محمد حسنين هيكل في حوار جــــــديد مع برنامج ( مصر إلى أين ) :
واصل الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، حديثه ببرنامج «مصر أين ومصر إلى أين؟»، الذى يُذاع على شاشة «سي بى سي» مع الإعلامية لميس الحديدي، و تناول في الحلقة الخامسة يوم أمس الأول الخميس الأحداث الراهنة التي تعيشها مصر، من أزمات سياسية وطائفية واقتصادية.ووصف هيكل ما يجري في مصربأنها ليست فتنة طائفية فقط، بل شرارة قريبة جداً من مستودع بارود، مشيراً إلى أن ثمة طرفاً يواجه طرفاً آخر لا يفهمه، يقول أحدهم «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، من أين أتيت بها؟ لأن هذه المقولة ترجع إلى عهد الخلفاء ولم تأتِ على لسان الأنبياء، لكن كل واحد يستخدم الحُجج لتبرير موقفه. الدولة تتغير، بنيانها ومؤسساتها، لكن الدين لا يتغير، الإسلام مصحف وسيف، لكن المصحف والسيف قمع، الدنيا تتغير لكن الإخوان يرفضون تغيير ما بأنفسهم ويسعون إلى فرض ما ما يريدونه على الناس.ونظراً لأهمية ما جاء في الحديث الأخير للأستاذ محمد حسنين هيكل تعيد صحيفة ( 14 أكتوبر) نشره تعميماً للفائدة .. في كل حلقة من هذا الحوار كنا نخصصها لموضوع محورى، قضية ما يتحدث فيها الأستاذ ونعلق على الشأن الجارى، لكن هذا الأسبوع وما أحاط به من أزمات يمكن أن نسميه «أسبوع الأزمات»، فما بين الاعتداء على الكاتدرائية، وهو أمر غير مسبوق في التاريخ المصرى، وبين أزمة القضاء التي لا تكاد تنفك، وبين الأزمة الاقتصادية، نحن في أسبوع محاط بالأزمات، لذا فالأستاذ خصّص أن يتحدث في هذه الحلقة عن هذه الأزمات، ونتحدث إلى رؤيته في هذه الأزمات.-- أنتِ من اخترتِ أن نتحدث عن هذه الأزمات، ولست أنا.- دائماً الاختيارات تكون لك، وأنا أشرف بذلك.. هل احتكمت كل هذه الحلقات وضاقت بنا، ما الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه؟-- أريد أن أبدأ ببداية «أدب»، يبدو أن الأزمات تعلّم الشعب المصري نوعاً من «الأدب»، الذي شاهدناه في فيلم عن الشاعر التشيلي العظيم الذي وضعوه في المنفى، وجلس في منزل منعزل، وكان «البوسيتنو» يأتي له بجميع الجوابات الخاصة من معجبيه، وكان يحب الشعر أيضاً، فقال له في ذات يوم أريد أن تلتفت الناس لي، فقال له الشاعر التشيلى «وأنت تتحدث حاول أن تنسى الأسلوب السردي في رواية الأشياء، وحاول تأخذ الأسلوب التصويري»، هذا الأسبوع وجدت أن جميع الشعب بطلوا يحللوا الأزمة بالشكل السردي، ومن كثرة الأسى أصبحنا نحاول إيجاد أمثلة تصويرية.سألت أحد الأشخاص الكبار فيما يحدث، فأجاب: «ماتتعبش نفسك كلنا في قطار، عندنا حرية تنقل بين غرف الطعام وكبائن النوم، لكنه واخدنا كلنا على طريق ما، لم نعلم رؤيته، مش واخدين بالنا أن الناس اللي في غرفة القيادة لا يعرفون أين يذهبون، لكن المشكلة الكبرى، هي يوم يتوقف الوقود بالقطار أو يصطدم أو يصل إلى منطقة ليس بها قضبان، فيدخل بنا إلى حيث ما لم نعلم، هذا الوصف تحليلي لما يحدث في مصر.