علي عبدالله الدويلةيعد الشاعر والأديب الراحل عبدالله البردوني من قلائل المبدعين عموما في اليمن الذين حملوا الهم الإنساني من الناحية الفردية والاجتماعية والسياسية فقد عاش في مدينة صنعاء ضريرا وحزينا نتيجة الهموم والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية الخانقة التي تعيشها اليمن في ظل الظروف الصعبة المفعمة بالقساوة والهزال في القرن العشرين ، تعلم القراءة والكتابة في الكتاتيب والمدارس الدينية المحلية وبدأ قراءة الشعر والتاريخ في الثلاثينات والأربعينيات من العمر وصدر له أول ديوان شعر في عام 1961م وكان بعنوان ( من ارض بلقيس) ثم توالت مؤلفاته ودواوينه الشعرية وكتاباته العامة ومنها دواوين ( في طريق الفجر ومدينة الغد ولعيني بلقيس والسفر إلى الأيام الخضر ووجوه دخانية في مرايا الليل وزمان بلا نوعية وجواب العصور ورجعة إلى الحكيم بن زايد والثقافة والثورة في اليمن )لقد كان الشاعر الراحل عبدالله البردوني في بداية مشوار كتاباته في دواوين الشعر والنثر مجهول الهوية ولكنه عندما شارك في العديد من الندوات والمهرجانات الشعرية نالت نتاجاته إعجاب الوطن العربي والعالمي وفاز بالجائزة الأولى بمهرجان ( أبو تمام) الذي عقد في العراق بمدينة الموصل عام 1972م وفيه قال قصيدته الشهيرة ( أبو تمام وعروبة اليوم) وقد نظمها على منوال قصيدة أبو تمام الشهيرة: [c1]السيف اصدق أنباء من الكتب.. في حده الحد بين الجد واللعب بيض الصفائح لاسود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب فقال البردوني : ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي مليحة عاشقها السل والجرب حبيب وافيت من صنعاء يحملني نسر وخلف ضلوعي يلهث العرب ماتت بصندوق وضاح بلا ثمن ولم يمت في حشاها العشق والطرب كانت تراقب صبح البعث فانبعثت في الحلم ثم ارتمت تغفو وترتقب حبيب تسأل عن حالي وكيف أنا شبابه في شفاة الرع تنتحب قبري ومأساة ميلادي على كتفي وحولي العدم المنفوخ والصخب [/c]رحم الله الشاعر عبدالله البردوني الذي ستبقى قصيدته الشهيرة شهادة حية ووثيقة دامغة تحكيها بها الأجيال القادمة من خلال عيون الشعر العربي التي أنجبها القرن العشرون بكل مآسيه وخطاياه كما أن قصيدته العصماء الشهيرة انتقدت النظام الفاسد ومخلفات رواسب الماضي البغيض المتخلف في اليمن القائم على القهر والظلم والاستبداد واضطهاد الإنسان لأخيه الإنسان وأعطت درساً قاسياً لكل المتطفلين على الشعر والأدب وحضوصاً السياسيين من تابعي السلطة ولكن بعد تغيير النظام في اليمن ارتفعت أصوات الكثير من الأدباء والمفكرين المطالبة بالكشف عن مصير الكتب غير المنشورة وسرعة توثيق تراثه الثقافي وحمايته من الضياع والتحريف وتناشد باستمرار وزارة الثقافة والإعلام بتحمل مسؤوليتها تجاه إخراج تراث دواوين الشاعر الراحل عبدالله البردوني إلى النور وفك الحصار المفروض على مكتبته ومؤلفاته ومخطوطاته التي لم يعرف مصير معظمها حتى يومنا هذا والإسراع في حفظ تراثه وطباعة كتبه غير المنشورة وإعادة طباعة المنشور منها وتحويل منزله إلى متحف ثقافي يستفيد منه العامة من الناس. ومن المؤسف جداً أن الجهات المختصة لم تبادر لإطلاق اسمه على احد شوارع العاصمة.. كل هذه الهموم والمشاكل والتساؤلات التي تتكرر في كل عام من ذكرى رحيله تجلت من خلال الحملة الإعلامية الكبيرة التي تبخرت بإعلان وزارة الثقافة والإعلام عن الاتفاق مع ورثة الشاعر الراحل عبدالله البردوني لأجل شراء منزله الكائن في بستان السلطان بمدينة صنعاء لتحويله إلى متحف وطباعة ديوانيه غير المنشورين وهما رحلة ابن شاب قرناها والعشق على مرافئ القمر ولم يبق من تراث البردوني سوى هذين الديوانين.. فما هي الأسباب التي جعلت تراث هذا العلم الكبير مجهول المصير ومن الأيدي الخفية وراء اختفاء دواوينه؟ ولكن قبل رحيل البردوني تحدث في أحاديث صحفية عن كتب تحت الطبع في مقدمتها ديوانان شعريان كان قد استودعهما كاتبه محمد الشاطبي للمراجعة قبل إرسالهما إلى المطبعة وكما تقول أرملته الجرافي حول المنزل الكائن في الحي السياسي بصنعاء بأنه ملكها بينما المنزل الكائن في بستان السلطان بصنعاء القديمة ملك زوجها ونتيجة الخلاف الذي طال في المحاكم تؤكد أرملة البردوني بأنها جمعت مكتبته ومؤلفاته ومخطوطاته ووضعتها في منزله بحي بستان السلطان الذي صار تحت تصرف ابن أخيه باستثناء الديوانين اللذين بقيا في حوزة محمد الشاطبي ومنذ رحيل الشاعر عبدالله البردوني لم تقم وزارة الثقافة والإعلام بأية جهود لأجل الحصول على نتاجات الشاعر لتوثيقها وحمايتها من الإهمال والضياع واكتفت بخطابات وجهتها للورثة لتسليم الديوانين المخطوطين، والأكثر غرابة أن تنتهي جهود الوزارة مؤخراً بتوقيع اتفاق مع الورثة يشمل طباعة الديوانين سالفي الذكر وشراء المنزل لتحويله إلى متحف وهو الاتفاق الذي لم يول اهتماماً في حياته.لقد ترك الشاعر والأديب الراحل عبدالله البردوني تراثاً شعرياً ونثرياً خالداً وبصمات رائعة تحكي عنها الأجيال، وعن الكتب غير المنشورة للشاعر نورد شهادة الشاعر والناقد علوان مهدي الجيلاني وهو من أهم تلاميذ البردوني وجلسائه حيث يؤكد أن عبدالله البردوني تحتوي مكتبته على كتب نثرية غير الدواوين ويؤكد الجيلاني بأنه شاهد إنجازها ورآها بعينيه وسمع من البردوني حديثاً عن كتاب بعنوان الجمهورية اليمنية وكتاب آخر بعنوان الجديد والمتجدد في الأدب اليمني إضافة إلى سيرته الذاتية.ويقول: هناك نوع من التراخي والمزاجية لتغييب كتب البردوني لأسباب كثيرة أبرزها سياسية، فكتاب الجمهورية اليمنية شهدت كثيراً من فصوله وهي تنجز قبل وفاته بفترة قصيرة وهو جاهز بالملفات لكي ترسل إلى المطبعة.ولكن الغريب أن الكتب النثرية الثلاثة التي أكدت عليها شهادة علوان الجيلاني اختفت مع وفاة عبدالله البردوني مباشرة بمعنى أنها لم تكن مخزونة بجانب الكتب والمخطوطات في منزله بحي بستان السلطان ويؤكد هذا عدم العثور عليها من قبل اللجنة المشكلة لحصر ما توفر في المنزل.من جانبه يؤكد خالد محمد الشاطبي استعداده لتسليم الديوانين لطباعتهما بالكمية والطريقة التي كان يطبع بها البردوني أعماله ولا يريد مقابل ذلك شيئاً مؤكداً نقلاً عن أبيه الذي يتجاوز عمره التسعين سنة أنه مازال للبردوني كتب أخرى مخطوطة غير الدواوين منها كتاب الجمهورية اليمنية والسيرة الذاتية وغيرها كانت في منزل البردوني قبل وفاته.ومن هذا المنطلق والأهمية يأتي دور وزارة الثقافة والإعلام الحقيقي والمشرف في الاهتمام بالمبدعين من الناحية المادية والمعنوية والحفاظ على دواوين الشعر وكتب النثر ونشر الثقافة الإنسانية عبر الصحف والمجلات والكتب الثقافية وغرس المفاهيم والقيم والمثل العليا في نفوس المواطنين وحتى لا تضيع الثروة الإبداعية جراء الإهمال والتسيب.
|
ثقافة
رؤية ثقافية في تراث الشاعر الراحل عبدالله البردوني
أخبار متعلقة