في إحدى خطبه النارية التي اشتُهر بها، أعرب الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز عن اعتقاده بأن "الإمبراطورية الأميركية تمثل الخطر الأكبر على كوكبنا".وبينما سعى منتقدوه في كثير من الأحيان إلى تصويره خطبه تلك على أنها تُظهر "تطرفاً غير مستثار وغير شعبي"، فإن شافيز ظل حتى مماته محبوبا جداً من غالبية أفراد الشعب الفنزويلي، من وجهة نظر أحد كُتاب الأعمدة في عدد من وسائل الإعلام الغربية والعربية.بهذه المقدمة بدأ مرتضى حسين -الكاتب المقيم في مدينة تورنتو الكندية والمتخصص في السياسة الخارجية- مقاله بصحيفة "ذي غارديان" البريطانية حاول فيه الإجابة عن سؤال حول الكيفية التي صدَّرت بها الولايات المتحدة ما سماها سياسة "الحرب القذرة" من أميركا الجنوبية إلى العراق وما ترتب عليها من عواقب مهلكة.يقول الكاتب إن معتقدات شافيز والآراء الدولية بشأن سياسة التدخل في شؤون الغير التي تنتهجها الولايات المتحدة، تبناها زعماء آخرون في أميركا الجنوبية.وبالنظر إلى تاريخ التدخلات الأميركية في تلك المنطقة بدءاً من الإطاحة بحكام انتُخبوا ديمقراطياً وانتهاءً بتكوين فرق الموت وتعذيب المدنيين، يمكن فهم الدوافع التي ساهمت في تشكيل رأي عام عدائي ظل موجودا في المنطقة حتى اليوم.غير أن حسين يرى أن مسرح الحرب الأصلية تحوَّل منذ ذلك الحين من أميركا اللاتينية (الجنوبية والوسطى) إلى منطقة الشرق الأوسط، ونُقِل معها كثير من الأساليب التي كانت متبعة خلال تلك الفترة، والتي تسببت في كثير من الدمار وأشاعت غضبا عارما.واستشهد الكاتب بتقارير صحفية تحدثت عن تلك التحقيقات التي تُجرى مع مسؤولين في أعلى المستويات بوزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) الذين أشرفوا على مراكز التعذيب إبان حرب العراق.على أن ما تقشعر له الأبدان أكثر، برأي مرتضى حسين، ما تردد عن استدعاء واشنطن مسؤولا أميركيا تمرس في "الحرب القذرة" التي كانت الولايات المتحدة تخوضها في دولة السلفادور لكي يُشرف شخصيا على مراكز استجواب المتهمين في العراق.ووفق وصف مسؤولين عراقيين، فإن هذا البرنامج تغافلت عنه أعلى الرتب العسكرية بالجيش الأميركي وجرى خلاله استخدام كل وسائل التعذيب لانتزاع اعترافات من المحتجزين كالصعق بالكهرباء، وتعليق الشخص مقلوباً، واقتلاع الأظافر.وروى الكاتب قصة قوة شبه عسكرية اقتحمت إحدى ليالي صيف 2008 منزل مواطن يُدعى حسن محسن في مدينة الصدر ببغداد، ووضعت البندقية على رأس كريمته الصغيرة.وهددت الفرقة بقتل البنت إذا لم يكشف محسن لها عن مكان أحد المشتبه بهم من المتمردين، ثم جرجرته إلى حيث مكان الاستجواب بعد أن أخبروا زوجته بأنها نهايته.لم تكن تلك القوة سوى عناصر من قوات العمليات العراقية الخاصة، وهي قوة من النخبة لمكافحة الإرهاب يُطلق عليها اسم "الفرقة القذرة" والتي يُعتقد أنها تلقت تدريبا وتوجيها من قبل مستشارين عسكريين أميركيين.وقد أُنشئت هذه الفرقة لتعمل بعيدا عن قيود الرقابة العادية. وتوصف الفرقة، التي تعمل اليوم أساساً كقوة شبه عسكرية تابعة لرئيس الوزراء نوري المالكي، بأنها "الحليف المحلي" للولايات المتحدة في العراق، وهو تعبير مخفف لقوة تُستغل في عمليات خاصة سرية.ومع أن منفذي العمليات السرية ظلوا يُساعدون في تدريب عملاء وإدارة مراكز الاستجواب، فإن تلك لم تكن نقطة الالتقاء الوحيدة بين سياسة الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية والشرق الأوسط.ويمتد ضلوع أولئك المشاركين في أعمال وحشية سابقة إلى واضعي السياسة أيضا. فشخصية مثل إليوت أبرامز -أحد أبرز المدافعين عن حرب العراق ومن المحافظين الجدد بمجلس العلاقات الخارجية- له "تاريخ أسود" مماثل في أميركا الجنوبية والوسطى قبل أن ينتقل إلى الشرق الأوسط.كما ساهم أبرامز هذا في فضيحة إيران كونترا بنقله أموالا من مبيعات السلاح إلى مليشيات نيكاراغوا المسلحة الساعية لإسقاط الحكومة اليسارية في البلاد.واليوم -يقول مرتضى حسين- فإن الرأي العام في تلك القارة منحاز بشدة ضد مصالح الولايات المتحدة. فإرث "الحروب القذرة" يبدو جليا في شعبية زعماء من أمثال شافيز، الذي صنعت منه مواقفه المستنكرة للإمبريالية الأميركية بطلاً تجاوز حدود وطنه.ولعل نفس السياسات الأميركية المرفوضة في ذلك الزمن يُعاد تكرارها اليوم في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. إن استخدام التعذيب، ورعاية القوى الطائفية التي تعمل بالوكالة، وتسهيل عمليات تنتهك حقوق الإنسان، كلها عناصر باتت سمة السياسة الأميركية في "الحرب على الإرهاب".ويختم حسين مقاله المطول بالقول إن أميركا اللاتينية والشرق الأوسط تربطهما آصرة مشتركة تتمثل في أن كليهما تعرض لتدخل عسكري وحرب سرية من قبل الولايات المتحدة.
أسرار “الحرب القذرة” لأميركا بالعراق
أخبار متعلقة