الأمانة هي الصفة التي تدعو صاحبها إلى حفظ ما يؤتمن عليه من شيء مادي أو معنوي في السر والعلن، وقد نطلق كلمة الأمانة على الشيء المحفوظ أو المصان لدى الأمين.وقد دعا الإسلام إلى التجمل بخلق الأمانة في كل ميدان من ميادين الحياة، قال تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) «النساء 58».وقال: (فليؤد الذي أؤتمن أمانته) «البقرة 283».وفي الحديث الشريف: (لا إيمان لمن لا أمانة له)، ولقد علم النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) اتباعه أن يقول الواحد منهم لأخيه إذا سافر: (أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك).بما يعني أن تعاليم الإسلام وعباداته تهدف إلى إيجاد خلق الأمانة في نفس المؤمن، ويعتبر الصوم من أقوى العبادات في تربية خلق الأمانة، إذا أقبل المؤمن على أدائه بصدق وإخلاص ومراقبة، لأن العبادات الأخرى كالصلاة والزكاة والحج، قد تبدو فيها بعض مظاهر التباهي، أو يصاحبها نوع من المراءاة والتظاهر، أما الصوم فلا يوجد فيه شيء من الرياء والنفاق إذا ما أدي على النحو المطلوب، فالصوم في حقيقته سر بين الإنسان وربه، فإذا ما أدي بصورته المكتملة يصبح سراً بين الصائم وربه لا يطلع عليه سوى الله، وهو وحده الذي يجزيه عليه، وهذا ما يؤكده الحديث القدسي الذي يقول: (كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به، يترك طعامه وشهوته من أجلي).فالصوم في حقيقته عبادة باطنية مستورة، إذ ينوي الإنسان الصوم بينه وبين ربه، والنية محلها القلب، الذي لا يطلع على حقائقه ودقائقه إلا الله سبحانه وتعالى، فالإنسان المؤمن يمضي نهاره صائماً، ومن حوله المفطرات، وليس عليه من رقيب ولا حسيب سوى الله المطلع على خفاياه وأسراره، (انه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) «الملك 114».والصوم يعود الإنسان على المراقبة الذاتية للنفس، فيمنع نفسه بنفسه عما يفسد صومه، فيحيا ضميره، ويخاف ربه.والصوم في حقيقته قانون إلهي ينظم البطن والشهوات، ويحكمها من الداخل لا من الخارج، وسلطانه ينبع من أعماق النفس وأغوار الفؤاد، لذلك هو سر مكتوم بين الخالق والمخلوق، فيه باطنية مستورة، ويتم في داخل الإنسان لا يعلم سره إلا الله، فهو لذلك يعلم الإنسان الحصانة الذاتية، وممارسة خلق الأمانة عملياً، فهي تنبع من أعماقه، فتجعل صاحبها يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه غيره، ويحكمها من الداخل قبل ان تحكم من الخارج، وهنا يكون الصوم وقاية للإنسان يقيه مما لا ينبغي فعله، ويبعده عما لا يليق القيام به. وهو ما أشار إليه الحديث الشريف بقوله: (الصوم جنة) أي وقاية وحصانة، ذلك ان الإنسان قد تدعوه بعض عوامل الاثارة والغضب إلى الانفعال، فيفعل ما لايحسن فعله، أو يقول ما لا ينبغي قوله، ولكنه بالصوم يضبط اعصابه، فلا ينزلق إلى فعل ما لا يليق فعله، وهو ما يؤكده الحديث الشريف في قوله: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، ولا يجهل، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم)، بما يوحي بأن الصوم هو الذي يمنعه من مبادلة الشتيمة بمثلها، وهو الذي يحول بينه وبين استجابته لدواعي الشر سواء في القول أو بالفعل، وهكذا فإن الصوم يعطي الصائم زاداً معنوياً، وغذاء روحياً يجعله قادراً على التغلب على متاعب الحياة ومشقات المعيشة.ومن شأن الصائم الصادق المخلص في صومه أن يحفظ الأمانة في كل شيء، يحفظها في معدته، فلا يتناول مفطراً وهو صائم، ولا يدخل إليها حراماً حين يفطر، ويحفظها في سره وجهله، والرسول الكريم، (صلى الله عليه وسلم) يقول: (إنما الصوم أمانة، فليحفظ أحدكم أمانته).
|
رمضانيات
إنما الصوم أمانة
أخبار متعلقة