دراسة حول الاستبعاد الاجتماعي للنساء في عدن تؤكد:
عرض/ دفاع صالحتعرضت أوضاع النساء في عدن خلال الفترة الممتدة من اربعينيات القرن الماضي وحتى الوقت الراهن إلى تغيرات وتحولات مختلفة ارتبطت بطبيعة الظروف السائدة في تلك الفترات التاريخية التي سادت فيها وضعيات اجتماعية واقتصادية تعكس طبيعة التوجهات السياسية والفكرية والايديولوجية للقوى المهيمنة في السلطة وما ترتب عليها في نهاية المطاف من تأثيرات ايجابية كانت أم سلبية على تطور المرأة.هذا ما أشارت إليه دراسة (الاستبعاد الاجتماعي للنساء في عدن) للدكتور توفيق مجاهد سالم، وهي إحدى دراسات المؤسسة اليمنية للدراسات الاجتماعية.وقد بينت الدراسة التي عُرضت نتائجها خلال ندوة خاصة في عدن بمشاركة مجتمعية واسعة ـ العديد من القضايا والمواقف المتعلقة بالمرأة في الوضعيات التاريخية والاجتماعية المختلفة وقدمت في سياق ذلك المؤشرات التي يمكن من خلالها قياس مستوى التطور والتقدم في أوضاع النساء أو العكس.وأشارت الدراسة إلى أهم القضايا المتعلقة بالمرأة في عدن التي شملت حضورها في المجتمع وحجم وجودها في دوائر صنع القرار السياسي في هذه الفترة أو تلك، فضلاً عن مستويات التمكين والمشاركة في الأنشطة الأساسية الاخرى، ودرجة الاستجابة أو الرفض من أطراف المجتمع بفئاته وشرائحه الاجتماعية المختلفة، لمطالب التمكين والاندماج الاجتماعي للمرأة.وتناولت الدراسة الملامح العامة لأوضاع النساء في كل مرحلة من المراحل التاريخية التي تمت العودة إليها في الدراسة، وخلصت الدراسة إلى الملامح التالية:أولاً: اتسمت أوضاع المرأة في عدن خلال السنوات الأخيرة من الإدارة البريطانية لعدن، بعدد من المظاهر الدالة على التحول والتغير الذي بدأ يشهده واقع النساء، وقد تجلت هذه المظاهر بخروج المرأة إلى ميدان التعليم و انخراطها في عدد من ميادين ومجالات العمل، فضلاً عن حضورها في مختلف الأنشطة السياسية والثقافية والأدبية، وفي مجالات العمل الاجتماعي، خصوصاً أن عدن اصبحت في تلك الفترة مركز استقطاب بشري وثقافي وسياسي متعدد المصادر والرؤى.وأكدت الدراسة أن تلك الظروف السائدة التي اتسمت بذلك القدر من الحركة والديناميكية قد ساعدت المرأة على طرح ومناقشة العديد من القضايا المتعلقة بحقوقها السياسية والاجتماعية مع النخب السياسية ومن خلالها مع محيطها المجتمعي بفئاته وشرائحه المختلفة الأمر الذي كان له دور مهم ـ كما أوضحت الدراسة ـ في الاسهام بعملية التطور والتقدم الذي شهده واقع المرأة، والذي بدأت ملامحه الأولى تظهر منذ أربعينيات القرن الماضي.ثانياً: إذا كانت عملية التحول والتغير التي حدثت في أوضاع النساء خلال السنوات الاخيرة من حكم الإدارة البريطانية لعدن، قد بقيت محدودة كما أشارت إلى ذلك بعض الدراسات ـ لأنها شملت بعض طبقات النساء وليس كل النساء في المجتمع مع ان قوانين الاستبعاد والعزل اصبحت اقل صرامة، فقد ظلت العديد من معارك النساء مع القوى التقليدية من دون حسم ـ كما تشير الدراسة ـ ومن ذلك مثلا ـ معركة ارتداء الحجاب (الشيدر) أو المطالبة بحقوقها السياسية ومنها المشاركة في الانتخابات المحلية والتشريعية .. الخ، فإن جملة ما حققته النساء من مكاسب اجتماعية أم سياسية أم ثقافية أم اقتصادية في تلك الفترة ينبغي التعامل معها قراءة وتقييماً ـ كما أوضحت الدراسة ـ بحسب ظروف معطيات الواقع العيني الذي تحققت في سياقه التاريخي تلك المكاسب.