ما يحدث في مصر يقلقني جداً أكثر من أي وقت مضى، ويمكن أن نصف الوضع بشخص يضع يده داخل وعاء حلوى «وعايز يهبش أكبر قدر ممكن من الحلوى»، لكنه لم يحصل على شيء ولا قادر يطلّع إيده، نحن بالضبط السيناريو الذي نعيشه كأننا «أهل الكهف»، ناس طالعة ولم يعرفوا أن الزمن ولغة الخطاب اختلفت، لكن الإخوان جلسوا 70 أو 80 سنة هما أخدوا السلطة في ظرف معين، العملة واللغات والمقاييس اختلفت «مش داريانين أن العالم اتغير» ولم يتصوروا أن العالم تغير، ويغفلون أن أغلبية هذا الشعب حتى إن بدا لديهم اتجاه إسلامي، فالإخوان عندهم ثقافة معادية لهم مهما كانت اللحظة، فالمجتمع المصري لن يتخلى عن ثقافته، الإخوان اصطدموا مع كل العصور وقتلوا، سواء عصر السادات أو عبدالناصر أو مبارك، لذا فهم خرجوا ولم يعلموا أي شيء الناس تشك أن لديهم قدرة أو قيادة.- هل لدينا من حرّك الثورة ولم يصل إلى الحكم؟ وهل لدينا فراغ واضح؟-- في كل الثورات من يحركها، يتولى زمام الأمور بعدها، حتى يعرض برنامجه كاملاً ويستكمل الأهداف، إنما ما حدث، فرضاً لو شاركوا بـ20 % لكنهم لا يمثلون إلا قلة من الذين جاءوا لتغيير الأوضاع، واستولوا على كامل السلطة دون مراعاة للآخرين، ما يدعو إلى الأسى أن في هذا العصر وهذه الظروف، يأتي لمصر شخص لا يعلم، والناس بتشك فيه، مما يدفعه للمزيد من العناد على موقفه لأنه يتصور أنه مظلوم، المظلومية انتهت، أنا واحد من الناس اللي كنت مستعد أديهم ميزة الفرصة في أننا نجربهم، لكنهم مع الأسف الشديد لا يستفيدون من هذه الفرصة، وصلنا إلى درجة إنه بقى فيه شبه مواجهة بين طرفين.- بعد 9 أشهر من حكم الدكتور محمد مرسي، كيف تقيّم أخطاء هذا النظام.. واحنا رايحين على فين؟-- طرف يواجه طرفاً آخر لا يفهمه، يقول أحدهم «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، من أين أتيت بها؟ لأن هذه المقولة ترجع إلى عهد الخلفاء ولم تأتِ على لسان الأنبياء، لكن كل واحد يستخدم الحُجج لتبرير موقفه. الدولة تتغير، بنيانها ومؤسساتها، لكن الدين لا يتغير، الإسلام مصحف وسيف، لكن المصحف والسيف قمع، الدنيا تتغير لكن الإخوان يرفضون تغيير ما بأنفسهم ويسعون إلى فرض ما ما يريدونه على الناس.- إذا انتقلنا إلى القضاء ومشكلته المستحكمة؟ نحن لم نستطع أن نصل إلى حل، وعلى سبيل المثال قضية النائب العام؟-- ليس فقط النائب العام، في اللحظة الراهنة النظام والحكم في الوقت الحالي يرى في القضاء، خصماً ويرى في الجيش تهديداً، ويرى في البوليس أداة في يده للعجز، ويرى في الإعلام عدواً.الأستاذ مهدي عاكف من الممكن أنه لم يقصد ما قاله، لكن أفلتت منه حكاية الـ (3000) قاضٍ، حيث توجد قضية وراءها هناك ناس ترى بالمنطق العاجز أن كل من حكم ضدهم لا بد أن يخرج. اكتشفت أيضاً هذا الأسبوع أن لديهم صيغة سحرية، حيث إن ما قاله عاكف صحيح، فإذا نزّلوا سن المستشارين من 70 إلى 65 سنة، فقد أخرجوا (2200) قاضٍ، وإذا طبّقوا هذه السن لم يعد باقٍ في المحكمة الدستورية إلا 5 عند 65 سنة، وإذا نزل إلى 60 عاماً يبقى قاضيان إثنان فقط.