أبناء الجنوب في مؤتمر الحوار..
ما بين التكفير والتخوين يقف الجنوب والجنوبيون في حيرة من أمرهم فعلماء الدين السياسي في الشمال آليتهم التكفيرية مستمرة لإنتاج كل جديد من الصيغ والعبارات التكفيرية لإقلاق الوضع وإثارة الفتن وإشعال الحرائق، وفي الجنوب هناك أفق ضيق لدى البعض الذي يحرض على تخوين الجنوبيين وبالتحديد أولئك الذين ذهبوا إلى صنعاء للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل وهو القرار الصائب لهؤلاء لأنهم استطاعوا كسر حاجز الخوف والصمت بعرض القضية الجنوبية وتعريف الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي بالقضايا والهموم والآلام والأوجاع التي يئن تحت وطأتها الجنوب وأبناؤه والممارسات والسلوك السيئ الذي يمارس ضدهم من إقصاء وتهميش وتعسف وظلم واضطهاد وانتهاك للحقوق وامتهان للكرامات.. كل ذلك تمكن أبناء الجنوب المشاركون في مؤتمر الحوار الوطني الشامل من التعريف به وتوصيل رسالتهم إلى كل المحافل والمنظمات والهيئات الدولية لحقوق الإنسان ومجلس الأمن والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي رعاة المبادرة والحل بعد أن كانت صرخات المليونيات محصورة في ساحات الجنوب وصداها يتردد في نفس الساحات ولم يتجاوز أي مسافات بحكم التعتيم الإعلامي المفروض، والحقيقة أن الإعلام عموما لم يتفاعل مع القضية الجنوبية ولايزال محصورا إعلاميا بقناة (عدن لايف) الفضائية المهتم بها أصحاب القضية في الجنوب.لهذا فإن الجنوبيين المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني الشامل كانوا الرسل الذين تمكنوا بكل قوة وثبات من وضع القضية الجنوبية كقضية وطنية عادلة بالغة الأهمية وأصبحت قضية الحوار الأولى بامتياز لأنها قضية شعب ووطن يعاني الكثير من الويلات والعذاب من قوى الفساد ونفوذ القوة العسكرية والقبلية والإسلام السياسي، وعرض أبناء الجنوب في مؤتمر الحوار قضيتهم بصوت عال وبقوة وفرضوا أهمية الاستماع والتفاعل والتعاطف مع جملة الهموم والمشاكل التي فرضت على الجنوب والجنوبيين منذ حرب 1994م وهم الذين ذهبوا للوحدة بكل حب وإخلاص ووفاء لقضية وحدة شعب ووطن وعكسوا على أرض الواقع الكثير من الحقائق التاريخية والثقافية لهوية الشعب والوطن في الجنوب الذي تعامل وقبل بالآخر منذ زمن طويل وناضل من أجل التأكيد على وحدة الأرض والإنسان في يمن الإيمان والحكمة منذ الاحتلال البريطاني للجزء الجنوبي من الوطن الذي حاول ان يخلق التفرقة بين أبناء الوطن اليمني الواحد في السلوك والمعاملة، لكن الوطنيين الأحرار من رواد الحركة الوطنية اليمنية تصدوا بكل بسالة لإسقاط هذا المشروع الاستعماري البريطاني انتصارا للقضية الوطنية اليمنية وفرضوا أمرا واقعا يؤكد على أن أبناء الوطن من شماله أو جنوبه كلهم يمنيون ولهم نفس الحقوق والواجبات.في الجنوب كان العيش المشترك والسلمي بين أبناء الوطن الواحد ولا فرق بين الناس ويسود فيما بينهم الحب والود والوئام، وكانت عدن على وجه الخصوص رمزا للحضارة والثقافة والحياة المدنية وقد احتضنت الحضارات والأديان والثقافات المختلفة. لقد كانت عدن القاسم المشترك في مجمل القضايا والاختلاف والخلاف في الآراء والتباينات السياسية والفكرية.. عدن آفاق رحبة واسعة منفتحة للجميع لا تعرف التكفير ولا التخوين.إن أبناء الجنوب المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني الشامل ليسوا كفارا ولا خونة إنهم قوى وشخصيات وطنية حرة كان لها شرف المشاركة الفاعلة والايجابية للانتصار للقضية الجنوبية على وجه الخصوص وبقية القضايا الوطنية اليمنية وقدموا وأوصلوا قضايا الجنوب إلى قاعة المؤتمر وأثاروا جدلا واسعا حولها باعتبارها القضية المركزية والأساسية في إطار قضايا الحوار وقد تابعتهم كل الوسائل الإعلامية المحلية والدولية وتمكن هؤلاء الجنوبيون من إيصال الرسالة إلى كل بقاع العالم في الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة ولأول مرة يستمع مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة لمن يقول حقيقة الوضع في الجنوب بالقول: «إن أبناء الجنوب يئسوا وهناك الكثير من المعاناة في الجنوب... الخ» قالها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الأخ جمال بن عمر وأصبحت هموم ومشاكل الجنوب على المحك وعلى طاولة الحوار ومجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي وهذا بحد ذاته انجاز للقضية الجنوبية يحسب لأبناء الجنوب وأعضاء المؤتمر في الصفوف الأولى يتحدثون ويعبرون عن القضية. قد يختلف البعض مع هذا أو ذاك والخلاف وارد ولا يفسد للود قضية، لكن ينبغي أن لا نبخس الناس أشياءهم ونقول إن هؤلاء أوصلوا الرسالة وفرضوا أمرا واقعا جديدا ومتغيرا حيث لم يكن مقبولا من سابق أن يكون الحديث عن قضية الجنوب في قلب العاصمة صنعاء في قاعة مؤتمر الحوار الوطني الشامل وكانت المفاجأة رفع علم دولة الجنوب «سابقا» وهو نوع من التعبير، والحقيقة التي ينبغي أن نقولها هي: كفاهم تكفيرا ولا داعي لتخوين المشاركين لأنهم شاركوا بفاعلية إيجابية وحركوا المياه الراكدة واثبتوا أن قلوبهم وعقولهم ومشاعرهم وأحاسيسهم مع هموم ومشاكل وقضايا الأرض والإنسان في جنوب الوطن.والله من وراء القصد.