ثالثاً: مرحلة ما بعد نيل الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م، وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية آنذاك وتبين من البحث والدراسة والتحليل للعديد من المعطيات النظرية ـ كما جاء في الدراسة ـ ان عملية التحول الجذري في أوضاع النساء في عدن والجنوب عموماً والتي قادت في نهاية المطاف إلى تمكين المرأة ومن ثمة خروجها التدريجي من دوائر الاستبعاد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي التي احاطت بالمرأة اليمنية وأعاقت وصولها إلى ممارسة حقوقها الطبيعية والقانونية قد بدأت عملياً مع نيل الاستقلال الوطني للجنوب، وقيام الدولة الجديدة التي جعلت من عدن عاصمة لها.وأشارت الدراسة إلى أهم العوامل التي ساعدت المرأة على تحقيق المكاسب في هذه الفترة ومن تلك العوامل:مكانة المرأة ووضعها القانوني في الدستور التي أكدت على المساواة وعدم التمييز بين مواطني الدولة، وأكدت على الحقوق المتساوية بين المرأة والرجل.طبيعة النظام السياسي وتوجهاته الفكرية والايديولوجية التي شكلت مواقفه المعلنة من المرأة التي اتسمت بالتأييد والدعم والمناصرة لحقوق المرأة وأهمية دورها في بناء الحياة الجديدة والمساهمة في صنع التحولات الثورية المنشودة.بفضل تلك الوضعية التي احتلتها المرأة في الدستور ومنظومة القوانين الجديدة للدولة، والموقف السياسي الرسمي الداعم لحقوق المرأة، فقد تجلت سياسة الدولة التي حاولت ترجمة هذه التوجهات من خلال:ـ العمل على تطوير مستوى المرأة ورفع مستواها التعليمي، وتعزيز قدراتها المهنية والمعرفية.ـ القيام بمجموعة من الاجراءات السياسية والاجتماعية تهدف من خلالها إلى تعبئة وحشد واسعين للنساء من أجل جذبهن إلى المشاركة في مختلف المجالات وميادين العمل الاجتماعي والنشاط الاقتصادي.وأوضحت الدراسة أن النساء العدنيات تمكن في غضون سنوات قليلة من تجاوز عوامل وآليات الاستبعاد والاقصاء الذي فرض عليهن خلال فترة ما قبل الاستقلال الوطني، وأصبحت المرأة تمثل شريكاً مهماً واساسياً للرجل في عملية البناء والتنمية بكافة جوانبها وأبعادها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وهو ما تجلى بدخول المرأة العدنية لأول مرة في تاريخها مجالات العمل في القضاء ودخولها البرلمان، ووصولها إلى مختلف دوائر صنع القرار السياسي.رابعاً: لخصت الدراسة عدداً من القضايا المتصلة بالاستبعاد والتمكين للمرأة في عدن منذ قيام دولة الوحدة عام 1990م، ومن هذه القضايا:تعرضت اعداد كبيرة من النساء لعملية تسريح جماعي من الوظائف والاعمال التي كن يشغلنها في عشرات المصانع والمؤسسات التجارية والخدمية والإدارية في القطاعين العام والمختلط بسبب عمليات الخصخصة والتملك والنهب ـ كما أشارت الدراسة ـ.من بين الآثار السلبية الناجمة عن تسريح آلاف النساء من هذه المؤسسات والقطاعات الاقتصادية، تزايد ظاهرة انتشار الفقر بين أوساط الأسر العدنية.