لذا هم لديهم فكرة التحايل على الفتاوى حتى إن خالفت روح القانون والعرف، كل السلطات استعملت القانون ونصوصه لكن هنا خالفوا القوانين، حتى في الدستور الذي أخرجوه، فقد فوجئت بأحد الأشخاص يقول كل قرار أصدره «مرسي» باطل، لأنه طبقاً للدستور لا بد أن يكون لدينا التوقيع المجاور، هذا ليس وقت عبدالناصر ولا السادات ولا مبارك، هم أخذوا دستوراً آخر.الدستور الجديد الذي أخرجوه، وضعوا أمامهم دستور 23 الذي وُضع في العصر الملكي، ودستور 54 الذي وضعه «السنهورى» باشا ولم يطبّق، ودستور 71 واختاروا من كل دستور، ورفضوا أن يأخذوا من الدستور الرئاسي السابق، لكن وضعوا نظاماً شبه برلماني، وأضافوا إليه بعض مقوّمات النظام الرئاسي، لكي يعطوا للرئيس سلطة، فطلبوا من النظام البرلماني أن يكون هناك توقيع بجانب الرئيس للقوانين التي صدرت عن طريق الرئيس محمد مرسي، لكنه إذا ذهب به إلى أي محكمة فهو باطل، لأنه ببساطة ينقصه التوقيع المجاور، ألا وهو أن الرئيس يوقّع على مشروع القانون ورئيس الوزراء يوقّع أيضاً، أما الوزير المختص فإما أن يوقع وإما لا، كل ما أصدره «مرسى» أصدره على ما كان يتم العمل به في دساتير قديمة، ولكن ليس في دستوره هو، عندما تأتى أخطاء من هذا النوع وتتعسفين مع القانون وتتضعين نصوصاً، وبعدين تروحي للقضاء لازم يكون ضدك في تطبيق القانون وتأويله، لكن لم يحدث أننا وصلنا إلى أن نبحث عن فخاخ للقانون.- ماذا عن قضية النائب العام؟ مجلس القضاء الأعلى أصدر بياناً هادئاً يطالب النائب العام بالعودة إلى منصة القضاء؟-- هذا نوع من العناد والمكابرة، مكابرة من لا يعرف، لكنه يريد أن يحكم، منصب النائب العام، هذا الرجل الأمين على الدعوة العامة أمامي أدبياً ومعنوياً وإنسانياً، نحن أمام مأزق أتى من ناس أتوا زمن آخر، يرون أن الخطأ في الآخرين وليس فيهم.- إذا عدنا إلى السلطة التنفيذية بين السلطة والقضاء.. «عبدالناصر» كانت لديه أيضاً تصادمات مع القضاء؟-- لا.. لا أتفق معكِ، «عبدالناصر» في مذبحة القضاة، كما أطلق عليهم، لم تتعد الـ(40) قاضياً، هناك قضاة يحكمون بإعادة أرض الإصلاح الزراعي للفلاحين، ما يحدث الآن هو يأتي لمصلحة حزب ولم تكن هناك قضية عامة، وفيه فرق بين أن تخطئ في موضوع به فكرة عامة وهذا خطأ يمكن أن يناقش، لكن أنت أمام تصرُّف كاسح وجامح.- هل تعتقد أن النظام سيواصل عنده في قضية النائب العام أم سيجد مخرجاً قريباً؟-- أعتقد أن هناك محاولات من قبَل بعض العقلاء لإيجاد مخرج، بمقتضاه يعود النائب العام السابق إلى العمل لمدة يوم واحد، ثم يقدّم استقالته، وأن المستشار طلعت إبراهيم يقدّم أيضاً استقالته، مراعاة ولو أدبياً للنائب العام، ثم يجيء نائب عام جديد.