطواتي من البوابة وقبل أن أهم بالدخول تفجر المطار وانهار المبنى العالي !!اغرورقت عيناي بالدموع صرخت صرخة سمعت صداها في أعماق نفسي انقلب المنظر إلى هلع ورعب رأيت برك الدم .. وألسنة النيران ودموع الموجودين. لم تكن برك الدم سوى دموعي وألسنة النيران لم تكن إلا صوري وأحلامي وأما الدموع فهي مشفقة لحالي،أدرت ظهري لهذا الدمار الذي لا يعادل عشر دمار قلبي وبدأت أخطو وأخطو إلى حيث يجب أن أكون ..قررت العودة سيرا على الأقدام إلى وطني وحجر عائلتي لأعرف قيمتها ولا أفكر بهجرانها.