أطفال التسول.. معاناة لا تنتهي!!
تحقيق / زهور عبداللهأن تجبر الطفل ظروفه على التسول فذاك شيء وان يجبره والده على التسول فذاك شيء أآخر.. ما اقسى أن ترى طفلا وقد اثقلته الهموم وتلاطمته لفحات الشمس الحارقة وانسلت إلى جسده برودة الجو في الليل تاركة على وجهه آثارا دامية .. تراه يمد يده يمنة ويسرة إلى الناس وتتجاذبه عيون المارة بشفقة لتسقط عليه بعض الريالات بعد أن تنتهكه آلاف الأهوال والهموم ..ما يثقل الكاهل أن يدفع الأب بابنه وفلذة كبده إلى التسول للحصول على « حق القات « وكأن القات » أصبح أحب إليه من ولده.[c1]خوف ورعب[/c]الطفلة هناء البالغة من العمر 10 سنوات تمسك بقوة بيد أختها الصغرى وعيناها ممتلئتان بالخوف والرعب بين صفوف السيارات المتقاربة أمام جامعة صنعاء تقف أمام السيارة تلو الأخرى محاولة الحصول منهم على ما تيسر .. ثم تستوطن الرصيف حينما تهم السيارات بالانصراف السريع . . تستوقفك براءتها خوفها وترقبها ..أشياء كثيرة مختبئة في عينيها الصغيرتين المحفورتين في وجهها الملائكي،منظرها يثير الشفقة والتساؤل في نفس الوقت .. ترى ما قصة هناء ولماذا تمتلئ عيناها بالخوف والرعب .. أسئلة كثيرة تواجهك إذا تأملت تلك الطفلة الغريبة ؟هناء.. لم تعرف من الهناء والراحة سوى الاسم فقط توفيت والدتها وهي تبلغ 5 سنوات من عمرها ووجدت نفسها وحيدة مع أختها الصغرى ووالدتها في منزل يكاد يخلو من كل شيء .. لم تلق هناء نفسها إلا وهي مسئولة منذ نعومة أظفارها على أختها الصغرى وعلى منزل وعلى أب لا يعرف الرحمة .تقول هناء يوقظني أبي في الصباح الباكر لآتي بقيمة الغداء ثم أعود مجددا لآتي له بقيمة القات وإذا لم أوفر له قيمة القات يظل يضربني ويشتمني ويردني إلى الشارع ليلا ولا يفتح لي الباب إلا إذا أتيته بقيمة «ربطة قات» .وتضيف هناء : ما يبقيني دوما خائفة انه في احد المرات لم استطع توفير قيمة القات لأبي فاخرجني بعد المغرب مع أختي إلى الشارع وعندها حاول رجل اللحاق بنا ولكننا كنا قريبتين من المنزل فعدنا اليه ومن ذلك اليوم وعندي خوف شديد من الناس جميعا واخاف ايضا على اختي .[c1]حرمان من التعليم[/c]يتعرض الاطفال المتسولون الى الاستغلال الجنسي والبدني وللعديد من مخاطر الطرق والمواصلات والى الارهاق الجسماني المستمر كون بنية الاطفال ما زالت في طور النمو والاكتمال . كما يعانون من سوء المعاملة والحرمان والاهمال من الاسر والحرمان من التعليم .عمر طفل في التاسعة من العمر يتنقل من جولة الى اخرى ويتسول من سيارة الى اخرى ومن المارين جميعا يحاول جمع ما يمكنه من شراء ربطة القات لوالده. عمر لم يكمل سنته الدراسية الاولى بل خرج من المدرسة الى الشارع ومن التعليم الى التسول . يقول عمر : احب المدرسة كثيرا واتمنى لو اني استطيع ان ادرس واتعلم كبقية الاطفال ولكن أبي منعني من الدراسة وحرمني من التعليم ويخرجني صباحا من البيت ويقول لي « ياويلك ترجع بدون حق القات «.