رواية
الفصل الأول / الجزء الثانيسرت فترة طويلة من الصمت ، حتى انتبهت إلى أنني مازلت احمل الطفلة التي تململت بين يدي فأعدتها على الأرض لتكمل اللهو بألعابها وكأن شيئا لم يكنلاتخذ مقعدا وأنا أتطلع إليها صامتاً ... فتنحنحت هند في حرج وهي تتمتم :-ماذا تحب أن تشرب يا أستاذ مدحت ؟أجبتها في خفوت :-أشكرك يا هند، ولكنى لا ارغب في شيءهزت رأسها نافية في قوة وهي تجيبني :- وهل هذا معقول ؟! .. بعد كل هذه السنين وتأتى إلى منزلنا دون أن تتناول شيئاً في منزلنا ... سأعد لك قدحاً من القهوة التي تحبهاودون أن تنتظر الرد ... انصرفت مسرعة باتجاه المطبخ ، ودون أن اسألها عن سبب علمها بحبي إلى أقداح القهوة مستسلما للشرود في وأنا أتحسس الأريكة سابحا في بحر الذكريات، وارتسمت شبح ابتسامة على شفتي وأنا استرجع ذكريات الماضي البعيد عندما كنت شابا في الجامعة في إحدى أيام الصيف اجلس على نفس الأريكة بقميصي الأبيض الناصع، وأنا اقلب في صفحات الكتاب الذي كنت أقوم بشرحه لإسراء بحجة صعوبة المواد التي اشتكت منها دائماً، وكانت هذه هي النقطة لنجلس بجانب بعضنا البعض، ونلتصق.. وأنا اشرح لها الأمر في سرعة خاطفة لنتهامس ، ونتبادل عبارات الحب .أتذكر ذلك اليوم جيداً ... عندما كانت تريدني أن أراجع معها المراجعة النهائية لليلة الامتحان وفوجئت بها تأتى بكوب من عصير المانجو الذي اعشقه .... وتلتصق بي في شدة، حتى سرت قشعريرة في جسدي لأجدها تميل إلي حتى كادت شفتاها أن تلمس شفتاي وهي تخبرني :-لقد انتهيت فعلا من المراجعة ، ولكنى اشتقت إليك كثيراتململت في جلستي معترضا ولكنها وضعت يدها على فمي وهي تهمس في صوت رخيم :-أردت أن أجدك بجواري في تلك الليلة ، الجميع في الخارج لحضور فرح ابنة خالي محمدوما أن وضعت شفتيها على عنقي، حتى أنهلت عليها بدوري بالقبلات على شفتيها وعنقها وأنا أتحسس نهديها في نشوة وحب ... وفي حركة عصبية ... فتحت أزرار القميص لاشاهد النهدين المشدودين من فرط النشوة ... و-أستاذ مدحت ؟انتفض جسدي وأنا اخرج من ذكرياتي لألتفت إلى مصدر الصوتلأجد هند تقف امامى ممسكة بالصينية ، وتنظر إلي في حيرةتململت في جلستي في حرج بعد انتشلتني عند تلك النقطة وأمسكت بقدح القهوة لأرشف منه رشفة صغيرة واضعها على المائدة الرخامية التي أمامي:-ماذا عن إخبارك يا هند ... اخبرينيابتسمت هند وهي تقول :-لا شئ ، اننى في العام الأخير من الجامعة، ادرس في علم الآثار وأكمل دراستي في مجال الكمبيوتر نظرت إليها متأملا ملامحها قليلا ثم سألتها :-وماذا عن حياتك العاطفيةاتسعت عينا هند للحظات وهي غير مستوعبة للسؤال ، وشعرت بالحرج الشديد يعتريها فأطلقت ضحكة صافية لتلطف الموقف قليلا وأنا أغمزها بعيني قائلاً : -لا تقلقى، لن اخبر احد بالأمر .... ابتسمت هند في خبث وهي تقول :-بالطبع لن تقدر ، بعد قصة الحب الطويلة التي كانت بينكمارتفع حاجبى في دهشة ، فلم أكن أتوقع أنها كانت تدرى بذلك التاريخ الحافل وذلك الحب الذي كان مضربا للأمثال بين مراهقين الحارة .وشهدت جدران البناية قصة العشق، التي انتهت برفض أباها المريض ( بمرض عضال في الكلية ) بأنه لا يقدر أن يتركها دون أن يطمئن عليها قبل وفاته خصوصا بعد رحيل والدتها :-أستاذ مدحت، إلى أين ذهبت ؟قالت هند تلك العبارة وهي تطلق ضحكتها المجلجلة في الردهة وهي تغمز بيعينها هي الأخرى قائلة :-يبدو انك سافرت بعيداًابتسمت وأنا التقط قدح القهوة، ليرتجف الفنجال في يدي وأنا أحاول أن أهدئ من أعصابي وفجأة ارتفع صوت جرس الباب بطريقة خاصة -طريقة إسراءفنهضت هند من مقعدها وهي تبتسم في خبث مجددا لتخبرني :-لقد وصل الحب القديموأسرعت تفتح الباب وتركتني خفها وقلبي يخفق في عنف فتحت هند الباب ولكنى أجرؤ على الالتفاف لأشاهد إسراء بعد أن سمعت صوتها، وشعرت بالبرودة في مقعدي وأنا أحاول السيطرة على جسدي ولم تخبرها هند باني موجود . ولكنى خمنت أن إسراء شاهدت رأسي البارزة من الكرسي وسمعت صوتها وهي تخبر أختها في عتاب :-هل يوجد لدينا ضيوف يا هند ولم تخبريني ؟