تأملات فلسفية في نصوص مفتوحة
كتب/ نجم الأميريفي قراءة متأملة للنصوص التجريبية المفتوحة والموسومة (قراءات في دفتر الجنون) نشهد الحداثة والتجديد من خلال إطلالة ( بانو راما ) تتفتح بواباتها على عالم الشاعر المتألق عباس باني المالكي في دفتره ذي التأملات والمواقف الفلسفية من الحياة والوطن والحب ومن أفاق الروح في قلقها واغترابها بعد ضياع الحلم وسيادة اللا معقول على المعقول وفي وقوفه على ناصية العالم يتأمل انتظارا للخلاص أو للذي يأتي حاملا راية الخلاص في عالم مجنون في الزمن المجنون هي صرخة احتجاج مدوية تدعو للوقوف بوجه استهداف كل معطيات الجمال في الفن والحياة والطبيعة ..طريقنا صخري نحو الشروع إلى الأمل الأتيهل ننتظر كودو؟أم ننتظر كلكامش وجدران أوروك تهدمتوالبرابرة يداهمون روحنا بالزيف والخديعةفقد أكون في مكان قريب إلى روحيولكن لا أرى الأشجار حوليفأين أكون أنا أيها الجنون ؟وفي مقاربة وجدانية تنم عن رهافة الحس وشاعرية متقدة حد التسامي يعيش في اغترابه وطول انتظاره فصلا من الاحتراق ..تعلمت من عود البخوربأنه لا يضيء إلا جرحه وروحه تغادر كدخان تائه بين رائحة الإزهار في الحدائق كلها تمر الفصول إلا هو يمر إلى فصل الاحتراقيتحول عود البخور إلى ذاكرة رائحة كل الفصول الخالية من بهجة الأزهاريتساقط خارجا رماده الهش على ارض مسورة بالأماني والأدعيةلبس فيها الزمن أثوابه غير المرئيةتحت ثقل احتراق أجزائه العابرة إلى نوافذ النذوروحول القمر الراقد في روح الحمائم المخفية من هواجسنانصدق نذورنا وننتظر مجيء المجهوللا توجد بارقة أمل في الخلاص من هذا التيه الأبدي (ومن رحلة الروح في ارخبيلات المجهول ) وفي قمة إحباطه وذروة يأسه يسلم قياده معصوب العينين طائعا للجنون ملاذا يجد في عالمه ضالته ومن خلاله يسرب رؤاه بكل صدق وحميمة ، وفي الوقت نفسه ينفث أحزانه ترانيم اغتراب في محراب الروح مؤرخا ولادته لحظة جنونه ..اختصر تاريخ ولادته وجنوني في دفتر الغيب بلا انتباه إلى الآتي دونهايصهل المكان الموحش بالغياب لم يعد لي ناقوس لأجذب الرهبان إلى صومعتي أتابع ظل المعابد التي انهارت روحها قبل انتهاء مواعيد الصلاة بقي الرهبان يجمعون الحقولليبحثوا عن وطني الغائب في أغصان لا تنتمي إلى دروب الغاباتيقوده الجنون صوب أسوار مدن التيه مدن المجهول مدن السندباد بحثا عن الإخلاص وصولا للدروب العائدة إلى بغداد ..اجمع كل طقوس المعابدلأعبر جفن القدر لأفك نذور البحرعن أقدام السفن العائدة من مدن السندبادوعلاماته التي وزعها على دروب العائدة إلى بغدادارمي اسئله النار الواقفة انتظار الجمر الولادة الجديدعلى عرش غابات النخيلوانتظريعود الشاعر محبطاً من مدن التيه ، مدن السندباد ، بعد أن سام عذابات الانتظار حينها أدرك أن الخلاص قضية جذورها ضاربة في أعماق تاريخ الخليفة وما أرهاصات الانكفاء صوب الجنون إلا إسقاط لحالة اليأس والاغتراب الروحي حين يقف الإنسان عاجزا أمام تفسيرات المجهول انه يمني النفس مجددا باحثا عن وسيلة أخرى للرحيل تأخذه بعيدا إلى مرافئ وطن النسيان ..