علي عبدالله الدويلةيعتبر الشاعر والأديب الفيلسوف الراحل أبو الطيب المتنبي من كبار عمالقة العلم والأدب وكان احد المبدعين والمفكرين القلائل من شعراء العرب الذين قارعوا رموز أشكال وأنواع الفساد وعاش أفضل أيام حياته وأكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في مدينة حلب، وأكثرهم قدرة وفصاحة باللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها وله مكانة سامية ومرموقة بين شعراء العربية وقد وصفه الأغلبية من الناس بأنه قامة شعرية نادرة في زمانه وأعجوبة عصره وحتى ظل شعره اليوم مصدر الهام روحي للشعراء والأدباء. وهو شاعر حكيم واحد مفاخر الأدب العربي حيث تدور معظم قصائده الشعرية حول مدح الملوك وكما يقولون عنه بأنه الشاعر الأناني تميزت خلفيته الثقافية بحدة الذكاء الفطري واجتهاده الذاتي حيث ظهرت موهبته الشعرية مبكراً وتجسدت من خلال شعره في الحكمة وفلسفة الحياة وفي وصف المعارك الدامية الحامية الوطيس بين مختلف القبائل وكان في الحقيقة صاحب كبرياء وشجاعة وطموح ومحب للمغامرات وفي شعره يعتز بعروبته وكرامته ويفتخر بنفسه ، أفضل أشعاره في الحكمة وفلسفة الحياة ووصف المعارك إذ جاء بصياغة قوية ومحكمة انه الشاعر والمبدع العملاق غزير الإنتاج ويعد في الحقيقة مفخرة للأدب العربي فهو صاحب الأقوال والأفعال والحكم البالغة والمعاني المبتكرة والحوادث والنوادر والفكاهات والبلاغة وحسن النظر وصدق الرواية وقوة الحافظة وبلاغة اللسان والقلم . وجد أن الطريق الوحيد أمامه هو تنقله مهيئاً لموهبته الشعرية الفائقة لدى الأمراء والحكام إذ تدور معظم قصائده حول مدحهم بأسلوب ساخر ولكن شعره لا يقوم على التكلف والصنعة لكي تفجر أحاسيسه ومشاعره الصادقة وامتلاكه ناصية اللغة والبيان ما اضفى عليه لونا من الجمال لقد ترك لنا الشاعر أبو الطيب المتنبي تراثاً عظيماً خالداً من الشعر تضم قصائد عديدة تمثل عنواناً لسيرة حياته صور من خلالها الحياة في القرن الرابع الهجري وكيف جرت الحكمة على لسانه في قصائده الأخيرة وكأنه يودع الدنيا عندما قال أبلى الهوى بدني حيث شهدت الفترة التي نشأ فيها أبو الطيب المتنبي تفككاً في الدولة العباسية وتناثرت بعدها الدويلات الإسلامية التي قامت على أنقاضها فقد كانت فترة نضوج حضاري وتصدع سياسي عاشها العرب والمسلمون فالخلافة في بغداد انحسرت هيبتها والسلطان الفعلي في أيدي الوزراء وقادة الجيش ومعظمهم من غير العرب ثم ظهرت الدويلات والإمارات المتصارعة في بلاد الشام وتعرضت الحدود لغزوات الروم والصراع المستمر على الثغور الإسلامية ثم ظهرت الحركات الدموية في العراق كحركة القرامطة وهجماتهم على الكوفة لقد كان لكل وزير ولكل أمير في الكيانات السياسية المتنافسة مجلس يجمع فيه الشعراء والعلماء يتخذ منهم دعاية وتفاخراً ووسيلة صلة بينه وبين الحكام والمجتمع الإنساني ممن انتظم في هذا المجلس أو ذاك من الشعراء أو العلماء يعني اتفق معهم وأصبحوا في طاعة الأمير الذي يدير هذا المجلس وذاك الوزير الذي يشرف على ذاك فأما الشاعر الذي يختلف مع الوزير يرحل إلى غيره من الأمراء فإذا كان شاعراً معروفاً استقبله المقصود الجديد واجبره لينافس به خصمه أو ليفخر بصوته في هذا العالم المضطرب . كانت نشأة أبي الطيب المتنبي عن وعي بذكائه الفطري وطاقته المتفتحة على حقيقة ما يجري حوله فاخذ بأسباب الثقافة الإنسانية مستغلاً شغفه وحب الاطلاع والإلمام الواسع بقراءة الكتب الثقافية والحفظ لأجل تطوير مداركه العقلية وأصبح من خلالها من كبار عباقرة الشعر العربي وكان في هذه الفترة المتنبي يبحث مغبة ذاته ومكانته الرفيعة ولكن شعره أصبح مجرد تلميح وتصريح حتى أشفق عليه بعض أصدقائه وحذروه من مضبة أمره حذره أبو عبدالله معاذ بن إسماعيل في دهوك فلم يستمع له وإنما أجابه عبداللاه معاذ حتى انتهى به الأمر إلى السجن. وبعد خروجه من السجن ظل أبو الطيب المتنبي طيلة حياته يبحث عن لقمة العيش الضرورية وأرضية تحميه وتؤؤيه من غدر هذا الزمان ونتيجة الفقر والبطالة والغلاء الفاحش وأزمات الحروب القبلية التي فرضها الحكام الفاسدون في الأرض أصبح معظم الناس يعانون الكثير من الهموم والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية الصعبة وأبشع أنواع القهر والظلم والاستبداد واضطهاد الإنسان لأخيه الإنسان بعدها استطاع المتنبي أن يشق طريقه نحو سلم المجد وأن يحط رحاله في إنطاكية حيث أبو العشائر ابن عم سيف الدولة واتصل بسيف الدولة