لشهر رمضان في اليمن نكهته الخاصة، يختلط فيه الوجداني بالروحي وطقوس صوفية فيها من حرارة الإيمان والأعمال ما يجعل هذا الشهر (منتجعاً روحياً للصائمين). وفي هذا الشهر فقط يتحول فن الإنشاد الديني والشعر إلى نجم من نجوم أسمار رمضان. فما أن يبدأ العد التنازلي لحلول هذا الشهر الكريم إلا وتشتعل معه مشاعر الشوق واللهفة لقدوم هذا الضيف الذي لا يذكر إلا ويذكر معه (تماسي الأطفال) و(تسابيح المساجد) و( جلسات الشعر). فرمضان هنا يحمل الكثير من الخصوصيات والعادات والتقاليد التي تعتبر جزءاً من الموروث الشعبي اليمني .[c1]أهلاً رمضان[/c]تختلف العادات والتقاليد الرمضانية في الريف عنها في المدينة، ففي الريف يؤكد المعمرون أن للشهر الكريم هنا مذاقاً خاص لا تعكره (الفضائيات) و(هوس الديشات)، حيث يبدأ السكان في الاستعداد لاستقبال الشهر مبكراً من خلال توفير المأكولات والمشروبات الخاصة به، ويلاحظ الاهتمام بالأنوار والسراج الخاص وتزيين الفوانيس وذلك قبل دخول الشهر بأسبوع. ويبدأ الترحيب بشهر رمضان والاستعداد له سواءً في الريف أو المدينة منذ منتصف شهر شعبان، وأول مظاهر هذا الاستعداد يتمثل في قيام الناس بطلاء منازلهم بمادة (الجبس) خاصة في المدن القديمة كمدينة صنعاء، فما زال كثير من الناس يتمسكون بهذه العادة ويرتبطون بها، رغم أن تطور الحياة وتسارع إيقاعها قضى على كثير من العادات القديمة المشابهة. وفي منتصف شهر شعبان يقوم غالبية أهل اليمن في معظم الريف والمدينة بإحياء ليلة (الشعبانية ) التي تأخذ مظهراً أكثر احتفالية، فإضافة إلى الصيام في هذا اليوم يقوم القادرون من الناس بنحر الذبائح وتوزيعها على الفقراء والمساكين، ثم تبدأ جلسات الذكر بعد صلاة العشاء وتستمر حتى أذان الفجر، حيث تتم فيها قراءة القرآن الكريم وتلاوة الأناشيد والأذكار الخاصة بهذه المناسبة، وقبل أن يدخل شهر رمضان بنحو أسبوع، يقوم بعض أئمة المساجد بالترحيب به طيلة هذا الأسبوع خاصة في الريف، ومن هذه العبارات التي تتردد في بعض المساجد (يا مرحبا بك يا رمضان، شهر التوبة وشهر الصيام) ويقوم الأطفال بترديد هذه العبارة في الأزقة والحارات في الليالي بصورة مستمرة. وإذا دخل رمضان في اليمن، فإن المساجد تشتعل بالتسبيح والتهليل كل يوم وفي كل حارة.[c1]مدفع الإفطار[/c]الطقوس الرمضانية لا تقتصر على ذلك فحسب، بل إن أهم ما يميز شهر رمضان في اليمن هو (مدفع الإفطار) الذي يظل الأطفال والكبار يتوقون إلى سماعة قبيل الإفطار طوال أيام شهر رمضان المبارك، وذلك لما يشيعه من أجواء بهجة في نفوس الناس كباراً وصغاراً أثناء سماع دويه.البردوني: (التماسي) بهجة يكسب بها الأطفال مقادير ضئيلة من النقودلعل أكثر ما يميز رمضان في اليمن هي تلك (التماسي) التي يؤديها أفواج الأطفال أحلى أداء، من خلال ترديد شعر التمسيات الذي يتجدد بحلول رمضان فيحلو في الشفاه والأسماع، وهو نشيد طفولة لا يؤديه إلا زمر من الأطفال. وبحسب الأديب اليمني عبد الله البردوني ، يبدأ الأطفال يتهيئون لشهر رمضان من أواخر شهر شعبان وينتظرون بهجة التماسي التي يكسبون بها مقادير ضئيلة من النقود. حيث يجتمع الأطفال خلال الأسبوع الأول من رمضان