يتبين من خلال بعض المؤشرات البيانية التي عادت الدراسة إليها، أن نسبة النمو الوظيفي بين النساء يقبع عند الدرجة صفر منذ عدة سنوات،وهذا ما يعني ضعف أو غياب الفرص أمام النساء للحصول على الوظائف أو الانخراط في مجالات الأنشطة الاقتصادية التي تشمل القطاع الخاص.وقد بينت الدراسة أن نتائج المسح الميداني والمؤشرات المستخلصة من آراء العينات المبحوثة أظهرت مستوى كبيراً من التقارب الذي يصل أحياناً إلى درجة التطابق في الآراء وعينة الدراسة المبحوثة من جنس النساء، والعينة المبحوثة من جنس الرجال، واستنتجت الدراسة من ذلك ان لهذا الاجماع والتوافق على القبول أو الرفض لمؤشرات الاستبعاد، دلالة مهمة وهي أن النسب التقديرية لمؤشرات الاستبعاد للنساء في عدن لا تعكس آراء أحد طرفي النوع الاجتماعي فقط وهو جنس النساء، بل تشمل أيضاً الطرف الأخر للنوع الاجتماعي.وأشارت الدراسة إلى أهم العوامل التي ساهمت في ظهور الاستبعاد الاجتماعي للنساء ومنها:غياب الخدمات الاساسية التي تمنح النساء فرص المشاركة في الأنشطة الاجتماعية على مستوى الاحياء السكنية وعلى مستوى المحافظة، مثل الحدائق العامة، مؤسسات الرعاية الاجتماعية، والتعليمية والأسواق والمراكز الثقافية والرياضية .. الخ.الشعور المتزايد لدى النساء، بأنهن لايتلقين أي دعم أو مساندة تناصرهن في مطالبهن المتعلقة بالحفاظ على تلك المكاسب التي تحققت لهن في الفترات السابقة.تنامي ظاهرة التعدي على النساء في الأماكن العامة، وعلى مستوى الأسواق والأحياء السكنية، في ظل تزايد الدعاوى المناهضة للمرأة من بعض الجماعات الاصولية المتطرفة.تدهور الوضع الأمني في عدن، تسبب بمزيد من تخلي النساء عن دورهن ومشاركتهن في الأنشطة الاجتماعية المختلفة.واختتمت الدراسة بعدد من التوصيات وهي:تعزيز الوعي القانوني والحقوقي لدى المرأة من خلال تشجيع مختلف الهيئات ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية للقيام بالدراسات والندوات والورش والدورات التدريبية للنساء في مختلف القضايا القانونية وحقوق الإنسان .. الخ.ضرورة قيام وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة بدور أكبر في مناصرة قضايا المرأة، والتصدي لمختلف أشكال الخطاب التقليدي المتشدد والمعادي لقضايا المرأة الحقوقية.دعوة منظمات المجتمع المدني والمؤسسات البحثية المختلفة إلى ضرورة القيام بدور أكبر في دراسة قضايا المرأة في عدن.تعزيز دور المنظمات النسوية والرسمية والمدنية والحزبية، للعمل بين أوساط النساء في عدن، بقصد تشجيعهن على الانخراط في مختلف الأنشطة الاجتماعية والسياسية.ضرورة تضافر جهود مختلف الهيئات الرسمية والشعبية، ومنظمات المجتمع المدني والنساء بشكل خاص من أجل ضمان تمثيل عادل للمرأة في الهيئات البرلمانية ودوائر صنع القرار السياسي بما لايقل عن 30 %.ضرورة تضافر الجهود المشتركة بين مختلف المكونات المجتمعية في عدن لمواجهة بعض الافكار والسلوكيات الصادرة من بعض الأفراد والجماعات المتطرفة للحد من ممارساتها العدائية تجاه المرأة، حيث باتت العديد من النساء والفتيات ـ كما تشير الدراسة ـ عرضة لاشكال من العنف اللفظي والجسدي، والنفسي من قبل هذه الجماعات في العديد من أحياء وشوارع عدن.