بن حمدان أمير وصاحب مدينة حلب فوفد عليه المتنبي وعرض عليه أن يمدحه بشعره على إلا يقف بين يديه لينشد قصيدته كما كان يفعل الشعراء فأجاز له سيف الدولة الحمداني أن يفعل هذا وأصبح المتنبي من شعراء سيف الدولة وخاض معه المعارك ضد الروم فكان إن حدثت بينه وبين سيف الدولة فجوة وسعها كارهوه وكانوا الأكثرية من الشعراء في بلاط سيف الدولة ازداد بعدها أبو الطيب اندفاعاً وكبرياء واستطاع من خلالها في حضرة سيف الدولة في حلب أن يلتقط أنفاسه وظن انه وصل إلى شاطئه الأخضر وعاش مكرماً مميزاً عن غيره من الشعراء في حلب ولكن خيبة الأمل وجرح الكبرياء قد جعلت من أبي الطيب المتنبي يحس بأن صديقه سيف الدولة الحمداني بدا يتغير عليه وهناك أشياء لا ترضى الأمير وبدأت المسافة تتوسع بين الشاعر المتنبي والأمير وظهرت منه مواقف حادة مع حاشية الأمير وأخذت الشكوى تصل إلى سيف الدولة الحمداني حتى بدأ يشعر بأن فردوسه الذي لاح له بريقه عند سيف الدولة لم يحقق السعادة التي نشدها وإصابته خيبة الأمل لاعتداء ابن خالويه عليه بحضور سيف الدولة حيث رمى دواة الحبر على المتنبي في بلاط سيف الدولة فلم ينتصف له سيف الدولة ولم ينتقم له الأمير وأحس بجرح في كرامته فعزم على المغادرة وشد الرحيل إلى مصر فانشد هذه القصيدة معاتباً ومفتخراً ومادحاً وهي من البحر البسيط .[c1]وأحر قلباه ممن قلبه شبم ومن بجسمي وحالي عنده سقم مالي اكتم حبا قد برى جسدي وتدعي حب سيف الدولة الأمم. يا اعدل الناس إلا في معاملتي فيك الخصام وأنت الخصم والحكم أعيذها نظرات منك صادقة [/c] أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم: لقد تميز شعر أبي الطيب المتنبي من حيث خصائصه الفنية كأنه صورة صادقة لعصره وحياته فهو يحدثك عما كان في ثورات الشعوب واضطرابات في كثير من حقائق الأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها من المجالات الأخرى التي تتمحور في جوهر القضية الفكرية ونضوج في العلم والفلسفة وكما يمثل شعره حياته المضطربة بخصوص طموحه وعلمه وعقله وشجاعته وسخطه ورضاه وحرصه الشديد على المال كما تجلت القوة في معانيه وأخيلته وألفاظه وقد تميز خياله بالقوة والخصابة فكانت ألفاظه جزلة وعباراته رصينة تلائم قوة روحه وقوة معانيه وخصب أخيلته وهو ينطلق في عباراته انطلاقاً ولا يعنى فيها كثيراً بالمحسنات والصناعة. لقد أجاد أبو الطيب المتنبي وصف المعارك والحروب البارزة التي دارت في عصره في حضرة وبلاط سيف الدولة فكان يعتبر سجلاً تاريخياً وكما وصف الطبيعة وأخلاق الناس ونوازعهم النفسية كما صور نفسه وطموحه قائلا: [c1]أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم وجاهل مده في جهله ضحكي حتى اتته يد فراسة وفم إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم ومرهف سرت بين الجحفلين به حتى ضربت وموج الموت يلتطم الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم [/c]وقد قال النقاد الأدباء ورواد الفكر والأدب الذين يتذوقون جمالية الشعر العربي إن أبا الطيب المتنبي تألق في الشعر المديح والهجاء بأسلوب ساخط يهاجم كل الظواهر السلبية التي يرتكبها سيف الدولة الحمداني ولكن الشاعر المتنبي لم يكثر من الهجاء وكان في هجائه يأتي بأحكام يجعلها قواعد عامة تخضع لمبدأ أو خلق وكثيراً ما يلجأ إلى التهكم أو استعمال ألقاب تحمل في جوفها معاني سامية وتشيع حولها جواً من السخرية بمجرد اللفظ بها كما أن السخط يدفعه إلى الهجاء اللاذع في بعض الأحيان وقال يهجو طائفة من الشعراء الذين كانوا ينافسونه على مكانته قائلاً :- [c1]أفي كل يوم تحت ضبني شويعر ضعيف يقاويني قصير يطاول لساني بنطقي صامت عنه عادل وقلبي بصمتي ضاحك منه هازل واتعب من ناداك من لا تجيبه وأغيظ من عاداك من لا تشاكل من أية الطرق يأتي نحوك الكرم أين المحاجم يا كافور والجلم أغاية الدين أن تحفوا شواربكم يا أمه ضحكت من جهلها الأمم [/c]فلما كان الشاعر أبو الطيب المتنبي عائداً إلى الكوفة ومعه منهم ابنه محسد وغلامه مفلح لاقاهم فاتك بن أبي جهل الاسدي ومعه جماعة ايضاً فاقتتل الفريقان وقتل المتنبي وابنه محسد وغلامه مفلح بالنعمانية بالقرب من دير العاقول غربي بغداد . قصة قتله انه لما ظفر به فاتك أراد المتنبي الهرب فقال له ابنه أتهرب وأنت القائل : الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم .
|
ثقافة
المتنبي .. ما بين خيبة الأمل وجروح كبرياء النفس العزيزة
أخبار متعلقة