معيار السماح والمنع من الصيام
لقاء/ زكي الذبحاني:البعض يتوجس خيفة من مرض السكر لشيوعه في زماننا هذا، وبالمقابل ينقصنا الكثير لنعلم حقيقة هذا المرض. فما حقيقة مرض السكر؟ وما أسبابه؟ وما الذي يتعين على المرضى المصابين إتباعه من إرشادات لتلافي المخاطر والاعتلالات؟ وما النظام الغذائي الأنسب لهم والأسس والاعتبارات الغذائية الواجب التزامهم بها في الشهر الكريم؟ الدكتور/ يحيى العزي - استشاري الباطنية والغدد الصم، يجيب بدوره على كل هذه التساؤلات مورداً الكثير من الحقائق المتعلقة بمرض السكر وما يتعين لتلافي مشكلاته وتداعياته في شهر رمضان، وذلك في اللقاء الذي جمعنا به في السياق التالي:* في إطار التصنيف لحالات السكر، سواء النوع المعتمد على الحمية والحبوب المنظمة لسكر الدم أو النوع المعتمد على حقن الأنسولين.. فكيف تتحدد إمكانية الصيام من عدمه لهذه الحالات عموماً ؟ وماذا يلزم على المريض عمله في حال أن شعر بحالة هبوط مستوى سكر الدم؟** إذا ما أتينا إلى ذكر الصيام وتقرير متى يسمح أو لا يسمح لمرضى السكر- على عامتهم- بالصيام، فإنه لا بد - قبل كل شيء - من ملاحظة المريض الذي يرى أن بمقدوره الصيام في اليوم الأول من رمضان مع قياس مستوى السكر لديه عدة مرات، حيث من الضروري عمله لهذا الفحص ليحافظ على ثبات نسبة السكر بالدم ضمن المستوى الطبيعي، من(120-70) لكل سم مكعب، فإذا ما ظهرت عليه - لا سمح الله- أعراض هبوط السكر (جوع شديد - رعشة في اليدين والجسم- رجفة في القلب - وهن وضعف - تعرق)، عندها يتم إجباره على الإفطار بإعطائه نصف ملعقة من السكر المذاب في كوب ماء أو أية مادة تحتوي على السكر، ومن ثم عرضه على الطبيب. وعلى العموم، لا توجد قاعدة واحدة يتقرر بموجبها صيام مرضى السكر على اختلاف تصنيف مرضهم وظروف حالاتهم المرضية، باستثناء حالات معينة يُمنع معها الصوم، مثل: - مرضى النوع الأول لمرض السكر المعتمدين على الأنسولين.- الذي لا يتمكن من تنظيم السكر لديه.- من يحتاج إلى أكثر من(40 وحدة)من الأنسولين في اليوم.- من تم تشخيص مرضه قرب رمضان ولم يعرف بعد جرعة الدواء المناسبة له.- الحوامل المصابات بهذا المرض.- مريض السكر الذي لديه مرض آخر، كمرض القلب وانسداد الشريان.ولمزيدٍ من التوضيح فإن داء السكر على نوعين، على أساسهما يتعين تقرير صوم مرضاه أو منعهم منه مع الأخذ بمقتضى الظروف والمتغيرات وخصوصية كل حالة:- القسم أو النوع الأول (المرضى المعتمدون على حقن الأنسولين) :هذا النوع يظهر - عادة ً- في سن مبكرة (الطفولة -الشباب )، وأعراضه -غالباً - ما تظهر بشكل فجائي، وتتميز بعدم وجود إفراز للأنسولين من البنكرياس. وبذا فإن هذا النوع يتطلب حقن المريض (بالأنسولين) واتباعه لنمط مناسب في التغذية..من المهم الأخذ بمعيار عدد الوحدات اليومية من حقنة الأنسولين. فالمريض الذي يحتاج إلى أكثر من (40 وحدة) عليه أن يُفطر؛ كذلك المعتمد يومياً على تعدد جرعات الأنسولين لا يجب أن يصوم . وعلى هذا الأساس لا أنصح بصيام مرضى السكر من النوع الأول، تلافياً للأضرار .إلى جانب ذلك يتعين عليه وعلى من يتولى شؤون رعايته الإلمام بعلامات ومضاعفات المرض بمظاهرها المختلفة. فالنقص الشديد والحاد لسكر الدم - مثلاً- أكثر ما يلاحظ لدى مستخدمي الأنسولين للعلاج، إما نتيجة الحصول على جرعة زائدة من الأنسولين أو أخذ الجرعة دون تناول طعام، أو نتيجة ممارسة مجهود بدني شاق يستنزف طاقة الجسم.ومن هنا يُنصح مريض السكر لاسيما المعتمد على(الأنسولين) بحمل بعض السكريات معه دائماً تلافياً لحالة هبوط السكر.- القسم الثاني (المرضى المعتمدين على الحمية أو الحبوب):أي لا يعتمد علاجه على حقن(الأنسولين)وإنما على حبوب تنظيم مستوى سكر الدم ، ويشيع حدوث هذا النوع بعد سن الأربعين من العمر، ولعل أبرزهم من يعانون السمنة، وهم يشكلون الأكثرية من دون شك. وهؤلاء يمكنهم الصيام ويجدون فيه منفعة لهم، مع مراعاة الالتزام بالحمية، حيث يندرج المعتمدون على تناول حبة أو حبتين من حبات الدواء المنظم للبنكرياس لإفراز الأنسولين تحت هذا التصنيف، ولا مانع من أن يؤدوا فريضة الصيام ، شريطة ألا يكون الإفطار دفعةً واحدة، وأن تتوزع كمية الغذاء الذي يتناولونه على وجبتي الفطور والسحور بالتساوي، وذلك لأن الأكل دفعة واحدة بعد فترة صيامٍ وانقطاعٍ طويل عن الأكل والشرب يعمل على رفع سكر الدم كثيراً وله مردود سيئ جداً على الصحة. وأؤكد وأشدد على ضرورة التزام مريض السكر المسموح له بالصيام بتأخير وجبة السحور إلى ما قبل الفجر، والإقلال من النشاط الجسماني في فترة ما بعد الظهر لتجنب الانخفاض الحاد لنسبة السكر في الدم، مع الإكثار من شرب الماء خلال الليل لتجنب الجفاف.