المتحف الذي شكل تاريخ عدن
عرض وتلخيص / خالد سيف سعيد ترجمة : الأستاذ/ محمد أحمد مقبلكتيب من عشر صفحات عن متحف التواهي بعدن، أصدرته مطابع حكومة مستعمرة عدن في سبتمبر 1967م أثار فضولي للبحث عن مترجم لترجمته من اللغة الانكليزية إلى اللغة العربية، لمعرفة ما يحتويه هذا الكتيب من معلومات تاريخية مهمة عن المتحف التاريخي «متحف التواهي» إلى أن وجدت أستاذي القدير محمد أحمد مقبل أحد الأستاذة الأفاضل في سلك التربية والتعليم، فهو موجه تربوي متقاعد في اللغتين العربية والانكليزية، عمل مديراً لمدرسة طلبة أبناء الجيش في العام 1957م، وانتقل في العام 1963م إلى إدارة المعارف بحكومة مستعمرة عدن، وبعد الاستقلال عين مديراً لمدرسة الزحف الأحمر، ثم مدرساً وموجهاً في مدرسة الثورة والجمهورية وثانوية نوفمبر للبنات في الشيخ عثمان، وفي العام 1989م أحيل إلى التقاعد، وهو حالياً لا يزال أمد الله في عمره مرجعاً في اللغتين العربية والانكليزية وقدوة تربوية عالية يحتذى بها في هذا الزمن الرديء.على العموم الكتيب يتألف من مقدمة وثلاثة أقسام:المقدمة:قام المهندس براين دو (B. DOE) بكتابة مقدمة الكتيب (المهندس براين دو من كبار مهندسي إدارة الأشغال العامة بعدن، ومن مواليد عدن، عين في مايو 1960م مديراً لإدارة الآثار بعدن).ويقول براين دو في مقدمة الكتيب إن المتحف تم بناؤه من الهبات التي حصل عليها صندوق متحف عدن التعاوني، وأن حكومة عدن ساهمت في نفقات المتحف ما بين الحين والآخر، تحت إدارة مجلس الأمناء، وأن المتحف المتواجد في دار الآثار اشترته الحكومة - حكومة مستعمرة عدن من مجموعة كيكي منشرجي (هو من مواليد عدن في العام 1873م، فهو حفيد التاجر ووكيل التموين للبواخر - الهندي الزرادتشي) بيد أن هناك قطعاً أصلية أخرى ستضاف وستعرض في المتحف.ويؤكد براين أنه منذ خمسين عاماً أنشئت مجموعة أو مجمع كيكي منشرجي عندما جاء أفراد من القبائل إلى عدن بأشياء ذات نزعة فنية قيمة وروائع أبدعتها مهارات يدوية رفيعة فاشتراها التاجر العدني الشهير المتعهد لتموين السفن.ويشير إلى أنه لسوء الحظ فإننا لا نعلم حقيقة أماكن هذه القطع الأصلية، ولكن من خلال التحري الأخير بدا أن نسبة كبيرة ربما جاءت من أرجاء وادي مرخا، فبعضها تبدو أنها وجدت في ضرائح جماعية تبين منها عدة قطع تحمل الاسم نفسه ومنها قطع أنصاب (تماثيل) في نوع من الرخام في الواقع تصور حكام مملكة أوسان، وهذه المملكة كانت ذات أهمية كبيرة بيد أن السبئيين احتلوها في القرن الخامس قبل الميلاد فمكانتها قد هبطت بدرجة كبيرة وظلت باقية مئات السنين في منطقة جنوب شرق بيحان.كما أشار براين إلى الأشياء المعروضة القائمة في هذا المتحف والتي تعطي شهادة وافية لحضارة ازدهرت في هذه المنطقة قبل عهد المسيح، فنستطيع أن نتعلم منهم أنهم وحدت صناعتهم طرائق تجارية هائلة امتدت عرض الجزيرة قبل ظهور الإسلام إذ كانت القوافل تسافر عبر البلاد من أرض البخور (ظفار) في الشرق مقابل شواطئ البحر الأبيض المتوسط.وأشار براين إلى دولة قتبان ومملكة حضرموت ذات قوة موازية في الشرق وعاصمتها شبوة وإلى مدينة تمنع ذات الأهمية والتي تمتد على بعد أميال قليلة من بيحان فهي عاصمة قتبان إحدى المملكات التي حكمت ساحة الجنوب العربي وكانت البلدة مسرحاً مهماً وخطاً لتجارة البخور يفضي من حضرموت باتجاه الغرب إلى اليمن حينذاك.