عامر علي سلام فوزإن أهمية الإعلام العربي اليوم في ظل الطفرة الحضارية الجديدة لعصر المعلوماتية في ثورة الاتصالات والقرية الكونية الواحدة أصبح محركاً للأحداث فيها ومقياساً لتحضر الأمم وتقدمها ورقيها، بل ومحدداً لتوجهاتها وسلوكياتها، مما يفرض على القائمين عليه والعاملين فيه توخي الصدق في النقل والموضوعية في تقدير المواقف !! ولقد مر الإعلام العربي خلال الحرب الخليجية على العراق بتجربة عملية .. كانت لها آثارها على الإعلام العربي وتداعياتها عليه .. حيث انحرفت بعض الأجهزة الإعلامية وراء الأهواء .. ولم تتسم بالمصداقية والموضوعية وساهمت تلكم التداعيات في تضليل المواطن العربي وحجب الحقيقة عن ناظريه فخلفت بذلك فجوة وجفاء بين مختلف المثقفين والإعلاميين والسياسيين في الوطن العربي.وبالنظرإلى إعلامنا العربي اليوم في ظل إحصائيات حضور وغياب الوسائل الإعلامية في المجتمع العربي ودورها أمام قضايا اقتصادية واجتماعية معقدة يعيشها المجتمع العربي بسبب الفقر أحيانا والتخلف وغياب الهوية أو انعدام التنمية العربية الشاملة .. فنجد أن الإسلام اليوم قد شهد تغييرات جذرية في العالم ولو في مظهره الشكلي العام في حين نرى الأرض العربية تموج هي الأخرى بالإحداث التي للأسف لا نراها إلا في وجه إعلامنا العربي السلطوي في البلاد العربية ـ كإعلام استهلاكي ـ للمواطن العربي في حدوده الضيقة !!لذا فإننا إذا أردنا أن نتحدث ونكتب عن إعلامنا العربي علينا أن نشير إلى بعض ملامحه بمالها من تأثيرات سياسية وثقافية واقتصادية .. وربما يظهر بشكل عشوائي وخلق في الذات نفسه تجزئة للجمهور العربي الواحد .. انطوى على مشكلات عميقة تتعلق بالهوية العربية (القومية) والإجماع القومي وتجزئة اللغة العربية (الأم) إلى لهجات وما ترتب عن تزايد الفجوة المعرفية بين طبقات المجتمع الواحد في القطر العربي الواحد .. أو في الإقليم الجغرافي لبلاد المشرق العربي والمغرب العربي !! لتظهر على السطح توليفة رخيصة من المحتوى الإعلامي في الصحف والقنوات التلفزيونية بل حتى أن هذا المحتوى شكل انفجاراً استهلاكياً بفيضان من المنتجات التافهة التي تخدر الإحساس بالواقع بدلاً من الاستجابة له لتأتي بعد ذلك لمشكلة العصر في إعلامنا العربي وهي التدفق الحر للمعلومات فحينما تسقط التكنولوجيا سلطان الدولة في احتكار المعلومات في ظل الشبكة العنكبوتية للانترنت وسباق المواقع الالكترونية المتعددة الاتجاهات والهوايات والهويات .. كما هو في الغرب إلا أنها تبدو في الوطن العربي كحقيقة تكنولوجيا أكثر منها حقيقية ثقافية اجتماعية ليس لان الوصول الى قنوات المعلومات مكلف جداً بالنسبة لقطاعات كبيرة من المواطنين العرب فقط بل لان الناس لا يعرفون مايفعلون بهذه المعلومات فليس لديهم مبدأ ينظم استخدامها بسبب شيوع الأمية التعليمية والنفسية، وتسفيه المعلومات وتوجه بعض وسائل الإعلام بها نحو الترفيه وإغراق الجمهور في فيضان من المواد الترفيهية وهذه الظاهرة لها بعدها السياسي حيث أن هذا الاستخدام الترفيهي المكثف لوسائل الإعلام يؤدي إلى تخدير الإحساس بالواقع لدى المواطن العربي بدلاً من محاولة فهمه مما يوفر حالة من السكون العام في المجتمع وهذا ماتنشده السلطات الإعلامية للحكومات العربية في الوطن العربي !!