محمد مرشد ناجي ..
رحل عنا قامة فنية وثقافية وسياسية بطول وعرض هذا الوطن، وإن كنت اعتب وطني الرحب والفسيح الذي كان يشعرني بالاستقرار والأمان الدائم بتنفسه للحياة وحسِّه النابض بقلبه الكبير الذي اتسع ويتسع لكل محبيهوملايين الناس المعجبين بشخصه وفنه ولمواقفه.فها نحن نتذوق مرارة العلقم بفراقه عنَّا وعن دنيتنا ، فكيف سيكون العيش بدون الرمز والأب الروحي الذي كنا نعتبره كرامتنا في حياة الفن وحياتنا العامة وبوصلتنا التي ترشدنا عندما نتوه في مسألة ما في حياتنا الفنية ليرشدنا كي نسلك الطريق الصواب، فها نحن نضيِّع الطريق بفراقه عنا. إن وفاة أبي الروحي ومعلمي وقدوتي الفنان/ محمد مرشد ناجي نكبة كبرى بالنسبة لي ، وفُقْدَان وطن بكامله. ربنا يرحمه بواسع رحمته.ماذا أقول عن ( أبو علي ) الأستاذ / محمد مرشد ناجي، هذا العملاق والموسيقار الكبير الذي يكتنز في وجدانه أغلى وأثمن الدرر والجواهر في الخلق والإبداع الغنائي.وماذا أقول عن هذا الفنان والإنسان والمثقف والمناضل الوطني والقومي، ذو الرؤية السياسية الاجتماعية والثقافية الجريئة.ماذا أقول عن المرشدي المناضل الصلب الذي لم تنحن هامته لأيٍ كان مهما كبر اسمه أو شأنه، أكان في عهد الاستعمار أو ما بعد الثورة والاستقلال الوطني ، فظل شامخاً شموخ شمسان وعيبان، لا يطأطئ إلا لله.ماذا أقول عن ( أبو علي ) صاحب أعظم نغم أصيل، تفجر بروح ومعاناة الناس والبسطاء ، بهجةً وفرحاً وهموماً جسدها هذا الفنان الكبير عبرعشرات السنين.ماذا أقول عن هذا الطود - صاحب الموهبة الفذة بشموخها وسموقها وعن ملكته العذراء التي لا تجدها في أي فنان يمني ظهر من أقرانه والى الآن.[c1]أغنية ابن الجنوب[/c]وخسارة المرشدي منحة موسيقية بسببهاكلمات / محمد سعيد جرادةألحان وأداء / محمد مرشد ناجيكما جاء في أغنيات وحكايات حول هذه الأغنية وبعد أن انتهى المرشدي من وصلته الأولى العاطفية الغنائية في الحفل الذي كان لصالح (جمعية التمثيل والموسيقى الوطنية) تاريخ 6 /9 /1957م في مدرسة البادري ، وأغلق الستار حتى هاجـــت الجماهير وماجت، وعلا صوتها بما يشبه الاجتماع تطالب بِأغنيـــة (ابن الجنوب) ، ولم تكف عن الهيجان حتى انفتح الستار وبعد مرات من الإغلاق والفتح، لم يجد المرشدي مناصاً من تقديم الأغنية فقدمها. والجدير بالذكر أن المرشدي قد خسر منحة موسيقية إلى لبنان بعد أن قدم هذه الأغنية في الحفل وكان يعلم بهذه الخسارة لأنه قبل بدء الحفل رأى - أبو علي - في كتيب الحفل والمتضمن نصوص الأغاني التي سيقدمها الفنانون المشاركون في الحفلة ، أنه لم يتضمن الكتيب أي أغان وطنية، والمرشدي قبل هذا التاريخ قد حصل على وعد أكيد في مقابلة أجرتها له لجنة البعثات التابعة لإدارة المعارف برئاسة مستر ( سنيل) مدير المعارف بمنحة دراسية في الموسيقى على أن يوصي بترشيح المرشدي للمنحة للأخ الحاكم العام للمصادقة النهائية وانتظر المرشدي موافقة إدارة المعارف على المنحة له وجاءه الرد بالرفض. وصفت صحيفة ( الجنوب العربي ) حدث حفلة الجمعية بالقول ((عندما بدأ الفنان الأستاذ محمد مرشد ناجي يقدم أغانية مساء السبت الماضي على مسرح البادري هاجت الجماهير مطالبة بإنشاد نشيد (الجنوب) مما اضطر المشرفين على الحفل لعقد جلستين مستعجلتين تنظر في طلب الجماهير، وكانوا في البداية مصممين على عدم الاستجابة)). وكتب مندوب صحيفة الفجر ((الشيء الذي لا يمكن أن أنساه هو ذلك الحماس الكبير الذي بعثه الأستاذ محمد مرشد ناجي في الجماهير الغفيرة وذلك عندما أنشد (ابن الجنوب ) ...الخ. ومما يعبر عن هذه الحقيقة بجلاء قيام عامل كادح فقير بخلع قميصه ووضعه تحت أقدام المرشدي وما قام به عاقل آخر من وضعه وجره تحت أقدام المرشدي أيضاً تقديرا لفنه الوطني ناهيك عن عقود البنكنوت وساعات اليد الثمينة ... الخ)) واكتفي بهذا القدر.