الخالة أم شدوان وخلطات العطور والبخور العدني الأصيل
لقاء / أشجان المقطريفي شوارع مدينة عدن، تفوح روائح زكية من مطابخ البيوت القديمة ، حيث تحرك النساء خلطات العطور على نار هادئة ويستخدمن وصفات قديمة حافظن على سريتها بعناية لصناعة البخور الذي تشتهر به المدينة.هذه الصناعة المنزلية الحرفية تشكل جزءاً من عادات وتقاليد أهالي عدن وساهمت على مر التاريخ في صناعة شهرتها، كما أنها سلعة مهمة جلبت لعدن ازدهاراًَ حضارياً قبل مئات السنين.والحرفة باتت اليوم من أبرز نشاطات المرأة العدنية في منزلها، ففي بلد معظم مواطناته منقبات وعاطلات عن العمل، تتيح هذه الصناعة المشخصنة لكل امرأة في منزلها أن تقدم للمجتمع القريب أو البعيد تحفتها الشخصية أو رحلتها الخاصة في روائح العود الهندي والعنبر والمسك السلطاني.وبمناسبة عيد المرأة لهذا العام 2013م وهو الثامن من مارس من كل عام، ولمزيد من التفاصيل التقت صحيفة (14 أكتوبر) الخالة أم شدوان من محافظة عدن مديرية الشيخ عثمان التي تعمل في صناعة البخور منذ (15) عاماً، وهو مصدر دخلها الوحيد الذي يسمح لها بإعالة أسرة مكونة من ستة أفراد، وتركت لها حرية الحديث فإلى التفاصيل.الحاجة هي التي دفعتني للعمل لأن التجار والمسؤولين لا يعانون مثلنا من غلاء الأسعار والمأكل والمسكن.. ومن ناحية أخرى عمل المرأة ومساعدة زوجها ليس بشيء مخجل، ولكن الرجال ينظرون إليه بهذه النظرة السوداوية وربما يغضب الرجل على زوجته لمجرد طلبها العمل ومساعدته في مصروف البيت.. أقول لذلك الرجل دعها تعمل فأنت لا تدري ربما تأتي عليك أيام لا تستطيع فيها أن توفر مصروفها وأولادك ودعها تعمل بالذي تحب هي ولا تشترط عليها.وفي ظل هذه الظروف الصعبة والأزمات نحتاج إلى مصاريف كثيرة بسبب الغلاء سواء في المواد الغذائية أو الكهرباء أو الماء وكذا مستلزمات ومتطلبات أولادنا في الدراسة وأيضاً المرض لا قدر الله.وقد تعلمت صناعة البخور من خالتي، فالمهنة متداولة ومتوارثة عبر الأجيال في عدن. لصناعة البخور أخلط العود والظفري والعفص والخظاب والمسك والعنبر إضافة إلى السكرو أنواعاً من العطور ثم أضع هذه الخلطة في إناء معدني مطلي بالعطر حتى تتحول إلى مادة صلبة فأقوم بتكسيرها بشكل عشوائي، وهكذا يصبح البخور جاهزاً للتوضيب والبيع.وصنع البخور طوال أكثر من (15) سنة أدى إلى إصابتي بضيق التنفس وأمراض الصدر الناتجة عن الأدخنة أثناء تجهيز البخور.ويمكن أن يصل سعر طبخة البخور العدني الجيد إلى (15 - 30) ألف ريال وأن معظم طبخات البخور لا تباع إلا في أفضل الأحوال ولا بأس بهذا الدخل المحدود بالنسبة لكثيرين في بلد يعد من أفقر دول العالم، مؤكدة أن البخور العدني متميز عن باقي أنواع البخور في الجزيرة العربية وهو مطلوب في دول الخليج منذ خمس سنوات، حيث أقوم بإعداد هذه الطبخات وأبيعها في (السعودية والإمارات) بواسطة إحدى قريباتي هناك.إن مكانة وجودة البخور العدني في المجتمعات الخليجية كبيرة جداً، فعطره المحترق فوق الجمر في المباخر المحمولة تحول عبر السنين إلى ما يشبه الضيافة أو الرمز الأصيل للكرم وهذا متعارف عليه.وفي مجالس الرجال والنساء، تدور المباخر المشتعلة بين المجتمعين ليغرف كل واحد من دخانها المتصاعد نحو ثيابه.والطلب على البخور العدني يتضاعف في مواسم الأعياد وفي فصل الصيف حين تكثر مناسبات الزواج ويأتي الزوار الخليجيون إلى المدينة الساحلية، ونستخدم البخور لتعطير المنازل بشكل يومي كما نقوم بتبخير الملابس عبر المشجب فلا يخلو بيت في اليمن من المشجب، علماً بأن المؤرخين يطلقون على مدينة عدن “مدينة البخور” و”مدينة العطور”.والجانب الأكثر سحراً في هذا النشاط الاجتماعي النسائي إلى درجة كبيرة هو السرية في الوصفات المتوارثة من جيل إلى جيل، فالتاريخ الحي لأجيال مضت يعبق بعطر البخور العدني.لذى أكثر النساء بمحافظة عدن يعملن في البخور، لما له من إقبال كبير.. فلكل طبخة سرها الذي لا تبوح به العدنية ما يجعل رائحة البخور تتفاوت بشكل كبير.وتضيف: “لكل امرأة سرها وهي تنقل هذا السر لابنتها فقط، لكن السر لا يكفي لوحده، والمهم أيضاً أن تكون المرأة شغوفة بما تقوم به ونحن نقول دائماً يجب أن يكون هناك شوق لطبخ البخور.