إن الحديث عن الإعلام العربي هو بالضرورة حديث عن واقع المجتمع العربي وملامحه التي تتبادل التأثر وتؤدي مجتمعه بإعلامنا العربي إلى وضعه الحالي قبل وبعد الثورات العربية الحديثة أو ما أطلق عليها بثورات الربيع العربي وهو الوضع المعقد والملتبس إزاء واقعه وإزاء نفسه أيضا .. حيث انه بحاجة إلى الدعم وشيء من هامش الحرية .. وعدد من الكوادر البشرية إلى جانب ارتباط ذلك بالتنمية الشاملة !! فالحديث عن حرية الإعلام بحاجة إلى الدعم المادي والمعنوي الذي وضع كثيراً من الوسائل الإعلامية رهن سطوة الأجهزة الأمنية أو ما تسمى في بعض الدول العربية بوزارة الإعلام أن التي جعلت كأنها وزارة الإعدام في جعل بعض وسائل الإعلام مطاردة أو محكوماً عليها بـ الصمت أو المواربة أو الضيق والتضايق فالعلاقة بين الأعلام والأمن تبدو واضحة في المجتمع العربي !! ويمكننا أن نقول أن كثيراً من المجتمعات العربية ـ بإعلامها الرسمي ـ يرزح تحت أنظمة حكم شمولية تغيب وتستبعد أية مشاركة شعبية، وتحيد أي دور لمؤسسات المجتمع المدني.. فهل يمكننا بعد ذلك أن نسال عن حرية الإعلام ؟!!كما وان مسالة الكادر الإعلامي المتخصص في البلاد العربي يكاد يكون معدوماً !! ويكاد الإعلام في مجتمعنا العربي يكون مهمة من لا مهمة له .التعليم العالي (الجامعي) في التخصصات الإعلامية، وخاصة في الجانب العملي من متطلبات ممارسة المهنة ويمكننا أن نقول بأن وزراء الإعلام العرب يجتمعون دورياً وهناك اتحاد للإذاعات العربية والفضائيات الحكومية !! مع ذلك ليست هناك إستراتيجية إعلامية واحدة بل هناك تفاوت في التوجهات من بلد عربي لآخر وربما داخل البلد الواحد بين مؤسسة وأخرى لنجد حضور وسائط الإعلام التفاعلي الأخرى كالانترنت وغيرها لايزال محدوداً رغم تأثيراته الأخيرة وانتشاره أثناء ثورات الربيع العربي وبعدها !! وأما الصحافة فعوائقها قائمة في كل بلد كانتشار الأمية الأبجدية والحضارية والتقنية فضلاً عن ضيق هامش حرية التعبير وغياب الرؤية والسياسة التحريرية الواضحة مما يشوش ويعيق إيصال الرسالة الإعلامية على الوجه الأكمل !!وإذا عرجنا إلى قضية التنمية الشاملة في المجتمع وعلاقتها بالإعلام .. نجد أنفسنا أمام حوالي (68) مليون عربي على الأقل أميون أمية أبجدية (8) ملايين طفل يتسربون من المدارس سنوياً منهم (5) ملايين فتاة ولدينا (236) مليون عربي تحت خط الفقر (83 %) من مجموع السكان ـ وتقريباً نكتشف أن مجموع ماترجمه العرب منذ عصر المأمون (العباسي) حتى اليوم لا يعادل ماتترجمه اسبانيا في عام واحد !!! ومعظم بلادنا العربية تفتقد الحرية الإعلامية .. كما ان مسألة الدعم الهادي والمعنوي للإعلام العربي تكاد تكون مبعثة لليأس، حيث أن تمويل الإعلام مكلف جداً ولا يستطيعه إلا القطاع العام في أضيق حدوده أو مجموعة صغيرة جداً من رجال الإعمال وسواءً كان التمويل حكومياً أو خاصاً فان الممول يفرض أجندته ومحاذيره على حساب مهمته واستقلال وموضوعية الوسائل الإعلامية ومفهوم أن تغييب هذه الشروط يلغي وجود الإعلام أصلا كما ان ضعف سوق الإعلان العربي يجعل من ارتباط الإعلام العربي بالقطاع العربي الحكومي ضرورة لا خياراً .. كإعلام سلطة حاكمة في كل قطر عربي يتباهى بإنجازاته ويحافظ على مكانته أمام مواطنيه وأمام العالم بصور مختلفة !!