لو القينا نظرة فاحصة في الواقع الاجتماعي الذي نعيش فيه، لرأينا كثيراً من الناس الذين أصيبت أجسامهم وحواسهم بعدد من الأمراض والعاهات المختلفة، وأصبحوا في حالة يرثى لها، من الضعف والعجز وعدم القدرة على العمل، وتحمل أعباء الحياة وتكاليفها، ومن هؤلاء: العميان، وضعاف البصر، والصم والبكم، والصرعى، والمجانين، والمعتوهون، والعاجزون بسبب ضعف البنية أو الشيخوخة، وذوو العيوب الكلامية كالتهتهة وعدم القدرة على النطق، إلى جانب أصحاب الأمراض المزمنة التي لايرجى شفاؤها.إن هؤلاء العاجزين وأصحاب العاهات، وما يندرج في نطاقهم من المعوقين على اختلاف أشكال الإعاقة لهم حقوق على المجتمع والدولة واجب توفيرها، فهؤلاء يجب أن يلقوا من الدولة، وذوي اليسار في المجتمع كل الرعاية والعطف والرحمة، تحقيقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الله، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء (رواه الترمزي وأبو داؤود) وقوله صلى الله عليه وسلم: "ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (رواه البخاري).لذا يجب أن تتضافر جهود المجتمع والدولة في تحقيق العيش الأفضل لهؤلاء المعوقين، حتى يشعروا بقيمتهم في الحياة، ويحسوا أنهم في ظل الإسلام هم محل العناية الكاملة والاهتمام البالغ من قبل الدولة والمجتمع على حد سواء.غير أن واقع الحال في مجتمعنا اليمني يعطي صورة أخرى مغايرة لما يريده الإسلام، فبعض الناس في مجتمعنا للأسف يسيء معاملة هذه الفئات من حيث يظن أنه ينفعهم، وأكثر من يتعرض للإساءة من فئات المعوقين هم الأطفال، الذين بسب إعاقتهم يتعرضون لكثير من الإساءات من الأقارب قبل الأباعد، فتمتهن كرامتهم، وتضيع حقوقهم، إذ يتخذهم بعض أقاربهم وسيلة للتسول والحصول على المال عن طريق استدرار عطاء الآخرين والتأثير في عواطفهم الجياشة بالرفق والرحمة والحنان.وليت الأمر يقتصر على مجرد التسول عن طريق استغلال الإعاقة الحاصلة بإرادة إلهية ، بل يتعدى ذلك إلى إحداث إعاقة متعمدة لغرض إفقاد الطفل القدرة على الحركة أو الرؤية أو السماع أو نحوها، بما يعني أنهم يحيلون الطفل السوي إلى طفل معوق ليبقى عاجزاً طوال حياته، وغير قادر على تأمين حاجاته بنفسه بصورة طبيعية، مما يضطره للاستعانة ببعض الناس الذين لا ضمائر لهم، ولا دين، ممن يحلو لهم أن يستغلوا ضعف المعوق لتحقيق مكاسب مادية، حيث يلجأ بعضهم إلى احداث إعاقة متعمدة إذا لم تكن في الطفل إعاقة خلقية، ثم يتجول به في الشوارع ويعرضه على الناس في الأسواق والساحات، وعند أبواب المساجد لاستدار عواطف الناس، بحجة مساعدة المعوق.ومما يؤسف له أن استغلال إعاقة الطفل انتشر في مجتمعنا انتشاراً واسعاً، حتى غدا ظاهرة اجتماعية خطيرة، مما يعرض الطفل المعاق إلى الاذلال والمهانة وإلغاء الكرامة، بسبب غياب الدولة وتهاون المجتمع، وجهل الناس بالشريعة الإسلامية التي تحرم الاستغلال بمختلف أشكاله وألوانه، فكيف الحال بمن يستغل إعاقة بعض الناس لكسب المال، علماً بأن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد أصدرت قراراً في 9 ديسمبر 1975، ينص في بعض مواده "على أن للمعوق الحق في أن تحترم كرامته الإنسانية وله أيا كان منشأ التعويق وطبيعته وخطورته نفس الحقوق الأساسية التي تكون لمواطنيه في مثل سنه" أي أن للمعوق الحق في التمتع بحياة لائقة كريمة.فإذا كان من حق الطفل السليم أن يدخل المدرسة ليتعلم، فمن حق الطفل المعاق أن يتعلم مثله، وإذا كان من حق الطفل السليم أن يلعب فمن حق الطفل المعاق أن يلعب أيضاً، وهكذا بقية الحقوق.وللعلم فإن التشريعات الدينية والدولية تعطي للمعوق الحق في التدابير التي تستهدف تمكينه من بلوغ أكبر قدر ممكن من الاستقلال الذاتي، والحق في العلاج الطبي والنفسي، والحق في الحصول على الأعضاء الصناعية، والحق في التأهيل الوظيفي وفي التعليم.ولذا من واجب المجتمع والدولة العمل على تدريب المعوقين وتأهيلهم مهنياً، ومساعدتهم في إنماء قدراتهم ومهاراتهم إلى أقصى الحدود والعمل على إدماجهم في المجتمع، ومنع استغلالهم بأي وسيلة من وسائل الاستغلال.وتؤكد شريعتنا الإسلامية الغراء أن للمعوق الحق في الأمن الاقتصادي والاجتماعي والحق في العيش في مستوى معيشة لائقة به حسب قدراته ومهاراته وله الحق في مزاولة مهنة مناسبة ومريحة والحق بالاحتفاظ بعمله والاستمرار فيه مهما كانت درجة إعاقته.فماذا سيكون حال المعوقين في مجتمعنا لو وجهت أموال الزكاة والصدقات لإنشاء مؤسسات خيرية تعنى بالمعوقين؟ماذا سيكون حال الطفل الأعمى لو وجهناه نحو تلقي العلوم النافعة؟ أليس من الممكن أن يكون شاعراً كالمعري؟ أو كاتباً كطه حسين؟ أو عالماً كالبيحاني؟ماذا لو وجهت أموال الزكاة والصدقات في مجتمعاتنا الإسلامية لفتح معاهد خاصة لتدريب المعوقين على الصناعات اليدوية بحسب قدرة كل منهم؟.ماذا لو اعتنى المجتمع بالمعوقين على اختلاف إعاقتهم أليس من الممكن أن تزول عن هؤلاء عقد مركب النقص والشعور بالضعف؟ أليس من الممكن أن يكون هؤلاء لبنات صالحة في هيكل المجتمع؟ وأعضاء نافعين في جسم الأمة؟.من أجل ذلك، علينا أن نشجع الجهود المبذولة لإنشاء مؤسسات خيرية لمساعدة المعوقين والوقوف بحزم ضد أولئكم الذين يستغلون الإعاقة للتسول وامتهان كرامة المعوق، فلنكن جميعاً عوناً للمعوق لا مستغلين إعاقته للتسول.والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " إن لله خلقا خلقهم لحوائج الناس، يفزع إليهم الناس في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله".
أخبار متعلقة