[c1]ابـــن الجنــوبأيّها الحاملُ أثقال القيوديا أخي في الأسى يا ابن الجنوبيا عديمَ الذكر في هذا الوجوديا حزيناً يوم أفراح الشعوبعيشُك الحاضرُ صمتٌ وجمودوخضوعٌ لتصاريفِ الخطوبهو بالخالقِ كفرٌ وجحودوبأخلاقِك نقصٌ وعيوبكيف تحيا يا أخا العقل ذليلامستضامَ النفسِ مهضومَ الحقوقكيف تسترضي وتستجدي الدخيلاهو يوليك أفانين العقوقكيف ترجو منه لِلُّعْزِ حلولاوهو يبغيك له عبداً مسوقيشتهي قهرك يبغي أن يحولا بين عينيك وأضواء الشروقمَزِّقِ القيد الذي غّل يديك وارمه من حالق نائي القرارحاربِ الجورَ الذي أضفى عليكمظهر الذُّل ويأس الانكسارقاومِ الظلمَ الذي جرّ إليكلقَ الليل وأشجانَ النهارولتهنْ نفسُكَ ما عشت لديكفهي ملكٌ وفداءٌ للدّيار[/c][c1]أغنية ( أنا الشعب )[/c]كلمات / علي عبد العزيز نصرلحن وأداء / محمد مرشد ناجي يقول المرشدي في أغنيات وحكايات أنه عندما سمع بنبأ ثورة (26) سبتمبرعام 62م سهر على تلحين أغنية ( أنا الشعب ) في نفس الليلة ويذكر أنه سجلها مع أغنية ( يا طير يا رمادي ) في المبرز الذي كان يملكه صديقه محمد عثمان ناصر في الشيخ عثمان وسجلهما - أي الأغنيتين ( أنا الشعب) و (الطير الرمادي) - بمسجل عادي وأرْسَلَ على الفور التسجيل إلى إذاعة صنعاء .وكان فناننا المرشدي يفتتح كل احتفالاته الجماهيرية في الداخل والخارج بهذه الأغنية وذلك لما لهذه الأغنية من شهرة بين الناس فهي انتشرت كما ينتشر النار في الهشيم وباعتقادي أنها من أقوى الأغاني التي دوَّت قبل نيل الاستقلال في الجنوب آنذاك. وفي كتابه (حكايات وأغنيات) يحكي المرشدي عدداً من الوقائع ارتبطت بهذه الأغنية ( أنا الشعب). وفعلاً كان المرشدي بأغانيه لسان حال الشعب ومن الشعب ، واستحق حب الشعب .[c1]أنــــا الشَّعـــبُأنا الشَّعب زلزلة عاتيةستخمد نيرانهم غضبتيأنا الشعب عاصفة الطاغية***أنا الشعب قضاء الله في أرضي .. أنا الشعبعلى قبضة إصراريسيُفنى كل جباريولن يقهر تياريأنا النَّصر لأحراري ، غداة الحشر في أرضي .. أنا الشعب***أنا الماضي .. تيقظت أرى مصرع آلاميأنا الحاضر ، أحلامي على مفرق أياميأنا المستقبل الزَّاحف في أرضي .. أنا الشعبإن للفنان المرشدي دوراً مهماً ومؤثراً في حياة الجماهير، وما حملتهأغانيه من شرر ولهب ، دلالة واضحة أن للفن شرارة تشعل اللهب المدِّمرالفاني.[/c]ونحن صغار استيقظنا على أغاني المرشدي اللاهبة وكوكبة من الفنانين معه قبل الثورة اليمنية ، هذه الأغاني تفجرت براكين ونحن نستمع لها أثناء رواحنا لمدارسنا في الصباح الباكر عبر مكبرات الصوت المتحركة أو من إذاعة صنعاء بعد ثورة 26 سبتمبر ، أو في الحفلات العامة التي سمعنا عنها بعد أن كبرنا، فكيف أنها - أي أغاني المرشدي - كانت تلهب الجماهير وتحثهم على النضال والحرية . لقد انتشرت هذه الأغاني بسرعة البرق في الداخل والخارج ورددتهاالجماهير وما زلنا نذكرها كما نذكر أسماءنا وأسماء آبائنا، وهذه الأغاني محفورة في جدار الوجدان لن ننساها ما حيينا وهي بحق تستحق أن تردد في أناشيد المدارس لكي تتعرف الأجيال على عباقرة الفن الذين استحقوا أن نطلق عليهم أبطالاً بمعنى كلمة (بطولة)، وكان على رأس هؤلاء، بَطَلُنَا المناضل الفنان (الأب) محمد مرشد ناجي صاحب هذه الأغاني اللاهبة/ أخي كبلوني/ أنا الشعب / ابن الجنوب نداء/ الحياة / امنعوا الهجرة / الطير الرمادي / شعبي ثار اليوم / هات يدك على يدي/ يابلادي / طفي النار / قاطعوا إسرائيل/ وعشرات الأغنيات التي استحق بها المرشدي لقب فنان الشعب .نم قرير العين يا أبي ومعلمي وأسطورتي سائلاً المولى أن يرحمك برحمته الواسعة وإن يسكنك فسيح جناته .. آمين.مُحِبَكْ وَوَلدُكْ