- يزعج الناس في مصر الكلام عن الحدود والأرض، والالتباس في كلام الرئيس المصري مع الرئيس السوداني حول حلايب وشلاتين.. هذا أمر مزعج ومقلق بالنسبة للمواطن المصري.-- لا أعلم لماذا ذهب الرئيس مرسي إلى الخرطوم؟، أريد من الرئيس وفي ظل أزمة البلد أن يكون له هدف واضح أكثر من الهدف الإعلامي والدعائي، هو راح يوم واحد في أفريقيا، فقالوا لقد أعاد مصر إلى دورها الأفريقي، نريد لكل رحلة للرئيس لا بد أن يكون له مقصد منها، وتكون كل الملفات التي يمكن طرحها أمامه.أما عن موضوع حلايب وشلاتين، فهذا موضوع كان لا بد أن يُدرس، هذه منطقة قبائل بشرية تنتقل لكن لا يمكن أن خط حركة القبائل يتخطى حدود الدولة، فأنتم مع السودان، لا ينبغى أن تقوم بين مصر والسودان مشكلة على الأرض، لكن لا ينبغي أن تكون الخطط واضحة، وخطوط الحدود واضحة، ثم يأتي أحد يتكلم فيها، لأن السودان به حكومات ضعيفة تريد أن تستثير مشاعر شعبية.العصر الحديث يقتضي ألا تدرسي قضاياكِ فقط، لكن يحتم عليكِ ألا تنطقي بما لا تعرفينه، لأن ذلك سيتحدث عنه العالم، على أهل الكهف أن يدركوا أنه لم يصبح لديهم كهوف.- الجيش دائماً يظل حامياً للحدود حتى لو لم يُطلب منه أن يتدخل في السياسة الداخلية؟-- واجب الجيش أن يدافع، لكن أرجو ألا تصل الأمور بيننا وبين السودان إلى السلاح أبداً. اللي خايف منه مع تدهور الأحوال أن يتصور الإخوان أن بمقدورهم إصدار أحكام عرفية، وقد تساوره تصوراته أن يلجأ إلى إعلان حالة الطوارئ، وفى هذه الحالة سيستعين بالجيش، وهنا سيضع البلد في أزمة لا لزوم لها، لأن تصوّره أنه مش قادر يدير الأوضاع الداخلية، إذا استمرينا على هذا الطريق ففي غضون شهرين أو 3 سيتخذ الرئيس إجراءات استثنائية.نحن أمام مأزق، الأمن متدهور، لا يمضي يوم إلا ولدينا قتيل أو شهيد أو دماء في الشارع، نحن أمام رجل لا يفهم، ولا أعني بذلك الغباء، إنما أقصد أن أمامه أوضاعاً غير مهيأ لها، وكان من المفروض أن يساعده مستشاروه، لكن ما أراه أن مستشاريه عبء عليه أيضاً، وما أقلق منه أن هذا المأزق يدفعه إلى السلطة حتى نهايتها ويضع البلد في مأزق.- حضرتك سميت الاقتصاد بأنه أزمة مستقبل.. خرج أهل الكهف من الكهف، فإذا بالاقتصاد آلياته مختلفة مش بيع وشراء.. تقييمك إيه؟-- نحن في الاقتصاد في «غياهب الجب»، حتى نكون منصفين، هذه أزمة ظهرت منذ سنوات طويلة، وهم ورثوها لكنهم لم يدركوا مسؤولية ما ورثوا، الاقتصاد يسوء بشكل كبير، افتتحت مؤتمراً لرؤى المستقبل وكان لدي الشرف في ذلك، الأستاذ «صباحي» كان عنده مؤتمر، ودعاني للذهاب، لكن أذهلتني الصورة الموجودة بتقاريرها، وسمعت ناساً يقدمون حلولاً.-إذن فالمعارضة لديها حلول..-- ليس هناك بلد يملك فرد فيه أن ييأس أو ينتحر، لكن لا تملك أمة أن تنتحر أو تقارب حافة الانتحار.