انتظر لعلي أجد سفن نوح يوما ماوأسافر معها إلى وطن النسياندون المرور على أيام العيدأولعلي أقيم دولة النسيان في دميأوزع قراطيسها على حروف الماءفي دفتر الرملوانتظروبعد أن كان يحدوه الأمل أن يجد الخلاص عندما يسافر على متن سفن نوح ويكون من الناجين .. لكنه عاد من وطن النسيان .. لينتظر عندها لم يجد أمامه إلا عشقه الذي لا يأتي إلا مقرونا بالجنون ..ليس لي اختيار بقدريفإما اعشق بجنون وإما لا اعشقلان روحي تحمل روح شغف الانتماءفلا اركن إلى الصمتإلا عندما تعاندني ذاكرتي في حواري مع الهواءحين يمر بي وهو لا يحمل عطر أزهاركعندما اشعر بالاختناق وتراوح تنفسي شهقات احتضار أن جنون العشق أو العشق حد الجنون ليس بعيدا عن عالم الشعر والشعراء منذ أن نطق الإنسان شعراً وقد تألقت كواكب في فضاءات الشعر صار الجنون مرادفا لأسمائها وكناياتها وتفردت عناوين ومسميات للحب وإغراضه مرادفة للشعراء ولم تكن هذه حصرا على عالمنا العربي وإنما توجد أينما تمطر القريحة شعرا تفيض أودية العشق حبا.لقد وجد الشاعر المتألق عباس باني المالكي في عشقه فردوسا يخرجه من انتظار كودو....تكبر البهجة في سماء عينيك حين يزدهر بنفسج النهارفي الحدائق المارة بخطاك فيتعلم الحصى على رصيف أقدامكالساكنة لون الأشجار في ازدحام الفصول عند أبواب روحكاعرف لا فردوس بعدك ولا قبلكاخرج من انتظارات كودو لأني وجدت المعنى فيكانتظرك كالفصول التي لا تغيب عن أزهاري وانتظرثم يزداد وجدا وهياما بهذه الحبيبة ، فهي امرأة خارج النساء ، وهي وطن القلب ..عيناها جدولة الكون حين ينهزم التاريخ في أوراقه، عيناها صديقةكل المواسم التي تنثر بساتين روحي، بكل أزهار الفردوس، كانت امرأة خارج النساء، حين ينبت ضلع الطين على أجسادهنكانت وطن القلب دون جدران المدن، كانت، وكانت افتراقنا دون عنوان الروح بالسير إلى وطن دون وطنومن خلال حبه لهذه المرأة توصل إلى قناعة بل إلى الحقيقة طالما أتعبه البحث عنها وطال انتظارها .. أن من يريد الخلود عليه إدمان العشق .. ليست النار هي احتراق الحطب في جرح البردبل النار هي احتراق أضلاع العشق في بعد مسافات الفراقوانكفاء الروح في عزلة القارات حيث يصير الرماد قوس قزح في الأنفاسحين يهطل اللقاء مطر الأرواح التي تخزن سماء الذكريات دون غيم النسيانمن يريد الخلود فليدمن العشق دون أرجوحة السؤالثم أغلق دفتر جنونه ..(لم يعد هناك ذاكرة للزمان ، فانا أعطيت كفي إلى المطر كي يغسل البحر من موج عشقي لها، ولكن قد عاد السندباد بالخسارات من رحلته وانكسر الحلم في روحه التي أدمنت العشق والنور والماء القادم من الضفاف المخيفة بين أوراقه الفردوس والشجر العجيب المعمر بالظلال عند الجبل الأخير من الحلم ).أن هذه النصوص المفتوحة تمثل رؤية شاعر عصر مجدد ينشد الحداثة مرهف الإحساس رقيق الحاشية رؤاه في ما يدور ويحدث في واقع مرير عبر عنه بتلقائية وصدق من خلال عدة تساؤلات لا زالت تبحث عن أجوبة في عالم للجنون، قدمها في عدة لوحات وصور، ومواقف ثورية ذكية تحتمل عدة تفسيرات من خلال لغة فخمة اللفظ جزلة المعنى شاعرية مؤطرة بالرومانسية، انه دفتر جدير بالقراءة والتأمل وعسى من خلاله نجد الإجابة لكل ما يدور حولنا من اللامعقول .