عمر يقضي معظم وقته في الشوارع ما بين تسول ولعب ولا يعرف طريق البيت سوى الظهيرة ليعطي والده حق قيمة القات ثم يعود الى الشارع ليرجع في منتصف الليل ..فمن المسئول يا ترى عن مصير هذا الطفل والذي اردف قائلا : اصعب المواقف حزنا عندما اقف الى جوار المدرسة وارى زملائي الذين كنت معهم وهم يدرسون.[c1]حقوق الطفل[/c]ينص الاعلان العالمي لحقوق الطفل على « وجوب كفالة ووقاية الطفل من ضروب الاهمال والقسوة والاستغلال وان لا يتعرض للاتجار باي وسيلة من الوسائل وان لا يتم استخدامه قبل بلوغ سن مناسبة وان لا يسمح له بتولي حرفة او عمل يضر بصحته او يعرقل تعليمه او يضر بنموه البدني أو العقلي أو الأخلاقي « حيث أن من حق الطفل في اليمن أن يعيش كبقية اقرانه .[c1]استغلال مادي وجسدي[/c]اكدت دراسة أمريكية حديثة أجراها بعض الأطباء النفسيين أنه يوجد أكثر من 100 مليون طفل مشرد في العالم، أربعة ملايين منهم يعانون من الشلل الدائم بسبب العنف الذي يتعرضون له أو إصابتهم بجروح نتيجة الحروب المحيطة بهم، وأربعة ملايين طفل آخر يعيشون لاجئين في المخيمات.وتقول الدراسة إن هؤلاء الأطفال منذ ولادتهم وهم على اتصال دائم بالشارع، فالأبوان يمتهنان التسول أو حرفًا بسيطة مثل العمل في جمع النفايات، فنجد الآلاف من هؤلاء الأطفال يولدون في الشوارع ويترعرعون فيها، حتى يتحول الشارع إلى بيت لهم، وأعمار هؤلاء الأطفال المتسولين تقع بين ست وثماني سنوات وتمثل الإناث الغالبية العظمى منهم.وينحدر غالبية الأطفال المتسولين من أسر بسيطة جدًّا أو تكاد تكون معدمة تتميز بكثرة عدد أفرادها، ويعيش غالبية هؤلاء الأطفال في بيوت بسيطة تتكون في معظم الأحيان من غرفة واحدة، والوالدان غير مثقفين أو بمعنى أصح أميين، ويدرس الغالبية منهم في المرحلة الابتدائية، ثم يتركون الدراسة بعد ذلك ليقضوا أكثر من خمس ساعات في التسول خارج المنزل وبتشجيع من أمهاتهم وآبائهم.وغالبا ما يتعرض الطفل المتسول الى الاستغلال المادي والجسدي وعادة ما يتجه بعض الاطفال المتسولين الى السرقة ويرجح الباحثون الى ان الاطفال الذين يتسولون عادة ما يحبون هذه المهنة بعد ممارستها لفترة طويلة لانهم يجدون في الشارع نوعا من الحرية الوهمية والتهرب من معايير الحياة الاسرية وتشددها برغم انهم في داخلهم يودون الرجوع الى البيت والعيش في ظروف مغايرة ومستقرة. ويقول العلماء النفسانيون ان الاطفال الذين في الشوارع يلازمهم الشعور بالقهر من الظروف القاسية وربما يلجا الى أي شيء امامه لممارسته مثل المخدرات او الخمر وايضا نجد ان نفسية الطفل المتسول متعبة جدا ونجده لا يثق باي احد ويتنامى عندهم الاحساس بعدم القدرة على الاندماج في المجتمع. ويرجح علماء النفس إلى انه غالبا ما تدفع الطفل ظروفه إلى ممارسة مهنة التسول وأحيانا يكون احد الأبوين عاملاً أساسياً للدفع بالطفل إلى التسول ويحدث ذلك نتيجة الظروف الاجتماعية والاختلافات العائلية فلا يوجد أبوان سويان يدفعان بطفلهما وفلذة كبدهما إلى الشوارع للتسول ومعاناة الاهوال .