حول بيوتهم يرددون التماسي الخاصة بالأدعية لآبائهم كقولهم:(يا رمضان يابو الحماحمأدي لبي قرعة دراهميا رمضان يابو المدافعأدي لنا مخزن بضائع)ويستمر هذا النشيد نصاً وأداءً حول بيوت الأطفال ،وعندما ينتهي الأسبوع الأول من رمضان ينطلق الأطفال إلى البيوت القائمة في الأحياء المجاورة، حيث يؤدون أغاني التمسية في كل باب ويبدأ أول الأداء بقولهم:( يا مسا وأسعد الله المسايا مسا جدد الله الكسا)وعندما يعطيهم أحد البيوت قطعة النقود يردد الأطفال:( يا مسا جيت أمسِ عندكميا مسا والجمالة هي لكم)أما البيوت التي لا تعطي وهي قادرة أو تلك التي تعطي غير المطلوب فإن مجاميع الأطفال تطلق أناشيد تعبر عن السخرية بهذه البيوت كقولهم:يا مسا جيت أمسي من (خبان)يا مسا راجموني بالكبانوهذه إشادة بالعطاء ولكن غير المطلوب، إذ جعلوا من (الكبان) وهو نوع من الخبز الشهي بدلاً عن النقود! أما عندما تمنع البيوت القادرة نفحة صغيرة من الأطفال، فإنهم -أي الأطفال- يهاجمون على الذي يعطي كقولهم:يا مسا جيت أمسي من (ذمار)يا مسا لا حقونا بالحجارفهذه الأناشيد المسماة بالتماسي، هي إنشاد جماعي خاص بليالي رمضان إلى ليلة العيد.. وهذه الأناشيد على تكرارها ووراثتها، تعمل على إشاعة البهجة وتخلع على ليالي رمضان طرافة وخصوصية على سائر ليالي الشهور.[c1]رئيس بيت الشعر: الشعر يصبح نجماً من نجوم أسمار رمضان[/c]ولا تزال العادات والطقوس الرمضانية في اليمن متواصلة، أبرزها تلك المجالس الليلية وأماكن السمر التي تنتشر في الريف والمدينة حيث ينتشر في كل حارة ما يسمى (بالمبرز) وهو ديوان كبير يحرص أبناء الحي على التجمع فيه وحضور جلساته بعد صلاة التراويح وحتى قرب السحور، وعادة ما تشهد هذه المجالس فعاليات مختلفة، تتمثل في قراءة القرآن وحلقات الذكر والمواليد النبوية والتهليل، فيما تحرص العديد من الدواوين ومجالس السمر على أن يكون للشعر نصيباً من جلسات السمر الرمضانية، وذلك بحسب رئيس بيت الشعر اليمني الدكتور عبدالسلام الكبسي ، الذي يؤكد أن الشعر يكون نجماً من نجوم أسمار رمضان ، خاصة في مجالس صنعاء القديمة ، ويشير الكبسي إلى أن رمضان المبارك يمثل إحدى المناسبات الهامة التي يتم فيها إحياء لياليه المباركة سواء بحلقات الذكر أو بالإنشاد أو بالتباري بالشعر في مجالس ليلية تظم مختلف الشرائح الاجتماعية من رجال الدين والعلماء والمثقفين والأدباء والشعراء والشباب.[c1]الإنشاد الديني[/c]الإنشاد الديني هو الآخر يجد في حلول شهر رمضان المبارك فرصة عظيمة لتغذية الروح، وبحسب رئيس جمعية المنشدين اليمنيين علي محسن الأكوع، فإن ليالي السمر في صنعاء والعديد من المحافظات اليمنية تشتعل بالإنشاد الديني الذي يتناول موضوعات روحية رائعة كالعشق الإلهي أو مدح الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أو الوحدانية والملكوت الأعلى . لذا فإن رمضان يشكل مناخاً مناسباً لتعزيز دور الإنشاد الديني، حيث يتصدى لهذا اللون من الغناء كبار المشايخ والمنشدين الذين يتولون إحياء ليالي رمضان في العديد من المدن اليمنية، أبرزها صنعاء وحضرموت .
|
ثقافة
اليمن..مجالس سمر رمضانية تتوق لـ (الشعر والإنشاد)
أخبار متعلقة