شيمون بيريز الرئيس الإسرائيلى، وجد زائراً أجنبياً، فقال له أنتم قلقون جداً على مصر، مصر لديها حروب أهلية نائمة وستستيقظ، الحرب الأولى حرب دينية بين عصر وبين أناس يتصورون أن لهم تفسيراً دينياً يُخرج الدين من منطقه، لأن الدين يأتي لسعادة الإنسان وليس لشقائه، ثانياً توجد أزمة اقتصادية طاحنة، وصراع اجتماعي سينتهي بحرب أهلية، ثالثاً توجد حرب أهلية بين المسلمين والأقباط، ثم قال له أنا لم أخف من ذلك على مصر، لأن كل البلاد واجهت حرباً أهلية، إسرائيل خاضت الحرب الأهلية ومصر لديها 3 حروب أهلية لا بد أن تخوضها.الاقتصاد هو علم إدارة موارد مجتمع من أجل صالح الأهل والمستقبل، إذا كانت الأحوال الاقتصادية أمامي بعض الأرقام في نسب البطالة والعجز والإمكانيات المتاحة، حتى في المساعدات، قبل الثورة كان بيجيلي أكتر ما بيجيلي بعد الثورة، مشكلتنا أنهم لم يتمكّنوا من رؤية الأزمة أولاً، ثم يجدوا حلولاً لها قابلة للتنفيذ، يوجد قرار دولي، لكن عليهم أن يدركوا أنهم المسؤولون، هم الآن يؤكدون أن الأوضاع الاقتصادية مسؤوليتهم حلها، لكن يكتشفون فيما بعد أن الحلول ليست موجودة، نحن نتحدث عن مشروعات خيالية وخطط لا تزال على الورق ولم تناقش.- ما تفسيرك في العجز عن الحلول؟-- أكثر شيء يدهشنى على سبيل المثال «آشتون»، كانت موجودة هنا ثم جلست مع الرئيس وتحدّثت معه، فسألها أحد عن الحوار مع رئيس الوزراء، فقالت إنها حدّثته عن الوضع الاقتصادي، وقالت لا بد أن يستقيم الاقتصاد في مصر ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا بحكم قوي، ولا يمكن أن يوجد حكم قوي إلا إذا شارك فيه الجميع، فسألها السفير: ماذا قال لكِ؟ فأجابت بأنه صمت ولم يعلق.. لدينا خبراء وثّقوا المشاكل ورسموا لها حلولاً، ومن قبل ذلك مستقبل مصر، نسيء إلى البلد بأشياء صغيرة.- الفكر الاقتصادى الواضح الموجود هو صندوق النقد الدولي من ناحية، والمعونات من ناحية أخرى؟-- مشاكل الاقتصاد هي كيفية اجتياز عنق الزجاجة التي نمكث بداخلها في هذه اللحظة، ثم كيف تتصورين على المدى البعيد، المشكلة أن أزمتنا أكبر من ذلك.. نحن ندخل في خلافات لا مبرر لها، من ضمن الأوهام عند الإخوان أن مصر، العالم الدولي لا يسمح لها بأن تسقط، كل ما كان لأي بلد مرتبطة بممارسات موقعها الجغرافي وحده ليس له قيمة، إذا تحدثنا عن حجم السكان، لكن حجم السكان جائع، فليس لها قيمة.الأمريكان يساندونهم لأنهم تصوّروا أنهم طرف قادر على حفظ استقرار مصر، فمع الأسف لم يعد لنا تأثير، شئنا أم لم نشأ حيزنا المعنوي انكمش.- النظام يعتقد أن السبب الأساسي وراء المشاكل الاقتصادية هو المظاهرات والمعارضة والإعلام.. كل ذلك يعتبرونه ثورة مضادة تعرقل الاقتصاد..-- كل أحد يواجه مشكلة لا يستطيع أن يعترف بأنه فشل، لكنه يبحث عن أشباح يُلقي على أكتافها المسؤولية، لم يستطع أحد أن يفتح فمه أمام الحقيقة.. الإخوان كانوا في زمن قدّموا فيه إنجازات معيّنة، لكن ما لم يستطيعوا فهمه أنه لا يستطيع أحد أن يشوّش على إنجاز حقيقي، إذا كان أحد لديه إنجاز قادر على أن يشرحه للناس وقادر أن يريهم أنه جاد لا يمكن أن يتعرّض لتشويش.