المؤرخ الدكتور سيد مصطفى سالم
نجمي عبد المجيد:الدراسات التاريخية التي أسهم بها الباحث المصري الدكتور سيد مصطفى سالم عن اليمن في العصور الحديثة، لم تغفل مكانة عدن وأهميتها في تلك الحقب وما عاصرته كموقع جغرافي وعسكري واقتصادي من تجاذب القوى الدولية وصراعات من حدودها البحرية حتى أبعادها البرية.هذه الصفحات ترفد عملية البحث في تاريخ عدن بعدة معلومات تتصل بحسابات الموقع وصناعة القرار، فلم تكن عدن نقطة يمكن لمن يسيطرعليها فصلها عن صراعات المنافذ البحرية والاقليمية والدولية، كذلك حالها مع الممرات البرية، ومن هنا تظل عدن أزمة جغرافية وقلقاً سياسياً لمن يحكمها ولا يدرك هذه العوامل المبرهنة عبر الأزمنة في صنع القرار المستند إلى المرجعية في ذاكرة هذه المدينة.عدن من المدن البحرية القليلة في العالم التي لايمكن تحديد مصيرها السياسي إلا عبر معرفة خارطتها الجغرافية، فهي مابين رمال الشواطئ التي تعد أولى الخطوات نحو مقدرتها على التحكم بمد البحر مع تحرك الأطماع، والمتصل بالجزر وخليج عدن وباب المندب، تبدو القلعة الحربية والاقتصادية المطلوبة في كل المراحل، وهي من هذا الوعي في معادلات السياسية لمنزلتها لاتحدد مصيرها بل مصائر ما يجاورها من المواقع الاقليمية والتوسع الدولي، وقد أدركت بريطانيا كل هذه الأسباب ما دفعها إلى وضع عدن في حساباتها التي أدخلت هذه المنطقة في دائرتها، وفي هذه الصفحات نستعيد من تلك المرجعية مايعيد لنا قراءة الراهن في وضع هذه المدينة.يقول الدكتور سيد مصطفى سالم عن علاقة بريطانيا بمنطقة الجنوب: (أما تاريخ انجلترا في جنوب الجزيرة العربية، فله أساس آخر، فهو يبدأ بشكل خاص باحتلال الانجليز ميناء عدن القديم عام 1839م، وما تبع ذلك من المعاهدات والاتفاقيات بين السلطات البريطانية في عدن وحكام الامارات خلال القرنين (19 و20)، وكانت حوالي التسعين حتى ذلك الوقت.وكان الغرض من هذه الاتفاقيات والمعاهدات، إيجاد مساحة برية خلف مستعمرة عدن متحررة من تدخل أية دولة أجنبية ومرتبطة بعلاقات ودية مع انجلترا.وكان هذا الغرض هو دافع الكابتن هينس ـ الذي احتل عدن سنة 1839م، وأصبح أول وكيل سياسي لها ـ في عقد معاهدة مع سلطان لحج بعد دخوله ميناء عدن، ثم اتفاقه مع رؤساء قبائل الصبيحة والفضلي ويافع السفلى والحوشبي. وتعتبر هذه الصكوك النواة التي نمت حولها بالتدريج محمية عدن، بالرغم من أن معاهدات الحماية الرسمية لم تعقد إلا بعد ذلك بكثير، وكان أولها مع سلطان، سقطرة، في سنة 1886م. وكانت بريطانيا تعنى من إقامة هذه العلاقات مع القبائل العربية التي تقطن حول عدن، بسلامة عدن نفسها، وسلامة الطريق البحري إلى الهند والشرق. والمعاهدات التي عقدتها بريطانيا مع هذه المحميات تتحد معظمها في جوهر واحد، وهي معاهدات بسيطة ذات مواد محدودة، تنحصر في أن حماية بريطانيا ستمتد على حاكم الولاية مقابل أن يتعهد هذا بألا يقيم أية علاقات مع أية دولة أجنبية، وهي في الوقت نفسه تلقي على الحكومة البريطانية مسؤولية الدفاع عن هذه المناطق المحمية ضد الاعتداء الخارجي وحمايتها ضد العدوان أو التدخل، وظلت هذه الحماية قائمة حتى بدأت الحرب العالمية الأولى، ففقدت فعاليتها إذ لم تكن هناك فرق عسكرية لصد الهجوم التركي على المحميات حيث كانت إنجلترا مشغولة عن هذا الميدان المحلي بما هو أهم في مجال العمليات الحربية العالمية. وقد أتاح خروج العثمانيين ـ كما رأينا ـ الفرصة للامام يحيى لأن يجدد مطالبه في هذه المنطقة فوجد الانجليز وأهالي المحميات أنفسهم أمام حاكم جديد أكثر عنفاً وأصعب عراساً مما كان عليه الترك.