وتكتمل الصورة الإعلامية للإعلام العربي في ضعفه وتفككه رغم القاسم المشترك الأوحد لديه وهو اللغة التي لا زالت مغيبة إلا في النشرات الرئيسية أو في بعض الأحيان .. هذه الصورة المأساوية عن تفكك الإعلام العربي وضعفه واختلافه حتى في تركيبة أدائه، حيث لا شيء يجمع بين الإعلام في الدول العربية سوى وجود وزارات للإعلام وهذه الوزارات عبارة عن حقائب وزارية .. ووزراء يجتمعون ولا يتفقون، وإذا اتفقوا اعتمدوا مبلغاً هزيلاً لدعم إعلامهم لا يساوي مبلغ اجر ثلاثة مذيعين عالميين (أي خمسة ملايين دولار) !! أو مايدفع لحملة إعلامية واحد في البلاد الغربية !! وهم في أفضل الحالات يتفقون على كبت الحريات الإعلامية والحد من الفضائيات المعارضة في بلادانهم !! فمثلاً بسيطاً ـ الإعلام في داخل الخليج العربي مختلف وغير متفق حتى في تركيبته، فالإعلام السعودي مختلف شكلاً وأداء عن مثيله الكويتي ، كذلك الحال مع الإعلام القطري الذي يغني موالاً بعيداً عن اللهجة الخليجية بالمرة .. فيأتي بقناة الجزيرة الإخبارية لتتناول أخبار العالم العربي وتحلله وأخبار الدنيا ولم تنتقد قط حالة من حالات السياسة في دولة قطر فقط نشاهدها ونسمعها بأنها من الدوحة ـ قطر !! كذلك هو الحال في الإعلام المصري الذي بدأ يأخذ مناحي كثيرة مختلفة ومختلطة بعد ثورة 25 يناير ولم يستقر بصورته الطبيعية مع زيادة القنوات المصرية .. كذلك في الصحافة وتنوع فضائياتها المسموعة والمقروءة !! وكذلك الحال في الإعلام العربي لدول عدة مثل الأردن والمغرب وتونس وليبيا والسودان ولبنان وفلسطين والعراق وسوريا التي لها وضعها الاستنائي اليوم في الحرب القائمة فيها .. والتي أكلت الأخضر واليابس كما يقال ؟!!ولازلنا نعلق فشلنا في كثير من الأمور ومنها إعلامنا العربي .. بواقعه وطموحاته وآماله بأنه إعلام مأزوم منذ بداية المشروع الصهيوني .. ولن تقوم لنا قائمة إعلاميا إلا إذا تخلينا عن الدعاية الكاذبة، وخرجنا من الخنادق الإعلامية الضيقة وكففنا عن سد المنافذ أمام إصلاح إعلامي !! لنكتشف اسوأ الأمور فينا حينما نعلم أن الإعلام هو انعكاس للمستوى الفكري والاجتماعي والثقافي للشعب الذي ينتجه وإعلامنا يصورنا أننا امة من الرعاع لا حول لنا ولا طول !! يرسم الاميركان لنا سياساتنا (...........) ونحن حقيقة ضحايا بعضنا بعضاً وفقدنا الأمل في الإصلاح أو في أن نشكل رقماً في الصراع العربي ـ الإسرائيلي حتى في الكلام والإعلام !!لان كل أفاق (كاذب) أو خارج عن القانون صار يستخدم القضية الفلسطينية ذريعة !!فالإعلام العربي اليوم يقف أمام تحديات الآمال والطموحات لصناعة خاصة هي الصناعة الإعلامية التي لازلنا نجهل مفاتيحها الأساسية في صناعة المعلومة في السيطرة على التقنيات الحديثة والاستفادة منها بشكل امثل .. وفوق هذا وذاك احتلال الفضاء الإعلامي ولو حيزاً ينافس الآخرين !! او يثبت للعالم بان هناك أمة عربية مسلمة لها كيانها في الوجود والفكر والسياسة والاقتصاد ولها إمكانيات الريادة في المستقبل في حكر الرسالة الإعلامية .. طالما أننا توحدنا في اللغة وفي الرسالة السماوية الواحدة عقيدتنا الإسلامية الواحدة .. نستطيع أن نتحدى العالم وان ننافس بوجودنا أي وجود آخر ..
|
ثقافة
الإعلام العربي بين الواقع والتحدي !!
أخبار متعلقة