ينقسم مستقبل الإخوان إلى قسمين؛ قسم الدعوة، وقسم ممارسة ما يسمى بالإسلام السياسي. قسم الدعوة يحتاج إلى الوضوح الكامل بعيداً عن السرية القاتلة التي عانت منها الجماعة وعانى منها الوطن كثيراً، وكان من المفروض أن تخرج الجماعة من هذه السرية تماماً بعد ثورة 25 يناير 2011. كانت هذه هى الفرصة الكاملة، والنعمة التي أنعم الله تعالى بها على الشعب المصري بأن يخرج من تبعات الدولة العميقة. فبفضل الثورة حصلت الأحزاب التي كانت محظورة على الترخيص اللازم لممارسة العمل السياسي الحزبي، وحصل كل من أراد أن يعمل في السياسة على الرخصة اللازمة. ورأينا حزب الوسط الذي عانى أكثر من 15 سنة -كما قال لي المهندس أبوالعلا ماضي من قبل-وهو يحاول الحصول على رخصة أيام حكم مبارك ولم يستطع، رأيناه يحصل على تلك الرخصة بعد أسبوعين من الثورة فقط، وبحكم قضائي من القضاء الذي رفضه من قبل.الدنيا تغيرت وكان على الجميع أن يدرك ذلك، ويساعد في عملية التغيير والانتقال السلمي في المجتمع، واستمرار الثورة، والبدء في إصلاح الدولة وتنمية الوطن. نفس الشيء بالنسبة لحزب الحرية والعدالة الذي وثق فيه المجتمع، وتمنى كثير من المواطنين أن يروا في مصر مسيرة جديدة إلى الحكم الرشيد، ولو خطوة واحدة كل يوم، ولم يحدث ما تمناه الشعب ولا ما وعد به مرسي.صحيح كان هناك معارضة من اليوم الأول لمسيرة الحزب في الانتخابات، ممثلة فيمن وقفوا وراء الفريق أحمد شفيق، أو من صدمهم أداء الإخوان في الدعوة وفى الحزب وفي الرئاسة فيما بعد، حتى أصبح من المستحيل أن يسير أحد قادة الإخوان أو قادة حزب الحرية والعدالة وهم في السلطة في الشارع، أو أن يقوم بالدعوة على مقهى من المقاهي.يقول الإمام البنا في أول رسالة: دعوتنا، التي نشرتها مجلة الإخوان المسلمين (العدد الثاني) في 23 أبريل 1935: «يجب أن نصارح الناس بغايتنا، وأن نجلي أمامهم منهاجنا، وأن نوجه إليهم دعوتنا، في غير لبس ولا غموض أضوأ من الشمس، وأوضح من فلق الصبح، وأبين من غرة النهار»، هكذا يقول الإمام البنا عن الدعوة، لا سرية فيها ولا عنف، مجالها الناس كل الناس دون سيطرة أو إكراه. لو أدرك الإخوان هذا المعنى وفهموا أنها أضوأ من الشمس، وأوضح من فلق الصبح، وأبين من غرة النهار، لنبذوا السرية بالكامل وانخرطوا في المجتمع المصري بكل حب وتقدير، بعيداً عن الاستعلاء الذي تحلى به بعض القادة أحياناً، وبعيداً عن سياج العزلة الذي وضعوه حولهم، وهو بكل تأكيد ضد نجاح الدعوة.«أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ».. هكذ يقول القرآن الكريم. لا إكراه في الدين ولا في السياسة طبعاً، فما بالكم لو أن الناس وبينهم المسلمون وجدوا من يكفّرهم، ويعلن سحقهم، ويدعو عليهم وعلى أولادهم، ويدعو إلى التحيز والشقاق والتحزب والطائفية والتناحر والتضاغن والتراشق بالسباب والتهم، ويكيد بعضهم لبعض، فهذا ما أسماه الإمام البنا في رسالة «دعوتنا»: «فتلك وطنية زائفة لا خير فيها لدعاتها ولا للناس».هذا بالنسبة للدعوة الإسلامية، إن أرادت قيادة الدعوة والإصلاح، ووضعت مصلحة الوطن نصب أعينها وليس السلطة، وسعت إلى استرضاء الشعب المصري مرة أخرى، والاعتذار إليه عما بدر من أفعال وكلمات وعنف لا يرضاه الله ولا رسوله ولا المؤمنون، ولعل الشعب المصري يقبل ذلك الاعتذار، ويفسح المجال مرة أخرى لمن لم يجرم من الإسلاميين في حق هذا الشعب والوطن. الكلمة شديدة، ولكن ما قاله عاصم عبدالماجد وصفوت حجازي والبلتاجي وغيرهم، لا يعني غير الإجرام.أما اختيار الدكتور محمود عزت، حسب اللائحة ليكون مرشداً عاماً أو قائماً بأعمال المرشد العام في غيابه بعد القبض عليه وفقاً للائحة، فإنه استمرار لنفس النهج الذي سارت به وعليه الدعوة في السنوات الأخيرة تحت سيطرة وتكتل ما يسمى بالقطبيين، ولا خير في هذا النهج للدعوة ولا الوطن ولا للأمة. والإخوان من شعاراتهم «نحمل الخير لمصر»، ويجب أن يتحقق ذلك في القيادة التى تؤمن بالعلنية والسلمية ونبذ العنف حقاً.أما القسم الثاني فهو الإسلام السياسي، الذي يواجه تحديات عديدة بعد فشل التجربة التي قادها الإخوان لمدة سنة وثلاثة أيام في السلطة، حيث عجزوا عن توحيد الوطن أو الاستفادة من خبرات خبرائه من غير الإخوان، ودون تركيز فقط على أهل الثقة.الإسلام السياسي في مصر خسر تأييد قطاع عريض من الشعب المصري، وحمل على كتفيه من التحديات ما تنوء به الجبال، ومن الضروري أن يقبل الإسلاميون اليوم الهزيمة التي تعرضوا لها، فالعمل السياسي تنافس وليس صراعاً، مثل الذي شاهدناه مؤخراً. وأرى ترك الصراع على السلطة جانباً لسنوات عشر على الأقل، حتى تعود المياه إلى مجاريها كما يقول المثل.[c1]* المتحدث الرسمي السابق باسم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في لندن وأحد القادة المستقيلين من الجماعة بعد الاعلان الدستوري لانقلاب الرئيس المعزول في نوفمبر 2012.[/c]
|
آراء
مستقبل الإخوان
أخبار متعلقة