التوجيه التربوي في اليمن .. نشأته وتطوره
كتب/ كمال محمود علي اليقليلون من القراء الأعزاء هم الذين لايعرفون أمير الشعراء الشاعر أحمد شوقي رحمه الله ، وأقل منهم من لايعرف البيت الشعري الذي صاغه في تبجيل المعلم :قم للمعلم ِ وفــهِ التبجيلا ... كاد المعلم أن يكون رسولاوشوقي بعد أبيات من ذلكم البيت قال :وإذا المعلم لم يكن عدلاً ، مشى ...... روح العدالة ِ في الشباب ِ ضئيلاوإذا المعلم ساء لحظ بصيرة ٍ ....... جاءت على يدهِ البصائر حولا هو المعلم إذنً ، هذا الذي نعول عليه في العناية بالنشء ، وفي صلاح الأجيال القادمة ، فإما أن يكون صالحاً فتصلح الأجيال والبلاد ، وإما أن يكون غير ذلك ، فيكون الحال على ما لانرجوه ومالايسر .وإذا جاء ذكر المعلم ، جاء ذكر المفتش ، وكان الفقيد رائد القصة اليمنية القصيرة محمد سعيد مسواط قد جمع بينهما في قصته الشهيرة(( سعيد المدرس)) ، وقد القصة التي أوضحت خاتمتها رأي المدرسين في المفتشين وكراهيتهم لزياراتهم التفتيشية ، فنراه في آخر القصة يقول:(( وأخيراً وصل المدرسة ، يالحظه التعس .. ألا يزور المدرسة حضرة المفتش إلا في اليوم الذي يتأخر هو فيه .. إنها سيارته ، يعرفها كما يعرف (( المشاهرة )).إذن مادام قد وصل فليتقدم ، وماكاد يضع قدمه على الباب حتى ناداه المفتش : أستاذ سعيد، أجاب نعم ، فرد عليه: قابلني بعد الحصة ، بعد الحصة ، قالها متمتما ودخل يدرس مبلل الفكر شارد العقل يفكر في نتيجة هذه المقابلة ، هل سيخصم من ماهيته ، أم سينذره ؟))هكذا كانت العلاقة سيئة بين المدرسين والمفتشين، ولأن الشيء بالشيء يذكر، فلابد إذن مادمنا قد ذكرنا المعلم والمفتش وهي التسمية التي كانت تطلق قديما على الموجه التربوي حسب التسمية الحالية ، أقول لابد أن يأخذنا الحديث إلى كتاب صدر حديثا للأستاذ الدكتور علوي عبدالله طاهر، وهو من إصدارات خواتيم العام الفارط ، ويحمل عنوان (( التوجيه التربوي في اليمن .. نشأته وتطوره )) وعلى صدر الغلاف نجد العنوان متبوعا بالعبارة الآتية : ((مع مقدمة مستفيضة في شرح مفهومي التوجيه التربوي والسلوك الإشرافي للموجه ))والكتاب يقع في حوالي 120صفحة من الحجم الكبير ، وقد جاءت المقدمة الشارحة سابقة لفصول أربعة تعرض فيها الأستاذ د. علوي طاهر لكل مايمكن أن يمس عملية التوجيه التربوي في اليمن ، ولقد تناول في الفصل الأول السلطة الممنوحة للموجهين التربويين ، وكذا الخصائص الشخصية للموجه ، وأعقبه بالفصل الثاني الذي تعرض فيه لاتجاهات التوجيه التربوي ، أما الفصل الثالث فقد حظي بنصيب الأسد مابين دفتي الكتاب ، وأخذ أكثر من نصفه ، وحق له ذلك ، فلقد إ ستفاض الكاتب في بيان نشأة التوجيه التربوي في اليمن ومسيرة تطوره ، من حيث التسمية والأداء والأهداف والخصائص ومن حيث البناء التنظيمي ومهام الموجه وأسلوب عمله . وأفرد الباب الرابع للحديث عن مدير المدرسة كموجه تربوي أول في المدرسة ، ثم وضع الكاتب في نهايته جملة من المقترحات التي من شأنها - حد تعبيره - مساعدة الموجه التربوي في تنفيذ مهامه ، من وحي تجربته العملية في مجال التوجيه التربوي.والكتاب جاء ليلبي حاجة ملحة في الوسط التربوي ، إذ أن المكتبات اليمنية فقيرة بمثل هذا النوع من الكتب المتخصصة ، بل وأزعم أن موضوع التوجيه التربوي يكاد يكون موضوعا غير مطروق ، والمباحث فيه جد نادرة إن لم تكن منعدمة . وجهد الأستاذ د. عبدالله طاهر يتجلى في جمع كل هذا الكم من المعلومات المتناثرة هنا وهناك ، وضمها بعد الدراسة والتمحيص والتحليل ، وإبرازها في كتاب جامع يسهل على القارئ ذي الاهتمام الرجوع إليه دون عناء .ولعل كم المصادر والمراجع والوثائق التي اتكأ عليها الكاتب في بحثه هذا ليدل دلالة قاطعة على صدق ما أزعم ، لذا أرى الكتاب ذا فائدة قصوى للموجهين التربويين وللمعلمين على وجه سواء، وكم سيكون جميلاً لو أن وزارة التربية قد تنبهت إليه وعهدت إلى مطابعها أمر إعادة طباعته وتوزيعه على المدرس في عموم الجمهورية ليتسنى للموجهين والمعلمين معرفة الكثير والكثير مما لا أشك أنه يخفى عليهم، وبما يعزز روح الألفة بين المدرس الموجه ، وإعادة بناء علاقة صحية وصحيحة بينهما.