تعود بنا صفحات هذا السفر إلى حقب وعهود من تاريخ عدن طوت الأيام ملامحها عن الراهن، وما دون في متن الكتاب هو الذاكرة التي تعيد إلينا تلك الصور لعدن وما كانت عليه من أحوال وأحداث مرت كما تمر صروف الدهر على البشر والحياة.صاحب هذا الكتاب هو محمد عبدالله الطيب عبدالله بن أحمد أبي مخرمة من إعلام عدن في مجال التدوين التاريخي، وله في هذا الجانب من المؤلفات: شرح صحيح مسلم: لخصه من شرح النووي مع زيادات في الشرح والتحقيق.أسماء رجال مسلم.قلائد النحر في التاريخ في ثلاثة مجلدات كبيرة، لخص فيه تاريخ الذهبي، وذيل عليه، منه عدة مخطوطات.النسبة إلى المواضع والبلدان: معجم جغرافي مبني على نسبة الإنسان وغيره إلى الناحية، بلداً كانت أو مصراً من الأمصار أو قرية أو حصناً.تاريخ ثغر عدن: اختصره من كتاب المستبصر لابن المجاور وتحفة الزمن للاهدل وطراز إعلام الزمن للخزرجي.[لا يوجد نمط فقرة][فقرة بسيطة]كان ميلاده في عدن في الثاني عشر من شهر ربيع الثاني عام 870هـ وتوفي فيها في شهر محرم عام 947هـ عن عمر قارب 77 عاماً.وقد جاء عن منزلته في مقدمة كتاب (النسبة) الصادر عن مركز الوثائق والبحوث في ابوظبي الطبعة الأولى عام 2004م: (كانت نشأة المؤلف بمدينة عدن، تلقى العلم فيها على والده وغيره من علماء عدن وقضاتها منهم الفقيه العلامة أبو عبدالله محمد بن أحمد بأفضل المتوفى سنة 903هـ، والقاضي العلامة أحمد بن عمر المزجد المتوفى سنة 930هـ وبرع في العلم، وحاز السبق، قال العيدروس في النور السافر: (وتفنن في العلوم وبرع وتصدر للفتوى والاشتغال، وكان من أصح الناس ذهناً وأذكاهم قريحة وأقربهم فهماً، ومن أحسن الفقهاء تدريساً حتى ان جماعة من الطلبة وغيرهم يذكرون أنهم لم يروا مثله في حسن التدريس وحل المشكلات في الفقه.كما شارك في كثير من العلوم كالفقه والتفسير والحديث والنحو واللغة وغيرها وروي عن تلميذه العلامة شهاب الدين أحمد بن عمر الحكيم انه كان يقول: (سمعت شيخنا ـ يعني شيخه المذكور ـ يقول اقرأ في أربعة عشر علماً).وولي القضاء بعدن وحدث له في آخر عمره وجع عطله عن الحركة).يعد كتابه (تاريخ ثغر عدن) من المرجعيات المهمة التي لم تسقطها الدراسات والبحوث المتصلة بتلك الفترات، ومما يروى من حكاية عن عدن وما كان من أحوال أهلها هذه الواقعة التي بفعل قدمها وبعدها في الزمان تجمع ما بين المخيلة الشعبية والعبرة العقائدية، ويروي قائلاً: ذكر الإمام أبو محمد عيسى الأندلسي في كتابه عيون الأخبار، أن رجلاً من أهل خراسان كان ساكناً مكة وكان رجلاً صالحاً كثير الاجتهاد في العبادة والخير وكان يودعونه الودائع فأودعه رجل عشرة آلاف دينار وخرج في بعض أسفاره ثم رجع مكة فوجد الرجل الخراساني قد مات فسأل أهله وولده عن ماله فقالوا لم يكن لنا علم بما لك فخرج الرجل إلى جماعة من العلماء والزهاد بمكة فشكا إليهم أمره فقالوا له نحن نرجو ان يكون ذلك الرجل من أهل الجنة ولكن قم في الليل فإذا مضى النصف أو الثلث فصل إلى بئر زمزم وتطلع فيه براسك وناد بأعلى صوتك يا فلان أنا فلان صاحب الوديعة فما فعلت بها ففعل الرجل ذلك ثلاث ليال فلم يجبه احد فرجع إلى القوم فاخبرهم بذلك فقالوا (إنا لله وإنا إليه راجعون) نخشى أن يكون الرجل من أهل النار ولكن سر إلى اليمن إلى واد في عدن يقال له برهوت وفيه بئر فاطلع برأسك إذا مضى من الليل نصفه أو ثلثه وناد يا فلان أنا فلان صاحب الوديعة فما فعلت بها فمضى الرجل وفعل ما امروه به في أول صوت فقال له هي على حالها واني لم ائتمن عليها أهلي ولا ولدي واني قد دفنتها في داري في بيت كذا وكذا فقل لولدي يدخلونك داري ثم ادخل البيت الفلاني واحفر فيه في موضع كذا وكذا فانك تجد المال على حاله فقال له ويحك ما انزلك هاهنا وقد كنت من أهل الخير والصلاح فقال له كان لي أهل وقرابة وأرحام في خراسان فقطعتهم ولم أصلهم حتى مت فواخذني ربي بذلك وأنزلني هذه المنزلة فرجع الرجل إلى مكة فوجد ماله على حاله لم ينقص منه شيء).