وقد اتخذت مشكلة الحدود مظهرها العملي قبل ظهور الامام، وكان النزاع من أجلها يتم بين الاتراك والانجليز، وهو النزاع الذي بدأ يتضح عندما بدأت مصالحهما في الاحتكاك. فقد احتلت انجلترا عدن سنة 1839م، وعاد الاتراك إلى احتلال تهامة اليمن سنة 1849م ثم وصلوا صنعاء سنة 1872م، وجعلوا من اليمن ولاية عثمانية. ومنذ سنة 1873م حتى بداية سنة 1902م، كانت الحدود تتذبذب بين النفوذ البريطاني والنفوذ التركي في اليمن. ولكن بين يناير 1902م ومايو 1904م، حددت الحدود بواسطة لجنة مختلطة انجلو ـ تركية، وفي اتفاقية 1913م الانجليزية ـ التركية أرست الحدود بينهما. وهكذا، فإنه عند بداية حرب 1914 ـ 1918م، كان داخل شبه الجزيرة العربية مقسماً من الناحية النظرية بين قوتين غير عربيتين، هما بريطانيا والامبراطورية العثمانية. ولكن هذا التقسيم النظري ـ الذي وضع على الخريطة ـ تجاهل الحقيقية الواقعة، وهي أن الجزء الأعظم في كل من مجالي النفوذ، كان في يد الحكام العرب والقبائل العربية.ذلك ما يقوله الكاتب في كتابه ( تكوين اليمن الحديث ) الصادر في عام 1963م. لم يكن موقع عدن وخليجها في بعد عن أهمية الجزر وباب المندب الذي يعد المدخل الأول إلى البحر الأحمر، وكانت الخلافة العثمانية قد اعتبرت أن استخدام البحر الأحمر ومضيق باب المندب طريقاً ملاحياً لبريطانيا بمثابة بداية لغزو غربي - استعماري آخر لهذا المكان بعد الوصول البرتغالي السابق. خشي العثمانيون من زيادة النفوذ الغربي في المنطقة لأنه يهدد مصالحهم فيها، غير أن المد البريطاني وجد عدة صعوبات في المنطقة. اهتم البريطانيون بعدن بعد أن وصفها الوكيل التجاري لشركة الهند الشرقية الانجليزية، بأنها مكان حصين ممتنع محاط بسور له ثلاثة أبواب مغلقة، وتحميه من جهة البحر الأحمر جزيرة ميون القريبة من باب المندب، أقيم عليها حصن قوي لا يمكن تجاوزه والدخول إلى البحر الأحمر. لذلك تصاعد الاهتمام البريطاني بعدن ومنذ عام 1618م وسعت نشاطها التجاري وعملت على إقامة وكالة لها في اليمن تشرف على مصالحها التجارية، كما بذلت بريطانيا عدة جهود كبرى منذ أواخر القرن الثامن عشر في مجال الكشف شواطئ البحر الأحمر من السويس إلى باب المندب، والغرض من ذلك اختصار الطريق البحري حول رأس الرجاء الصالح، واستخدام بدلاً عنه طريق البحر الأحمر إلى السويس ثم طريق الإسكندرية، وقد أرسلت شركة الهند الشرقية البريطانية السفينة روبن لمعرفة أحوال ومواقع البحر الأحمر في عام 1777م وكانت البداية من الهند نحو البحر الأحمر ونزلت في ميناء المخا، بعدها أرسلت بريطانيا عدة سفن استكشافية حتى عام 1831م في عمليات جمع البيانات المهمة عن شواطئ البحر الأحمر. عندما وصلت فرنسا إلى مصر في عام 1798م خشيت بريطانيا من هذا التحرك السياسي - العسكري الذي قد يصل إلى مستعمراتها في الشرق الأوسط وكذلك الهند، لهذا وجهت اكبر اهتمامها للسيطرة على البحر الأحمر ومدخله الجنوبي عدن، وما قرب منها، فقامت باحتلال جزيرة بريم عام 1799م لعرقلة الملاحة الفرنسية في هذا المكان والحفاظ على مستعمراتها في الشرق، ولكنها انسحبت منها في العام نفسه بعد أن وجدتها غير صالحة للعيش. في عام 1856م كتب المقيم السياسي البريطاني في عدن البيريجادير كوجلان، في تقريره إلى حكومة بومباي، اقترح فيه استيلاء بريطانيا