في ظل صمت السلطة المحلية
عاد وهاج 22 عاماً إلى "البريقة" قادماً من مركز "دماج" في "صعدة" بعد أن حفِظ بعض أجزاء من القرآن الكريم ودَرَسَ عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.وخلال دراسته التي استمرت عامين؛ تم تدريسه الكثير من الكتب الجهادية وكل ما يتعلق بجماعة السنة، إضافة إلى ذلك فقد شارك في الحرب ضد جماعة الحوثي وتعرض خلالها لإصابة في ركبته اليمنى."وهاج" الذي يقول إن اسمه مقتبس من الآية القرآنية "وجعلنا سراجاً وهاجا" يتحدث كثيراً عن "السلفية" وعن الجهاد في سبيل الله، ويسدي النصائح المعمدة بالأدلة من الكتاب والسنة، ويؤكد إن هناك من تأثروا بما يحمله من وعي ديني كبير بعد أن كان سابقاً يشعر بضياع نتيجة "البعد عن الله، والوقت حان للعمل من أجل الآخرة" كما يقول.لاحظنا من خلال كلامه أنه تلقى تعبئة دينية بشكل مغلوط، ويظهر جلياً عند حديثه عن جماعة الحوثي الذي أظهر لهم حقداً كبيراً بسبب أنهم "يسبون السيدة عائشة" كما يقول، ويؤكد أن "قتالهم واجب".
بحسب أصدقائه وزملائه في المجتمع المدني فإن "وهاج" كان شاباً مرحاً، يقضي وقته يومياً مع أصدقائه ويشارك في عديد من الأنشطة المجتمعية، ولكن الآن لم يعد كما كان فمركز "دماج" صنع منه شخصاً مختلفاً؛ وحتى مظهره وأسلوبه واهتماماته تغيرت بشكل كبير.حتى أصدقاؤه على "الفيس بوك" أصبحوا مكاناً لأصدقائه الجدد، أما أصدقاؤه القدامى فقد قام بحذفهم بحسب ما أفاد، بالمقابل لم يستوعب أصدقاءه أن الشاب الذي يلبس "قميصاً قصيراً" ويغطي شعر رأسه بـ"المشدة البيضاء" هو ذلك الشاب الذي كان يمارس حياته بشكل طبيعي "يصطاد السمك ويساهم في الأنشطة التطوعية" ووضعه الجديد لم يلق قبولاً لدى الكثير من أصدقائه."وهاج" الذي يقطن في مديرية "البريقة" التي تنشط فيها الجماعة السلفية بشكل كبير، قابلته صدفة في الطائرة حين توجهي من "عدن" إلى "صنعاء" ومعه مر الوقت سريعاً وحين وصلنا مطار "صنعاء" نزلت من الطائرة فيما واصل رحلته متوجهاً إلى "السعودية" ولا أعلم فيما إذا كان سيعود أم لا.ليس "وهاج" هو الشاب الوحيد الذي تم صناعته بقالب ديني جديد، فهناك الكثير من شباب "عدن" عاشوا نفس هذه القصة وربما بسيناريو مختلف، إلا أن النتيجة واحدة؛ تطرف ديني.[c1]تنافس ديني..[/c]في مديرية "المعلا" هناك تنافس ديني كبير، يوجد مسجد يُعرف بـ"مسجد الصومال" وهناك عديد من المساجد تتبع "حزب الإصلاح" تعمل يومياً على استقطاب الأطفال والشباب -أغلبهم في حلقات الإجازة الصيفية حيث تقام دورات يتم فيها تعلم القرآن الكريم- ويظل الشباب الذي يشارك في تلك الحلقات يتدرجون في المستويات حتى يجدوآ أنفسهم يرتادون مقرات "حزب التجمع اليمني للإصلاح" فيما كان يقال لهم إنهم سيتعلمون الكتاب والسنة "خشية من الضياع" بحسب مرتادي تلك الحلقات.
