صوم شهر رمضان فريضة على كل مسلم ومسلمة في كل عام متى ثبت برؤية هلاله أو بإكمال شعبان ثلاثين يوماً إذا تعذرت الرؤية.وصوم شهر رمضان أحد أركان الإسلام الخمسة، التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي رواه ابن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا اله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت» متفق عليه.ويستقبل المسلمون شهر رمضان بعد أحد عشر شهراً قضوها في جهاد طلب العيش، واستجلاب الرزق، وصراع المادة، وقد تكدر فيها القلب وتبلد الحس، وتلوث الضمير، بما ران على القلوب من صخب العيش، واضطراب المعاملات، وتكاثر المظالم، وزيادة الحوادث.يهل علينا هذا الشهر المبارك فتجلو فيه صدورنا بذكر الله.«إلا بذكر الله تطمئن القلوب»وفيه تطهر نفوسنا بالعبادة، وتزود قلوبنا بالأمن والسكينة، وبما يقويها على تحمل الفتن والمحن في دنيا الشدائد والآلام والقلاقل والاضطرابات.وشهر رمضان يطهر الناس مما اكتسبوه من رجس، ويشترك المسلمون جميعاً في صومه، وفيه يكثرون من الذكر وتلاوة القرآن الكريم ومدارسته، فيتأدبون بآدابه وأخلاقه، فيغضون أبصارهم عما حرم الله، ويغذوا بصائرهم بالتفكير والتذكر والصلاة، ويكفوا ألسنتهم عن الفحش، ويصموا آذانهم عن اللغو،ويغلون أيديهم عن الأذى ويصدون أهواءهم عن السوء.وعندما يحل علينا رمضان في كل عام يحمل معه سحب الرجاء وغيث القبول، فهو يمدنا بالإرادة الحازمة، وينمي الوازع الديني في قلوب الصائمين، ليبقى حارساً يقظاً مهيمناً ومرشداً طوال العام.(فالصوم جنة) كما جاء في الحديث الشريف، أي وقاية، وفيه إعراض عن الرذيلة لجلب الفضيلة، وهو ما أشارت إليه آية الصوم في قوله تعالى في سورة البقرة:«يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون».فتقوى الله ومجاهدة النفس هما حكمتان لفرض الصيام وقد اجتمعت هاتان الحكمتان في قوله الله تعالى:» وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوى».فالخوف من الله هو التقوى، ونهي النفس عن الهوى، هو المجاهدة، وهذه هي إحدى الغايات من شرعية الصوم.ولرمضان سمات يرعاها الصائمون، بل الفاطرون على حد سواء.فالسكير يهجر الكأس، والمقامر يكف عن المقامرة، والشرير ينسى أو يتناسى شروره، وكلهم يتشبهون بالصالحين الطائعين، ويتقون الشبهة، ويصنعون المعروف.وعلى المسلمين أن يستقبلوا هذا الشهر الكريم بما يعلي كلمة الله، وذلك بطاعته والإقبال على عبادته بالصلاة والصدقات والصوم، وبالتعاون على البر والتقوى، والابتعاد عما يفسد النفوس ويغويها، ويضلها ويرديها، والحرص على عمل ما يصلحها وينقيها.ولذا فإن شهر رمضان شهر النور والضياء، والصفاء والنقاء، هو موسم المغفرة والمثوبة، فتح الله فيه أبواب رحمته ورضوانه فهلموا إلى مائدة ربكم، فإن من لم يقدم بقلبه ونفسه على الله في هذه الأيام، فقد فاته خير كثير، بل حرم من الخير كله، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: « من لم يغفر له في رمضان فمتى سيغفر له؟».فهذا هو شهر رمضان حل علينا، فيه المساجد تعمر، والمصابيح تزهر، والآيات تذكر، والقلوب تجبر، والذنوب تغفر.شهر تنزل فيه البركات، وتنظم فيه الخيرات، وتكفر فيه السيئات وتقال فيه العثرات، وتدفع فيه النكبات، وتحل فيه الأزمات بإذن الله تعالى.هو شهر الصبر، والمواساة، فيه يزداد رزق المؤمن، أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان، فيقول:« أتاكم شهر رمضان، شهر بركة يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، وينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل» وكان صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين). ولقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصائمين ببشريات عديدة : بشرهم بدخول الجنة من باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون حيث يسقيهم ربهم وينعم عليهم بتمييزهم عن سواهم، قائلاً لهم: ( كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلا يدخل منه أحد ). كما بشرهم بالعتق من النار، فقال: (ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة ). وقال : (من صام يوماً في سبيل الله عز وجل زحزح الله وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفاً ).كما بشرهم بالمغفرة وتكفير السيئات، فقال (صلى الله عليه وسلم): ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) وقال صلى الله عليه وسلم: ( الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا جتنبت الكبائر). وبشرهم بالفرحة والسرور، فقال (صلى الله عليه وسلم): ( للصائم فرحتان يفرحها، إذا أفطر فرح لفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه). كما بشرهم بالشفاعة ، قال (صلى الله عليه وسلم): ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام بالنهار، فشنعني فيه، ويقول القرآن : أي رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان). وبشر الصائمين أيضاً باستجابة دعائهم، قال صلى الله عليه وسلم: ( للصائم عند فطره دعوة ما ترد). فالصائمون حين يلقون ربهم يوم القيامة سيفرحون بإذن الله بما يجدون من ثواب الصوم الذي لاحد له ولا حصر، سيجدون صومهم مدخراً لهم كاملاً يفيدهم وقت الحاجة ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ).فاستبشروا - إيها الصائمون - وكونوا على يقين أن الله لايخيب عنده سعي، ولا يضيع عنده أجر ، قال تعالى: ( إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً ) وقال تعالى: (فاستجاب لهم ربهم أني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى). فاتقوا الله عباد الله، وأحسنوا استقبال هذا الشهر الكريم بطهارة قلوبكم، يشهد لكم بالخير عند باريكم، واغتنموا فيه العمل الصالح، فإن الله يضاعف فيه الحسنات، ويعفو عن السيئات.
|
رمضانيات
في استقبال رمضان
أخبار متعلقة