على جزيرة بريم التي لها الموقع الاستراتيجي في مدخل البحر الحمر، وقد جاء في كلامه حول هذا الموضوع: ( انه إذا ما تم شق قناة السويس فان احتلال بريم سوف يزيد الثقل البريطاني في تلك المنطقة ). إن احتلال هذه الجزيرة سوف يساعد بريطانيا على التحكم في موانئ الساحل الإفريقي ومدخل البحر الأحمر، كذلك شرح بان هذه الجزيرة إذا أصبحت تحت الحماية البريطانية، فان وضع قوة بحرية صغيرة فيها سوف يكون كافياً لمراقبة المضايق وتفتيش أي سفينة تمر بها، ومن هذه الرؤية السياسية قامت بريطانيا باحتلالها مرة أخرى في عام 1857م بعد أن عرفت قيمتها الخطيرة التي تتحكم بالملاحة الدولية كذلك شعرت بان أهميتها سوف تتصاعد عند فتح قناة السويس، وقد تم الافتتاح بتاريخ 17 نوفمبر 1869م، وقد ادعت بريطانيا أن احتلال الجزيرة أمر له من الضرورةلارشاد سفنها الداخلة والخارجة من وإلى البحر الأحمر، ومنذ تلك الحقبة جعلتها بريطانيا قاعدة عسكرية ضمن القواعد الحربية في جنوب الجزيرة العربية.اما عن الصراع الدولي حول هذه الجزر من عام 1919م حتى 1923م وموقع عدن في هذا التنافس العالمي يقول الكاتب الدكتور سيد مصطفى سالم في كتابه (البحر الأحمر والجزر اليمنية، تاريخ وقضية)، الصادر عام 2006م :(أما الجانب الثالث الذي أثر في تقرير مصير تلك الجزر عقب الحرب العالمية الأولى فهو الجانب الدولي، أي الصراع الدائر بين كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا منذ سنوات طويلة حول أوضاع الحوض الجنوبي للبحر الأحمر وجزره.من المعروف ـ كما أوضحنا من قبل ـ حرص بريطانيا الشديد على تأمين مواصلاتها في البحر الأحمر، وعلى الا تضع قوة أوروبية أخرى قدميها على سواحل الجزيرة العربيةـ أو الجزر القريبة منهاـ باعتبار أن الجزيرة العربية جزء من مواصلاتها إلى الهند. ورسمت هذه الثوابت سياسة بريطانيا تجاه هذه الجزيرة وهذا البحر طوال القرن التاسع عشر الميلادي، وتجاه فرنسا وإيطاليا عندما أشتد نشاطهما على الشاطئ الإفريقي. وقد استمرت هذه الثوابت تلعب دورها في فترة الحرب الأولى، وفي مؤتمر الصلح، وحتى عقد معاهدة لوزان عام 1923م كما سيتضح عند عرض النقاط التالية: أولا:وافقت إيطاليا على المادة (12) من معاهدة لندن في 26 إبريل 1915م عند انضمامها إلى جانب الحلفاء في الحرب الأولى، وهي المادة الخاصة باعلان كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا أن الجزيرة العربية والأماكن الإسلامية المقدسة بها يجب أن تبقى تحت سيطرة قوة إسلامية مستقلة. ثانيا: في المادة (10) من اتفاقية سايكس ـ بيكو المنعقدة في 16 مايو 1916م تعهدت بريطانيا وفرنسا بأنهما لن يطالبا لأنفسهماـ كما لن يوافقا لطرف ثالث ـ بامتلاك إقليم الجزيرة العربية، أو يقيم قاعدة بحرية على الساحل الشرقي أو في إحدى جزر البحر الأحمر. وهذا لا يمنع أن تقوم بريطانيا عند الضرورة باعادة حدود عدن إلى ماكانت عليه قبل الإعتداء التركي الحالي عليها. ثالثا: رأينا أن بريطانيا تعقد اتفاقية 22 يناير 1917م مع الادريسي، وتدفعه إلى رفع علمه على جزر فرسان لخوفها من قيام إيطاليا بأي عمل لاحتلال تلك الجزر كما ظهر ذلك من إلحاح السفير الإيطالي في لندن في السؤال عن مصير فرنسا والتعبير عن رغبة إيطاليا في احتلالها، وذلك خلال عام 1916م.