واستطاعت "الجماعة السلفية" ارسال العشرات من أبناء عدن لتعلم الدين في مركز "دماج" الواقع في "صعدة" واستطاع "أنصار الشريعة" على استقطاب الكثير من الشباب إلى صفوفها يعملون حالياً كخلايا نائمة داخل "عدن" وحين تتجول في المدينة تستطيع أن تميزهم بأشكالهم ومن لباسهم؛ حيث هناك لباس يميز كل جماعة دينية عن غيرها.الفقر والبطالة جعل من شباب "عدن" فريسة سهلة للاستقطاب الديني المتطرف، وخلال تواجد "أنصار الشريعة" في "أبين" عملوا على تدريب واستقطاب المئات من الشباب للجهاد في سبيل ونصرة الدين الإسلامي - أغلبهم من عدن وشبوة وحضرموت- وقد استطاعت الجماعات الدينية التي تعمل بشكل دؤوب على تجنيد الشباب العاطلين عن العمل.[c1]سيناريو الجهاد في سوريا..[/c]عمار 25 عام شاب آخر استطاعت الجماعات الدينة استقطابه وتأهيله لسنوات عديدة بحجة "تعلم القرآن الكريم والسنوة النبوية" إلا أنه وجد نفسه مؤخراً في مقر "حزب الإصلاح" ليفاجأ بإخباره أنه "من الشباب الذين تم اصطفاؤهم للجهاد في سوريا" وقد "تم اختياره بعد أن شهد له بالالتزام وحسن الخلق" هكذا أخبره أستاذه في حلقات الذكر.أخبرني عن خطورة الوضع وعن سياسة الإصلاح المرتبطة بالدين أثناء عملية استقطاب الشباب، وعديد من التساؤلات ظهرت على وجهه فقال "رغم التزامي بكل ما تعلمته وموافقتي على كل الأمور التي كانت تقال لي؛ لم يكن من السهل أن أقبل بفكرة الذهاب للجهاد في سوريا".وأضاف في حوارنا الذي جمعنا ليلاً في أحد شوارع "المعلا" الخلفية "قلت لأستاذي: لماذا لا تذهب أنت لتجاهد، وفي هذه اللحظة وجد أستاذي نفسه في حيرة كبيرة وتردد كثيراً قبل أن يقول: مهمتي تتلخص في إعداد المجاهدين، مضيفاً أنه لو ذهب فلن يبقى أحد ليعلم الناس ويؤهلهم للجهاد".يستطرد عمار في حديثه" بعد شعوري بالقلق والخطر انقطعتُ عن حلقات الذكر، وتهربت من الجماعة التي كانت تسأل عني بشكل متواصل بأن أخبرتهم أني في حالة مرضية وأن أسرتي تعاني الكثير من المشاكل خصوصاً أني عائلها الوحيد".قبل أن ينقطع تماماً عن الحلقات أخبروه أن "يكتم السر ويحذر من قول ما يعرفه للآخرين؛ كون ذلك سيعرقل عملية الجهاد في سبيل لله" فيما يؤكد أن العشرات من شباب "عدن" تم نقلهم عبر "تركيا" للجهاد في "سوريا" أغلبهم تم تغريرهم دينياً وآخرون عرضوا عليهم الأموال.أيضاً؛ ليس "عمار" هو الوحيد الذي مر بهذا السيناريو المختلف عن السيناريو الأول، ويمكن للجميع التخيل كم من الشباب الذين يتم استقطابهم للموت وخدمة الجماعات باسم الدين.[c1]تكسير ممتلكات عامة..[/c]في الجوار من "جزيرة العمال" هناك "كورنيش" تعرض للتخريب على أيدي "جماعة جهادية" اقدمت على تكسير مقاعده التي تمتد من "جزيرة العمال" حتى بداية "المعلا" وهي كراسي دائماً ما يرتادها الشباب.تم تكسيرها بحجة أنها "كراسي اختلاط" وحين تذهب إلى هناك يصعب عليك أن تجد كرسياً سليماً لتقضي فيه بعض الوقت أمام البحر، وقمنا بتوثيق ذلك بالصور.وفي نفس المكان، وبشكل يومي، يتعرض أشخاص يستقلون سياراتهم للمضايقة والمساءلة من قبل "ملتحين" حتى وصل الأمر بهم الى أن يوقفوك ليسألوك عن الفتاة التي برفقتك وماهي قرابتك بها، وعلى هذا النحو تسير "عدن" لتتحول إلى بؤرة للجماعات الجهادية وجماعات الدعوة، فيما يظهر أن لها أهدافاً أكبر من الدعوة والجهاد.[c1]مضايقات مستمرة..[/c]