- إلى أي مدى سيظل اللجوء إلى قطر.. قطر هي المورّد الأساسي للأموال والغاز، إذاً قطر لم تستطع تمويلك إلى النهاية؟-- هذه كارثة، فالنظام هنا لم يضر نفسه فقط، إنما أضر بأصدقائه، من المشاكل التي أراها أن هناك معركة قبلية تجري على أرض مصر، حيث إن هناك معركة تدور بين قطر والسعودية، القطريون أخطأوا في بعض الأشياء فقد أخطأوا مثلاً في «الجزيرة مباشر» بتأييدهم الظاهر للإخوان، لكنهم البلد الوحيد الذي قدّم مساعدات حقيقية من قبل، فهو أساء إلى نفسه ثم أساء إلى أصدقائه، نحن لدينا مشكلة إدارة وأولويات وفهم بلا حدود.- إذا وقّع صندوق النقد الدولي في برنامج، نحن سنلتزم به، وهذا البرنامج سيكون قاسياً على المواطن.. كيف سيتحمله؟ وهل يتمكن من تحمله؟-- تأخرنا في الحلول، فزادت التكاليف، المعونات الخارجية ممكن أن تخفَّف، عليكِ أن تثبتي وتتصرفي بطريقة الطرف الواثق، أنا مش فاهم قصة الطيارة الرئاسية ولا أريدها، ولا فاهم أين الصناديق الخاصة للرئاسة، هناك لغز لا بد أن ينكشف عنه الغطاء، لكن ممكن أن نخفف الأزمة على المواطن فلا بد من وجود شفافية في التصرُّفات، فهم يتجاهلون أزمة، ثم تقترب بحلول عاجزة.الفريق أحمد شفيق، لا تليق مطاردته بالإنتربول، الراجل كان في انتخابات رئاسة قبل أقل من سنة، وممكن يكون عمل أخطاء تستوجب الحساب، لكن بجانب الحساب توجد الملاءمة السياسية، والتصرُّف والاحترام أمام الآخرين، هذا الرجل أخذ ملايين الأصوات، اقترب بها من منصب الرئاسة، فإذا أردت أن أحاسبه أفعل ذلك بحُسن تصرُّف ولا أطلب من الإمارات تسليمه لنا.تطلبين من الإنتربول القبض عليه ثم يقول أنا عايز حكم قضائي قائم على العدالة، مهما كان عمل، لكن لما تاخديه على مشاكل أرض الطيارين، راعي أن هذا الشعب أعطاه 48٫5 % ليصبح رئيساً للبلد، وأنا موافق على حسابه، لا شيء يعلو على القانون، لكن لا بد أن يكون التصرُّف معه بشكل يصون كرامتك كنظام حاكم قبل كرامة الرجل الذي تطارده.- نأتي إلى الأزمة الأهم، وهى الأزمة الطائفية، ولك مقولة، هي «إن مهام الرئيس الأساسية نهر النيل والحفاظ على الوحدة الوطنية»، كيف تقيّم أداء الرئيس والحزب الحاكم تجاه ما حدث في الكاتدرائية هذا الأسبوع؟-- لو بحثنا في التاريخ سنجد ما يُسمى بالفتنة الطائفية، هي قريبة العهد، ويمكن القول إنها بدأت إما عام 1971 وإما 1972، وقبل ذلك كانت بمثابة «المشاجرات» البسيطة في قرية أو ريف ما، ولكن لم يتحدث عنها أحد كفتنة طائفية، وسنجد أن بطرس غالي الجد الكبير، كان الرجل البارز في البيروقراطية المصرية وقت «كرومر»، أي في وقت تنظيم الدولة المصرية، وإن من غطى عليها كثيراً هو «مكرم عبيد»، حيث كان يُعتبر الرجل الثاني في حزب الوفد، والرئيس عبدالناصر كان مدركاً خطورة الفتنة الطائفية، فعلى سبيل المثال قال لي الأنبا صموئيل ذات مرة إن البابا «كيرلس» لا يريد إحراج الرئيس عبدالناصر، لأنه كان يمنح لكل من شيخ الأزهر والبابا حق مقابلته في أي وقت، وإنه يخجل أن يطلب بناء كاتدرائية، وذهبت إلى الرئيس ورويت له القصة كلها، وفي اليوم التالي وجد الحل وأعطى الأوامر لبناء الكاتدرائية وكانت تكلفتها 2 مليون جنيه، في ذلك الوقت.