رابعاً: في 2 ديسمبر 1918م عقب عقد مؤتمر الصلح في باريس ـ تقدمت إيطاليا بمذكرة للمؤتمر بخصوص إقرار أوضاعها الإستعمارية في إفريقيا. وقد جاء في هذه المذكرة أن إيطاليا باعتبارها تسيطر على إحدى الدول الإسلامية وهي إريتريا في البحرالأحمر، فإنها لاتقف مكتوفة الأيدي بالنسبة لتوازن القوى في هذا البحر، أو بالنسبة للأوضاع السياسية في الجزيرة العربية التي تواجه مستعمراتها إريتريا. التجارة مكفولة بها، وأن الأماكن المقدسة ستكون في أيد إسلامية، فقد طلبت إيطاليا لذلك كله أن تحتل هي جزر فرسان. خامساً: نوقشت محتويات المذكرة الإيطالية في المؤتمر أكثر من مرة، وقد رد المندوب البريطاني في 21 يناير 1919م على ما جاء بها بخصوص جزر فرسان، بأن مطلب إيطاليا باحتلالها هذه الجزر يتعارض مع مصالح بريطانيا السياسية والإستراتيجية، وأنها قد أصبحت من ممتلكات الإدريسي، وأن إنجلترا قد اعترفت بذلك. وفي 15 مايو1919م، ناقشت لجنة الاستعمار مسألة تعويضات إيطاليا في إفريقيا طبقاً للمادة (13) من معاهدة لندن في 1915م ـ فلاحظت اللجنة أن جزر فرسان كانت من ضمن المطالب، بحجة أن ألمانيا كانت قد حاولت وضع قدميها فيها، ولكن معارضة حكومتي بريطانيا وإيطاليا قد أبطلت المسعى الألماني، وأن هذا يخول إيطاليا أن ترث ألمانيا فيما بعد هزيمتها في الحرب .سادساً: جاء في مذكرة اللورد ملنر المؤرخة 6 يونيو 1919م والمقدمة إلى الوفد البريطاني في مؤتمر الصلح أن لدى إيطاليا طموحاً غير محدود في الجزيرة العربية ويجب الرد عليها بأن بريطانيا لاتسمح بأي تدخل أجنبي في هذه البقعة . ورأيي أن مطالبة إيطاليا بأن تكون الجزيرة العربية ضمن تعويضات الحرب، إنما هي محاولة فقط من جانبها لجس النبض، وأن على إيطاليا أن تدرك أنها إذا لم تتوقف عن ذلك، فإن بريطانيا سوف تتوقف عن التسامح معها في التعويضات التي تطالب بها في شرق إفريقيا وخاصة في الحبشة. سابعاً: في 10 يونيو 1915م كانت بريطانيا قد احتلت جزر بريم وكمران وحنيش وزقر وجزر الفنارات وهي أبوعلي والزبير وجبل الطير ورفعت علمها عليها. وفي مؤتمر الصلح حرص الوفد البريطاني ـ في الرسالة المؤرخة 20 يونيو 1919م إلى وزير خارجيته ـ أن تنص المادة الخاصة بكمران على أن تبقى إدارة هذه الجزيرة في يد بريطانيا لخدمة الحجاج. ورأى الوفد في مذكرته التوضيحية الموجهة إلى الوزير البريطاني ، أن إدارة بريطانيا للمحطة الصحية سوف تعتمد على اتفاقية باريس في عام 1903م الخاصة بتأسيس تلك المحطة، ولأنه لم يظهر حاكم عربي يدعي ملكيتها أو إدارتها إلى الآن ، وأنه إذا ظهر هذا الحاكم فالأمر سيزداد تعقيداً لأن بريطانيا عندئد ستجد صعوبة في مقاومة رغبات الدول الأخرى في تشكيل مجلس إدارة دولي لها، ولمحت المذكرة كذلك إلى ضعف إدارة الشريف حسين في الحجاز وأنها لا تصلح لإدارة المحطة بكمران ، وأنه إذا عهد إلى حاكم عربي إدارة الشؤون الصحية في كمران فسوف يخلق هذا متاعب فنية لا تنتهي ، وربما يؤدي هذا إلى إدارة دولية، كما رأت كذلك انه سوف توضع اتفاقية جديدة تنظم العمل بالمحطة الصحية فيما بعد.ثامناً: في 10 سبتمبر 1919م، أرسل السفير الفرنسي في لندن إلى وزير الخارجية البريطاني رسالة يطلب فيها إعادة إدارة فنارات المخا وجزر أبو علي والزبير وجبل الطير إلى إدارة الفنارات العثمانية على وجه السرعة ، لتقوم الشركة الفرنسية صاحبة الامتياز بإدارة هذه الفنارات وصيانتها كما كان الأمر قبل الحرب غير أن بريطانيا رأت أن ملكية هذه الفنارات سوف تعتمد على القرار الذي سيتخذه مؤتمر الصلح عند النظر في وضع اليمن والجزر التي تقع في الجزء الجنوبي من البحر الأحمر ، وقد استمرت المفاوضات طويلاً بين بريطانيا وفرنسا حول قضية الفنارات كما سنرى .