يذكر المؤلف في كتابه تاريخ ثغر عدن عدداً من الإعلام الذين سكنوا عدن أو مروا بها ومن تعلم في مساجدها ومدارسها العامرة بالعلم والإيمان عبر عصورها المختلفة، ومن هؤلاء الإمام أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن اشد الشيباني، وقد بلغه عن إبراهيم بن الحكم بن ابان صاحب عدن بأنه صاحب علم غزير وفضل فقصده وجاء عدن، وذكر الخزرجي نقلاً عن الجندي أن الإمام أحمد بن حنبل أقام في مسجد ابان حيث قدم للأخذ عن الحكم.أبو مروان الحكم بن أبان، وقال الجندي، الحكم بن ابان بن عفان بن الحكم بن عثمان بن عفان العدني، كان من اعلام عدن في الفقه عالي المكانة فيها، وقد امتحن بقضاء عدن، ومسجده الذي يقف فيه هو مسجد أبيه الذي يعرف عند أهل عدن بمسجد أبان.ريحان بن عبدالله العدني، كان عبداً حبشياً لبعض أهل عدن وقد أعتق وله عند أهل عدن في تلك السوالف من الأزمنة حكايات وكرامات تجمع بين الحقيقة والخيال، وذكر الإمام عبدالله بن اسعد في بعض مؤلفاته، منها سمعت بعض القدامى من أهل عدن يقول: (رأيت الشيخ ريحاناً يفعل شيئاً يكره فقلت في نفسي هذا الفاعل التارك الذي يقال له صالح يقدم على هذه المنكرات فاحترق بيتي تلك الليلة بالنار.ومنها أن بعض أهل عدن قال خرجت ليلة لشراء حاجة من السوق فلقيني الشيخ ريحان وجرني وارتفع بي في الهواء ارتفاعاً عظيماً فبكيت وقلت له ردني فردني إلى الأرض وقال أردت ان أفرجك فأبيت).ولم تعرف الفترة التي مات فيها عند اصحاب المدونات العدنية، وله مشهدان يقصدان للتبرك والزيارة وكل منهما يحمل اسم الشيخ ريحان، احدهما بالقرب من قبر الشيخ جوهر العدني والآخر في أعلى البلد قريب من الخساف وربما كان قبره عند باب عدن ولكنه كما يبدو درست ملامحه مع تقادم الأيام حتى غاب عن النظر ولم يبق من ذكره سوى ما جاء في متن أسفار التاريخ.ومن الشخصيات التي مرت على عدن المذكورة في هذا الكتاب، زريع بن العباس بن المكرم الهمداني الذي استولى على عدن بعد موت ابيه والذي كان له حصن التعكر وباب البر وما يحصل منه، وكان حصن الخضراء في يد عمه مسعود بن المكرم، وكانا يحملان للحرة السيدة بنت شهاب الصليحي كل عام من خراج عدن مائة ألف دينار،وقد ملك زريع حصن الدملوة في شهر رمضان من عام 480هـ.ومما يذكره الكاتب عن معالم عدن بناء الجامع الذي كما نظن منارة عدن وحيث يقول في هذا الموضوع: (ومما ذكره عمارة بن محمد بن عمارة في كتاب المفيد في أخبار زبيد قال: ان جامع عدن بناه عمر بن عبدالعزيز وجدده الحسين بن سلامة والأصح انه ما بنى الجامع إلا الفرس وكان السبب في بنائه انهم وجدوا في زمانهم قطعة عنبر كبيرة مليحة فأتى بها إلى صاحب عدن فقال لهم وما اصنع بها بيعوها وابنوا بثمنها جامعاً فلست أرى درهماً أحل من هذا الدرهم ولا يخرج في وجه أحق من هذا الوجه فباعوا العنبر واخذوا ثمنه وبني به جامع عدن في طرف البلد فإن قال قائل لم لا يبنى في وسط البلد قلت لان في وسط مدينة عدن عين ماء ماد من البحر إلى المملاح ولنا على قولنا دليل أن من بقايا العين موضع الملح الذي يجمد فيه الملح بالمملاح، قال ابن المجاور: رأيت وراء حمام المعتمد رضي الدين محمد بن علي التكريتي ان سيلاً عظيماً غسل أرض الوادي فظهر به مدابغ جملة من أيام الفرس كانت قد علت عليها الأرض من طول المدى، وحدثني ريحان مولى علي بن مسعود بن علي قال انه ظهر عند حبس الدم بقرب جبل حقات حمام كبير عظيم ذو طول وعرض وقد كانت علت عليه الأرض من بناء العجم، وكانت الناس في أيام دولة العجم يجدون العنبر الكثير إلى باب المندب وكان الصيادون يجدونه فإذا مر بهم مركب أو تاجر يقولون له تشتري منا حشيش البحر يعنون به العنبر، ويقال ان الشيخ شبير الصياد وجد قطعة عنبر ولم يعرف ماهي فجاء بها إلى بيته فعازة الحطب فأوقدها تحت القدر عوض الحطب فعلم به الناس فعرف الشيخ بوقاد العنبر).