أما عن عهد الرئيس السادات فقد بدأت الحوادث الطائفية قبل 1972، والأزمة الكبرى جاءت بعد ذلك، والإخوان بعد ذلك نشّطوا دورهم داخل الأقاليم، وبدأت الدعوة الدينية تزيد، وكان 300 أو 320 مبنى صغيراً تمثل ككنائس، لأن من المعروف أنه لا بد من الحصول على التصريح للبناء، فبدأ حينها الاحتكاك يظهر بين الطرفين، وبدأت الاعتداءات تزيد.وسأروي لك قصة وهي«أننى كنت جالساً في (الأهرام) وقال لي (السادات) إنني لست (جمال)، أنا لا أستطيع الجلوس وهناك لغم تحت الكرسي، وهو اللغم الطائفي، خصوصاً أن التقارير تشير إلى أن الأقباط يستفزون الناس، فقررت الذهاب إلى مجلس الشعب، وذهبت إليه حينها وتحدّثت معه وقلت له الحديث في المجلس سيفتح أبواب جهنم حينها، والبلاد ستدخل في مشاكل، وحينها اقتنع، واقترحت حينها تشكيل لجنة تحقيق بمجلس الشعب لإظهار الحقيقة أو وضع حلول للأزمة، ثم حدث اعتداء على الخانكة، وذهب (السادات) للمجلس وألقى الخطاب، واللجنة التي جرى تشكيلها قدّمت حلولاً متعددة، بعد الحرب كان علينا التأكد أن الإخوان انتعشوا».- لكن الأمر ازداد سوءاً بعد واقعة الزاوية الحمراء.-- الأمر ازداد سوءاً بعد الزاوية الحمراء، وبعد اغتيال «السادات»، وقرر «مبارك» حينها أن يفتح صفحة جديدة، وطلب من البابا شنودة أن يكتب للرئيس طلباً ولكنه رفض.-جماعة «الإخوان» أعلنت التأييد لـ«مبارك»؟-- لما وصل الإخوان إلى الحكم، كانت هناك حالة من التوجس الموجودة لأسباب متراكمة وهناك حالة من زيادة التظاهرات الدينية والاحتماء بالدين للتغطية على الثروة لتغطية الأخطاء، وفى أول الثورة الإخوان لم يكونوا في الصورة، وفجأة ظهروا، وكانت الثورة مدنية وعصرية بشكل كامل وحينها قَبِل الرأي العام مجيئهم إلى الحكم، لكن لم يفهم أحد الصفقات التي تحدث، فلا يمكن أن يأتي الإخوان إلى سلطة دون وجود تفاهمات.- تفاهم مع مين؟-- مع الأمريكان، وطالما سيصلون إلى الحكم فلا بد من الاتصالات معهم، وهناك اتصالات معلنة.- اتصالات مع الأمريكان والجيش؟-- علينا أن نفهم إن لم يكن الإخوان هم من حرّكوا الثورة ولم يكونوا طرفاً فيها وكان هناك فيتو دولي لمنع وصولهم إلى السلطة كما أن هناك محظورات محلية لهم، وفجأة أصبحوا في السلطة، وقال البعض علينا أن نمنحهم الفرصة، ولكن الأقباط شعروا بالوحشة عندما يقال إن الدين الإسلامي هو دين ودولة وإن كلمة الإخوان وكذلك وضع السيف والشعار لهم، وفى هذه الحالة إن لم أشعر بالقلق فأنا هنا رجل «بليد»، كما أنني أتصور أن المسلمين أيضاً شعروا بالقلق.- ولكن الخطاب العلني يتحدّث عن المواطنة؟