واستدارت حول المقعد وأطلقت شهقة قوية وهي تضع يدها على صدرها وعيناها المتسعتينتأملتها في صمت ، وخفقات قلبي تعلو ، حتى اننى تخليت أنها تستمع إليها فعلاً حتى جاءت هند وهي تبتسم في خبث ماكر وهي تقول لأختها الكبرى :-نسيت أن أعرفك ... أستاذ مدحت ... هذه إسراء يا أستاذ مدحتساد الصمت أيضا بعد عبارتها فتنحنحت في حرج لأكسر الصمت وأنا اسألها :-كيف حالك يا إسراء؟ارتفع حاجبا إسراء في تأثر وهي تمد يدها لمصافحتي فوضعت قدح القهوة في سرعة وأنا أقف لأمد يدي في سرعة لأصافحهاوتلامست أناملنا، وسرت قشعريرة لذيذة في جسدي لثوان، وتركت هي يدها في يده برفق وطال صمتنا ونحن ننظر إلى بعضنا البعضحتى تنحنحت هند بدورها من جديد وهي تقول في حرج :-سأترككم بمفردكم ، لدى العديد من الأمور لأنجزها قبل ذهابي إلى الجامعة.وأسرعت تختفي داخل إحدى الحجرات وهي تحمل الطفلة، وظللنا كما نحن، لم نلتفت إلي هند ولا إلى الصياح التي أطلقته الصغيرة وهي تصيح معترضة على اختطافها من وسط ألعابهاجلست إسراء على المقعد المجاور لي ، وجلست اتأملها طويلا حتى تخصب وجهها بحمرة الخجل ، فاسرعت اتمتم آسفا :- معذرة هزت رأسها نافية وهي تشير الى لأتناول باقي الكوب قبل سألتنى إسراء في صوت ناعم وخافت - كيف حالك يا مدحت ؟تنهدت وانا اجيبها :- في خير حال ... المهم ماهى أخبارك ؟لمعت دمعة صغيرة في عينها وهي تزفر مجيبة :-أنا بخيرعاد الصمت يلف المكان من جديد ، حتى هزت إسراء رأسها في قوة وكأنها تنفض أفكارها لتسألني :-ما لذي أتى بك إلى هنا اليومابتسمت وأنا أجيبها :-لا ادري، كان الأمر في البداية عبارة عن مشاجرة بيني وبين منـــ ....وبترت عبارتي فجأة وكأنني أن الوقت لا يناسب ذكر اسم زوجتيفابتسمت إسراء وهي تجيبني في مرارة ملحوظة :-اعرف انك متزوج يا مدحت ، واعرف انك لم تستطع الإنجاب لفترة طويلة من الزمن حتى زرقك الله بطفلك ساريرفعت حاجبي الأيمن وأنا اسألها بسرعة :-كيف عرفت كل هذا؟أطرقت إسراء برأسها قليلا ثم أجابت :-بعد انتهاء إجراءات الطلاق بيني وبين زوجي السابق ، عدت إلى هنا لأمكث مع شقيقتي هند، وكنت دائماً ما ترسل في طلب بعض أوراقك القديمة من منزلك، ولم يكن عم حسن البواب يعرف أين هي أغراضك، فكنت اجمع له ما هو مطلوب منه، وكان دائما ما يبلغني بأخبارك دون أن اسأل ، وكنت سعيدة بمعرفة ما يدور حولكثم صمتت قليلا ، وبدأت اشعر برعشة جسدها، فترددت قليلاًثم مددت يدي لأرفع وجهها لأشاهد دمعة ساخنة تسيل على خدها الأيمن، فأنقبض فؤادي وتمنيت أن أضمها إلى صدري كما كنت افعل فيما مضى ...ولكنها نهضت فجأة وهي تمسح دمعتها في سرعة لتسألني:-هل ستتناول الغذاء معنا ، اننى سوف أعد اليوم طبقك المفضل اعترضنها في سرعة :-كلا يا إسراء ، لن أقد...قاطعتني في حزم :-هذا أمر، اذهب لتسترح في شتقك قليلاً وسوف أدق عليك الجرس عندما انتهى من طهي الطعاموأسرعت إلى الطاولة المقابلة لباب الشقة لتلتقط تلك الأكياس من على الطاولة وهي تصيح في لهجة مرحة :-أمازلت هناك ، هيا اذهب واتركني لعملي الآنوتركتني بمفردي في ردهة المنزل كالمسحور، ثم التقطت جهاز المحمول الخاص بي وتحركت إلى باب شقتيوما أن أغلقت الباب ، بدأ إحساس من نوع آخر يغمرنيويكتنفني من رأسي وحتى أخمص قدميإحساس غامر بالفرحة ...والغريزة ...يتبع.....