عرفت عدن الشيخ أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن سفيان، وهو من علماء عدن وقضاتها كان مولده فيها وتفقه على ابن الأديب وابن الحرازي وغيرهما من الاعلام الذين لم تخل منهم عدن، كان عارفاً بالنحو والعروض صاحب خلق حسن عرف بين الناس، كثير السفر إلى الحج، وفي فترة اقامته بعدن يدرس في بيته الطلاب وتفقه على يده جماعة من أهل عدن.وذكر الشيخ شهاب الدين أحمد بن ابي بكر بن سلامة في كتابه (المسلك الأرشد في مناقب عبدالله ابن اسعد اليافعي) لقد تعدد المشايخ الذين تعلموا على يد اليافعي، ومنهم الشيخ محمد بن أحمد البصال وقد تعلم كذلك على يد العلامة عبيد بن علي بن سفيان المقبور في عدن، وقد قيل ان عبدالرحمن بن علي بن سفيان من ذرية الشيخ الولي سفيان اليمني صاحب الشهرة الواسعة.أما محمد بن إبراهيم بن اسماعيل الزنجاني يعود نسبه إلى زنجان وهي بلد كان لها منزلة في بلاد العجم، وكما عرف بالتميمي نسبة إلى تيم قريش قدم ابوه من زيجان إلى شيراز وسكن فيها وولد له فيها محمد وكان من اكابر اصحاب الامام ناصر الدين عبدالله بن عمر البيضاوي المفسر، جاء إلى اليمن رسولاً من ملك شيراز إلى المؤيد مرتين احداهما في أول دولة المؤيد وفي الثانية عام 718هـ وفي كل مرة يدخل إلى عدن يدرس حتى انتفع من علمه الكثير من اهل عدن، قال عنه الجندي: (واجتمعت به في عدن حين قدم في المرة الأخيرة فأخذت عنه الرسالة الجديدة للشافعي والاحاديث السباعية وجملتها 14 حديثاً، وممن اخذ عنه عبدالرحمن بن علي بن سفيان ومحمد بن عثمان الشاوري وسالم بن عمران بن ابي السرور وغيرهم).الشيخ ابو البهاء جوهر بن عبدالله العدني الصوفي، فقد شاهد بخط جده القاضي محمد بن مسعود أبو شكيل في تاريخ وفاة شيخه القاضي محمد بن سعيد كبن وقيل انه دفن بجانب ضريح الشيخ جوهر بن عبدالله الجندي.وقد قال عنه الشيخ عبدالله بن اسعد اليافعي: (كان عبداً عتيقاً أميناً في السوق بعدن، وأظنه كان بزازاً في الخان فإن به دكاناً مشهوراً على السنة العوام ان الشيخ جوهر كان يتجر فيه وهو دكان مشهور بالبركة قل ان يتجر به أحد إلا وفتح الله عليه في دنياه).عرف بحبه للفقراء حباً شديداً وبمجالستهم كثيراً، فلما حضر الموت للشيخ أبي حمران قال له أصحابه من يكون شيخنا من بعدك قال: الذي يقع على راسه الطائر الأخضر في اليوم الثالث من موتي هو الشيخ).وعندما جاء اليوم الثالث من موته حضر الفقهاء والفقراء وعدد من عوام الناس في مسجده، وجلس الكل ينتظر ما يكون من كلام الشيخ الراحل ومنهم المصدق والمكذب والمشكك، وإذا بالطائر الموصوف يدخل المسجد ويحط في طاقة المسجد، وقد تشوق للمشيخة كبار اصحاب الشيخ، فارتفع ذلك الطائر من مكانه الذي حط فيه ثم وقع على رأس الشيخ جوهر، فقام إليه الفقراء ليرفعوه ويجلسوه في مكان شيخ عدن.عبر قرون خلت ظل كتاب (تاريخ ثغر عدن) من أهم الأدبيات التاريخية التي دونت في مرجعيتها ما كانت عليه عدن وما حفظت الذاكرة ونقل عبر روايات منها ما عاصره الكاتب ومنها ما دون في مصادر الأسفار السابقة، فكانت حلقة الاتصال ما بين أحداث جرت في عدن، وإعلام وشخصيات شكلت المخيلة الشعبية جزءاً من تراثهم المحلي الذي ظل لسنوات طويلة ينقل عبر الألسن حتى جاء هذا الكاتب ليحوله عبر الكلمات المكتوبة إلى صفحات عدنية تعزز ما تحدد ورسم عبر الأجيال من تاريخ عدن.لذلك تظل مؤلفات هذا العلامة جزءاً من هوية وانتماء هذه المدينة التي ظلت عبر تاريخها المقصد للمعرفة والمستقر للباحث عن الأمان فيها، ويظل ثغر عدن حكاية لها مع التاريخ أطول الفصول وكم في عدن من الحكايات.
|
ثقافة
تــــاريـخ ثـغـر عــــدن
أخبار متعلقة