-- لا أحد هنا يتحدّث عن المواطنة، وستجدين أن كلمة المواطنة بدأت بالذكر وليس المعنى، فهناك ألفاظ متعدّدة بدأت من أجل الإعلان على الرأي العام، ولكن في المجمل لا يؤدي إليها، وكنت أرى أن على الإخوان أن يتقدّموا بخطوة نحو الطرف الآخر شريك الوطن، وأرى أن على رئيس الجمهورية أن يحافظ على نهر النيل، لأنه المصدر الوحيد للحياة، وكذلك الوحدة الوطنية.- كانت هناك أحداث فتنة قبل وبعد تولي الرئيس مرسي للحكم، ولكن الاعتداء على الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، كيف تراه؟-- القضية الأساسية هنا هي كسر الحاجز الأساسي والإدراك أننا في وطن به دينان، وأن هناك أغلبية مسلمة وأن الأقباط قبلوا أن يكون الإسلام هو دين الدولة.- كيف رأيت رد فعل الدولة؟-- رد فعل الدولة سيئ الحظ. اكتشفت أن ما قاله «عاكف» بشأن إقالة الـ3000 قاضٍ صحيح.. لأنهم إذا نزّلوا سن المستشارين من 70 إلى 65 سيخرجون 2200 قاضٍ - سيئ الحظ أم سيئ الفعل؟-- كان سيئ الحظ للبلاد، فلديكِ مستشار الرئيس يقول إنهم السبب، وأجد آثار صدام موجودة داخل الكاتدرائية، إذن من اقتحم؟ ومن المؤكد أنهم ليسوا الأقباط.- كيف رأيت الغضب في بيان المجلس الملى؟-- لا أستطيع لوم أحد، هناك تأخير، كنت أتصور أنه، وقد جاء الحكم الإسلامي، أن يكون أكثر مما سبقه من الرؤساء في طمأنة شريك الوطن.- الرئيس مرسي لم يزُر كنسية واحدة؟-- تحدثت مع أحد كان مستشاراً له وقلت له «اجعلوا الرئيس يذهب لزيارة الكنيسة»، وقال لي «يا نهار أسود، يروح يزور الكنيسة»!- نعود إلى خطاب المجلس الملى، حمّل الرئيس والمؤسسة والرئاسة ما سماه بالتواطؤ؟-- أستطيع تفهُّم ذلك، خصوصاً أن هناك من قال صراحة «اللي مش عجبه يمشي»، فنحن الآن أمام مشكلة حقيقية، إن لم تدركيها فإننا سنكون أمام مقولة «ستدخلين في حرب»، وعلى الرئيس مرسي في تلك اللحظة أن يفكر في مبادرة عملية لحل الأزمة.- هل يشعر الدكتور مرسي أن الفتنة الطائفية تهدّد الوطن؟-- المشكلة أنني غير مدرك، هل فكرة الوطن واضحة أم لا، مشكلة الخلافة والعالم الإسلامي، التي تبدو مسيطرة على فكرة الوطنية.- هل نحن أمام فتنة طائفية حقيقية، أم خلافات بين أفراد؟-- نحن لسنا أمام فتنة طائفية فقط، فنحن أمام شرارة قريبة جداً من مستودع بارود وهذا خطر.- هل هناك محاولات لإفراغ المنطقة العربية من الأقباط؟-- باستمرار أشعر بالقلق على مسيحيى الشرق، خصوصاً مع تزايد الخطابات الدينية، فمثلاً في سوريا برزت جبهة هي جبهة النصرة.- حضرتك قلق على مسيحي الشرق؟-- إذا خرج مسيحيو الشرق منها، ستزداد هذه المنطقة فقراً فوق الفقر ثقافياً.- لا يمكن أن نفصل أزماتنا عن أزمات الإقليم، المحيطة بنا، الأسابيع القادمة، الرئيس أوباما سيلتقي بثلاثة من الرؤساء العرب، الأردن وقطر وربما تركيا، لماذا لا توجد مصر بينهم؟-- هناك رؤية بأن سوريا لم تعد بنفس الخطر على إسرائيل، ولذلك يكون اللقاء مع الأطراف الفاعلة، فكيف هذا الوطن يغوص في مشاكله ونصبح مؤثرين في الإقليم.- هل ترى أن مصر أصبحت غير مؤثرة في الإقليم؟-- من خلال قراءة التاريخ، العنصر الأمريكي يرى أن مصر عنصر مهم وثمرة كبيرة.