بحسب ناشطة في المجتمع المدني فإن مضايقات كثيرة وتهديدات تتعرض لها فتيات بسبب لباسهن الذي يقال لهن أنه "غير شرعي" وتنتشر الإشاعات عن تعرض فتيات للرش بمادة "الأسيد" بسبب وضعها لمساحيق التجميل، هذه الإشاعة أدت لأن تعمل أغلب الفتيات على ارتداء النقاب على غير العادة.وعلى نفس السياق تجد على جدران بعض الشوارع وفوق الباصات؛ منشورات توعوية توضح "اللباس الشرعي للنساء" تلك الملصقات موقعة باسم جماعات لم تكن معروفة من قبل وظهورها يشكل عامل قلق لدى المواطنين، لاسيما الفتيات.وضع مخيف تعيشه "عدن" في ظل تنامي الجماعات المتشددة التي تشاهد أنصارهم يجوبون كل الأماكن. ويرعبون الناس بتصرفاتهم، فمثلاً، يتكرر حادث اقتحام متشددين لـ"جامعة عدن" وقبل أيام اشتكى طلاب من "كلية الشريعة" أن متشددين -يقال انهم من أنصار الشريعة- هاجموا الكلية وحذروا الطلاب من "عملية الاختلاط بالطالبات" ويقولون أن ذلك الأمر منكر، وأن المرحلة القادمة هي "مرحلة العفاف".[c1]جماعات دينية مسلحة..[/c]إلى جانب الدعوة ومدارس الذكر والحلقات فإن الجماعات الدينية لا تُغفل مسألة أن يكون لديها ترسانة من الأسلحة، ويتحدث أكثر من مواطن عن أسلحة تصل بشكل منظم لتلك الجماعات فيما يبدو أن تحولات عنيفة قد تشهدها حاضرة مدن اليمن قادم الأيام.ويقول ناشطون أن الضعف التنظيمي في "الحراك الجنوبي" جعل تلك الجماعات تستغل شعبية "القضية الجنوبية" لتحقيق أهدافها، وتعمل على محاربة الحراك من الداخل بحجة أن أغلب قياداته "ماركسية واشتراكية".وبشكل عام فإن فقدان "حزب الإصلاح" للقاعدة الجماهيرية التي تلتف حول الحراك الجنوبي، جعله يستغل ضعف الأخير التنظيمي؛ للعمل بوتيرة أقوى؛ مستغلاً منابر المساجد لخدمة أجندته الخاصة، وبات يجند شباباً جنوبيين وباسم الدين لتحقيق أهدافه السياسية.وفي ظل الوضع الصعب الذي يعيشه أبناء المدينة وبسبب تدني الوعي لديهم؛ بات من السهل على أي جماعة أو حركة استقطاب المئات لصفها لاسيما مع صعوبة حصولهم على قوت يومهم؛ ومع فقدان الأمل بتحسن الأوضاع المحلية فإنهم يجدون أن الموت بميدان الجهاد في سبيل الله للظفر بالجنة أهون من الموت جوعاً أو الانتظار طويلاً لوضع لن يتحسن.واذ يربط المواطنون بين انتشار هذه الظاهرة في ظل تحكم حزب الاصلاح بأهم مفاصل السلطة المحلية، فانهم يشعرون بالقلق إزاء الحرية الواسعة التي يمارس فيها المتطرفون قناعاتهم في المتنفسات التي تطل على شواطئ البحر، خصوصاً في ظل انقطاعات الكهرباء التي تدفع بالعوائل إلى المتنفسات البحرية هرباً من حرارة الصيف ومعاناة انقطاع التيار الكهربائي التي تمتد لساعات طويلة، ولكن الجماعات المتطرفة تنتظرهم هناك بالمرصاد.ولذلك يتساءل المواطنون والمواطنات بصوت عال: متى تتوقف الاعتداءات على العوائل في متنفسات مدينة عدن .. ومتى تخرج اجهزة السلطة المحلية عن صمتها المريب إزاء الجماعات التي ترتكب هذا الارهاب المنظم والممنهج.ومتى تقوم السلطة المحلية بواجبها في حماية المواطنين واصلاح الكراسي المحطمة وإعادة الطمـأنينة إلى زوار المتنفسات البحرية التي هجرها المواطنون بعد ان اصبحت متنفساً للكلاب الشاردة .. ولله في خلقه شؤون.
صورة توضح الكراسي التي حطمها المتطرفون في ظل صمت السلطة المحلية، حيث هجر المواطنون المتنفسات البحرية لتصبح متنفساً للكلاب الشاردة.
نماذج من الملصقات التي تنشرها الجماعات المتطرفة في عدن
نماذج من الملصقات التي تنشرها الجماعات المتطرفة في عدن