الفنانة التشكيلية إلهام العرشي
د. زينب حزام :قليلة هي تلك المعارض التي يتحول مرتادوها إلى جزء منها، إلى أبطال للوحاتها، يخرجون ويدخلون، يقفزون خارج إطاراتها ليستريحوا قليلاً ويتنزهوا، ثم يعودون ليكملوا التكوين ثانية، وأحياناً يحدث شيء آخر حينما ينظر المارة من الشارع أو الميدان، أو أي مكان خارج جدران صالة العرض- إلى المعرض برواده باعتباره لوحة فنية غاية في الدقة والجمال والهارمونية. فلماذا يحدث ذلك؟ هل هو الخيال الجامع أم هو الخوف والتوق إلى الراحة: راحة الضمير والروح قبل كل شيء؟!. كان من الممكن أن تمر معظم المعارض الفنية التي أقامتها الفنانة إلهام العرشي دون أعلام لجذب المشاهدين لها، ولكن الحقيقة أن كل معرض فني يحتاج إلى دعاية إعلامية ليس لجذب المشاهدين لرؤية المعرض، بقدر ما يؤديه الإعلام في رفع مستوى التذوق الفني للوحات الفنية. لقد قدمت الفنانة التشكيلية الهام العرشي، وهي محاضرة في معهد الفنون الجميلة بعدن، عدداً من المعارض الفنية في داخل الوطن وخارجه، رغم صعوبة الحياة في هذه المرحلة التي تمر بها بلادنا والوطن العربي من أزمات سياسية خطيرة، وأزمات اقتصادية، حيث أصبح من الصعب جداً تقديم الأعمال الفنية والثقافية دون التطرق إلى المرحلة الخطيرة التي نمر بها، وقد أصبح الفنان اليوم يركض وراء ( الخبز اليومي ) الذي أصبح العثور عليه أمراً غاية في الصعوبة، لكن أن تعرض الفنانة التشكيلية إلهام العرشي منه لوحة فنية في معرضها الأخير - فهذا أمر يلفت النظر، في قدرة هذه الفنانة التشكيلية على تقديم كل جديد ومفيد رغم صعوبة الظروف التي تمر بها. فمعنى هذا أن المعرض الأخير لهذه الفنانة التشكيلية يتضمن نشاطها الفني لمرحلة عملها في مجال الفن التشكيلي في إطار ما يسمى بالمدرسة التعبيرية الانفعالية، ولعل إسهامات هذه الفنانة في ذلك الاتجاه قد تميزت.. بالأصالة وحداثة الأفكار والديناميكية العالية والتعبير الدافئ عن الأحاسيس والانفعالات، كل ذلك جعل منها أحد أهم الفنانين التشكيليين في بلادنا، فهي تتميز بفرشاة تجرف الحدود بين التشكيل والألوان، وبين الشعر والامتلاء العاطفي والجمال القائم على الطاقة الهائلة للخير، ومن الصعب جداً تجسيد قيمة الخير في عمل فني تشكيلي، ولكنه على نحو ما يبرز بشدة وانفعال في لوحات إلهام العرشي. المدهش أن العديد من اللوحات جاء دون تحديد التسميات، فبعضها دون أسماء أصلاً، والبعض الآخر غير مكتمل التسمية، ويبدو أن الفنانة تعمدت إضافة عنصر جديد إلى أعمالها الفنية، عنصر يتضمن الخيال ويمنح المشاهد حرية الرأي ويمنح كل لوحة أبعاداً احتمالية أو ممكنة وحدوداً لا متناهية من التأثير، ومع ذلك، فاللوحات في جانب كبير منها عبرت بوضوح عن العالم الروحي للفنانة وتماسها مع حالتها النفسية وأحاسيسها الخاصة وقلقها وتوتراتها. وفي معرضها الأخير، برزت قدرة الفنانة العالية جداً في التعامل مع فرشاتها، وتجلى ذلك في التكوينات الفنية الحرة، وإذا كانت الفنانة التشكيلية إلهام العرشي مهمومة جداً بحالة الوطن العربي وبلادنا بما تمر به الأمة العربية من فتنة سياسية ودينية ، فهذا ناجم عن إحساسها وحبها الشديد للقومية العربية وحبها للوطن لهذا جاءت أعمالها في معرضها الشخصي الذي قدمته عدن ترجمة لهذه الأحداث السياسية والاقتصادية، إضافة إلى لوحات تحمل تأملاً في الطبيعة الحية واللوحات الفنية، في آن واحد. تتعامل الفنانة التشكيلية إلهام العرشي مع الألوان بثقة عالية وإحساس بالمسؤولية انطلاقاً من مفهومها الراسخ بأن الألوان هي الوسيلة الأساسية للتعبير عن الرؤية الفنية. وإذا كانت حيوية الألوان واندفاعاتها قد جعلت لوحات الفنانة غريبة بعض الشيء وغير مألوفة، فهي في الوقت ذاته منحتها امتلاء انفعالياً هائلاً، وهارمونية جمالية تجسد نبض الحالة الروحية والنفسية للفنانة. الفنانة التشكيلية إلهام العرشي تطرح رؤيتها للطبيعة والخير والجمال ضد كل ما يحدث، أو يمكن أن يحدث في وطنها والوطن العربي الذي يعيش اليوم صراعات دامية ومؤلمة، وهي وعبر لوحاتها الفنية تعبر عن إحساسها والمها ، كما تعبر عن القيم الإنسانية العامة، وتجسد بواقعية رفيعة جسور قيم العمل والحب والخير والعطاء والتضامن، فالفنان في بلادنا يحاول اليوم أن يقف ضد الانهيار الروحي والأخلاقي رافعاً راية التعبيرية ضد كل ما يجري أمامه ومن حوله في الوقت الحاضر. والفنانة التشكيلية إلهام العرشي كانت ومازالت تأخذ لوحاتها من خلال ترددها على الأحياء الشعبية والمواقع الأثرية والاحتفالات الدينية الضخمة والشعبية التي يشارك فيها الشعب بكل طبقاته، وخاصة الاحتفالات بمناسبة عيد الفطر المبارك وعيد الأضحى حيث تقام الملاهي الشعبية التي تقدم أنواعاً من الفنون ومن هذه الاحتفالات قدمت الفنانة التشكيلية إلهام العرشي أجمل لوحاتها الفنية.