تاسعاً : اختلفت الآراء المتبادلة بين المسؤولين البريطانيين في لندن أو في باريس في مؤتمر الصلح، في بداية الحرب ( يونيو 1915م). غير أن هذا الرأي كان يضعفه أنه يجعل حليفتها - فرنسا وإيطاليا - تطالبان بمزيد من التعويضات في البحر الأحمر أو خارجه ، كما سيثير غضب الحكام العرب، وذهب رأي آخر إلى أن تكتفي بريطانيا بضم الجزر ذات الأهمية الدولية التي بها فنارات ، وهي جبل الطير، والقمة الوسطى من مجموعة جزر الزبير، وأبو علي وذلك لرعاية الفنارات بالإضافة إلى جزيرة كمران لإدارة المحطة الصحية بها على أن تدار جميعها من عدن ، أما باقي الجزر فتضم مجموعة جزر فرسان إلى الإدريس وتضم جزر الزبير وزقر ، وجزر حنيش إلى الإمام يحيى.وكان يحيط مختلف الآراء على تنوعها شروطاً أساسية وهي أن بريطانيا لا تفكر في وضع الجزيرة العربية والجزر المحيطة بها - كما حددتها الخريطة التي وضعتها الأدميرالية البريطانية عام 1919م تحت نظام الانتداب ، وفي مقابل ذلك على الدول المتعاقدة (الحلفاء) أن تعترف أن لبريطانيا مصالح خاصة في تلك المنطقة المحددة وعلى تلك الدول ألا تسعى إلى كسب أي نفوذ سياسي أو توسع إقليمي بها ، وعليها أيضاً أن تعترف بكل المعاهدات التي عقدت أو التي ستعقد بين بريطانيا و الرؤساء العرب الذين داخل هذه المنطقة (المعنيين ).وأملت بريطانيا أيضاً أن تعترف الدول المتعاقدة بأن هذه الجزر هي جزء من الجزيرة العربية ، وأنها سوف تصبح من ممتلكات الحكام العرب المعنيين ، الذين سيكونون على علاقة خاصة مع بريطانيا ، وأن هذه العلاقة- ستنظم مباشرة- وجهاً لوجه - بين الطرفين دون أن تعرض هذه العلاقة بأي شكل من الأشكال - على مؤتمر الصلح ، وأن على الحكام العرب أن يعترفوا بالأمر الواقع لبريطانيا في هذه الجر، وذلك خلال المعاهدات المنعقدة أو المنتظرة ويبدو أنه كان من الصعب على بريطانيا أن تحقق كل هذه الرغبات دونت تضحية وفي وقت قصير.عاشراً: وضعت الأدميرالية البريطانية خريطة ( 1919م ) تحدد فيها الجزيرة العربية والجزر المحيطة بها، ورسمت خطاً يبدأ من رأس خليج العقبة ثم يلف حول الجزرة العربية إلى رأس الخليج العربي ، وتضم هذه الخريطة جميع الجزر التي تعنينا في البحر الأحمر إلى جانب الجزيرة العربية ، وهي جزر فرسان وأبو علي والزبير وجبل الطير وكمران وزقر وحنيش وميون ( بريم) ، ما يؤكد أنها جزر يمنية كما ظهر في الخريطة غير أن رئيس القسم البحري في الوفد البريطاني في باريس تقدم بمذكرة خاصة بأهمية ضم جزر الفنارات الثلاث أبو علي ، الزبير ، جبل الطير ، إلى بريطانيا، وأوضح فيها ثلاث نقاط أو محاذير :1. إن إدارة الفنارات نفسها جنباً إلى جنب مع الإدارات الوطنية العربية ، لا تبدو أنها سوف تبرهن على ترتيب مرضي.2. سوف تقود بريطانيا عملية منع تهريب السلاح وتجارة الرقيق ، وامتلاك هذه الجزر سوف يساعدها على ذلك ، لكن إذا امتلكها الحكام العرب، فقد يتأثرون بإغراء الأموال الإيطالية ويكون هذا عائقاً لجهود بريطانيا).إن طرق البحر من عدن وإلى خارجها تفتح مثل هذه القضايا ليس في السابق فحسب بل تفرض نفسها على الراهن في التنافس الدولي على هذه المدينة وما يتصل بها من جزر ومنافذ تعد السيطرة عليها من المشاريع السياسية التي لا تخرج عن دائرة الصراعات بين الدول الغربية التي تستعيد من الماضي هيمنة المركزية العسكرية والاقتصادية.