ويكون تناول الحبة أو القرص الأول بالنسبة لهؤلاء عند أذان المغرب، قبل الإفطار مباشرة.وأحب أن أنبه إلى أن هناك نوعاً معيناً من خافضات السكر تناسب هؤلاء المرضى المعتمدين على الحبوب، وما عليهم إلا مراجعة الطبيب المختص لوصفها ولتحديد معيار الاستخدام . ارتفاع مستوى السكر* كيف للمريض بالسكر أن يعرف حالة الارتفاع في مستوى سكر الدم؟ وما الذي يتعين عليه لمواجهة هذه المشكلة ؟ ** الأمر ليس بالمعقد، فأغلب المظاهر شيوعاً الناتجة عن ارتفاع مستوى السكر في الدم والتي تبدو على المريض تتمثل في(العطش الشديد - كثرة إدرار البول - ألم وتنمل بالأطراف- التعب الشديد- جفاف الفم - تكرر حصول الالتهابات الجرثومية وخاصة ًالجلدية والتناسلية- تأخر التئام الجروح).وبالتالي، إذا كان مريض السكر ممن لا تشمله تلك المجموعة التي ذكرتها- أي قادر على الصيام- لزم عليه التقيد بوصايا طبيبه في المحافظة على كمية ونوعية الغذاء الذي يصفه له وتجنب كل ما من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع أو هبوط مستوى السكر في الدم. ولا شك إن إهمال مريض السكر للعلاج الذي يقرره الطبيب وتناول كل ما تقع عليه يديه من طعام لا يشعره بالراحة على الإطلاق، وإنما سيعاني من مشاكل واضطرابات صحية منهكة تتسبب على المدى الطويل- نتيجة الارتفاع المستمر في مستوى السكر بالدم- بمضاعفات خطيرة؛ مثل أمراض القلب المختلفة والتهاب الأعصاب الطرفية وتليفها، والإصابة بمشاكل كلوية وبصرية كبيرة قد تنتهي-لا سمح الله- بالفشل الكلوي أو اعتلال الشبكية المفضي إلى العمى.نمط التغذية* ما الشروط والاعتبارات الواجب توافرها في التغذية اللازمة لمرضى السكر لاسيما في الشهر الفضيل بما يكفل التعايش مع هذا المرض بمنأى عن أي مشكلة ؟**لابد أولاً من تحديد قائمة الأغذية المسموح لمرضى السكر تناولها في شهر رمضان المبارك من قبل الطبيب المختص أو اختصاصي التغذية؛ ويُراعى فيها مقدار ما على المريض تناوله من أغذية الطاقة (السكريات- النشويات- الكربوهيدرات)؛ بالقدر الذي لا تزيد معه نسبة السكر بالدم، وبما يحد - أيضاً- من انخفاضه في الجسم؛ بالاستناد إلى عوامل عدة، منها(العمر- الوزن - الحالة الصحية العامة للمريض- النشاط البدني). وهناك أشكال متعددة للحمية الغذائية تناسب كل حالة، ويمكن لمريض السكر إتباعها، ليس من تلقاء نفسه لمجرد قراءتها في مجلة أو في كتاب وإنما بعد استشارة طبيب مختص .وبشكلٍ عام هناك سكريات ذات تركيز عالٍ سريعة الامتصاص، كالسكر والعنب والمربيات وغيرها، وصنوف أطعمة وحلويات يضاف إليها مادة السكر، وعلى مريض السكر تجنبها.وأعود لأؤكد أنه عند شعور المريض بالسكر أثناء الصيام بأعراض انخفاض السكر في الدم، يجب عليه أن يسارع على الفور إلى تناول سكر مُذاب في كوب ماء بمقدار نصف ملعقة، أو أي مادة مُحلاة بالسكر.إن الاندفاع دون روية والتهافت على الطعام والإكثار منه قد يعمل على رفع السكر في الدم لدى المرضى وله أثر سيئ جداً على صحتهم. وعند الإفطار لا يسمح لمريض السكر الصائم بتناول التمر،إلا إذا كانت تمرة واحدة فقط للفطور، وله ما شاء تناوله من أصناف الخضراوات دون تحفظ باستثناء البطاط يتم تناولها بقدرٍ محدد. بينما الحبوب، مثل(الرز الأسمر- البر الأحمر - الشعير - الدخن- الغرب)، فيجب أن تكون بقشورها.ويراعى في الفواكه أن تكون بمقدار محدد يقره الطبيب بحسب مستوى السكر لدى المريض.أما اللحوم، فإما أن تكون مسلوقة أو مشوية على النار، ويفضل منها الأسماك بالدرجة الأولى، ما عدا الجمبري ؛ ويُختار من لحم الدجاج صدرها .ولابد أن تكون لحوم الأبقار والأغنام والماعز من الأنواع صغيرة السن ومن أجزاء الأطراف فقط (الأرجل).أما المقليات فهي بجميع أنواعها ممنوعة. والعسل يندرج تحت قائمة الطعام المحظور على مريض السكر تناوله. أيضاً الدهون الحيوانية ممنوعة ؛ وتعد الزيوت النباتية بديلاً مناسباً عنها، مثل زيت الزيتون، زيت السمسم وزيت الذرة..