القسم الأول: المعتقدات الدينية القديمة في الجنوب العربي:في هذا القسم يتطرق إلى بلاغات علماء الآثار وروايات المسافرين وكذا النقوش التي تتحدث كثيراً عن المعابد التي كانت الآلهة تعبد فيها، ومثلاً على ذلك فمأرب كان لديها (17 معبداً)، وفي صرواح قرية حديثة بأكملها كان يعيش فيها حينذاك أكثر من مائة شخص في منطقة كانت من قبل تحيط بمعبد واحد من معابدها القديمة.وان تلك المعابد لها سقوف وشرفات وبروح وقاعات وهياكل ومنصات للخطابة، إلا أن منها معابد كانت بدون سقوف تفضي إلى السماء وتصميم هذه المعابد إما بيضاوي أو مستطيل الشكل، والآلهة لا تتمثل في المعابد بالرموز النجومية فحسب وإنما في تماثيل بشكل إنسان أو حيوان.وعن تقاليد الحجاج بزيارتهم إلى المعابد والمقدسات، مشهودة لهم بذلك وفي تلك المناسبات كانت مباشرة الرجل للمرأة محظورة، ولا توجد دلائل على صلاة جماعية بل صلاة فردية ولا تؤدى الصلاة في مواضع أخرى، بل في المعابد.وعن الآلهة كان يتوسل إليها بالخشوع والتضرع كي ينال منها الاستحسان والمنافع وتشكر الآلهة دوماً على ما قد وهبتهم منها: الصحة، وتحقيق رغباتهم أو السعادة والحماية وصنائع الملك الجميلة، وإخصاب المزارع وكثرة ولادة النساء وجمال وقوة الأطفال والأمان بين الأمم ومشروعات أخرى حديثة ذات أهمية ويؤول كل الفضل والإحسان إلى حماية الآلهة منها: إقامة المعابد والمنازل والأبراج والمشارف الزراعية وسن الشرائع والقوانين وجسور خزانات المياه والأعراف السياسية وكانت كل ذلك تعلن عنها عند تأسيسها باسم الآلهة.وكذلك عن دفن الموتى، حيث كان الموتى يدفنون في ضرائح مختلفة أنواعها وعادة ما توضع في صخرة متميزة، كان يحفر قبر بسيط عادي مثلاً، ثم ترمى عليه حجارة ذات معلم مميز.بينما في حضرموت تكون المقابر مستقطعة غالباً من جوانب الوادي عمودية ومداخلها محمولة بكتل من صخور متكسرة مهلهلة غير لاصقة بعضها ببعض من الجبل.القسم الثاني: أشياء معروضة في المتحف:في هذا القسم من الكتيب يستعرض بعض التماثيل ورموزها ويحدد أرقام المعروضات الأثرية كالآتي:تمثال كرأس ثور هو خير مثال لشيء منذور به ويوضع الرأس على لوحة منحوتة كتابتها ذات خاصية لا نظير لها ليس فقط من حيث حالتها المتميزة، ولكن من حيث المهارة اليدوية الرائعة.وتمثال الوعل الذي كان ذا أهمية دينية، ولم يكن إلا تصميماً خيالياً شائعاً لصناعة النحت للجنوب العربي القديم، وكثيراً ما كانت تدرج في الهندسة المعمارية التفصيلية، وسطوح المنازل في الجنوب العربي آنذاك كثيراً ما تزخرف بقرون الوعل المقدسة.وهناك البرونزيات المعروضة يعتقد أنها قد صيغت لضرائح مملكة أوسان الملكية وللأهمية الخاصة، يوجد مصباح له مقبض من وعل ضخم (1378)، وكذلك يوجد تابوت ذو غطاء (1362) ذي محور مدار مزدوج خارق للعادة، وعلى أحد أطرافه رأس خروف، وأحد الثيران معروض (1402) وهو يبين حشوة من الطين الخزفي الفخاري كي يستطاع رؤية تركيب الشغل البرونزي، وهذا الأسلوب المعروض والشهير في الأزمان القديمة هو طريقة الشمع المذاب المفقود بهذه الطريقة كانت القاعدة الطينية بشمع مشرق.وتماثيل النسور التي تمثل رمزاً لإله كانت ترسم في الجنوب العربي القديم، المصباح البرونزي الداعي لاهتمام اله نسر منحوت في ستار مكشوف (1379) فهي قطعة فريدة لا مثيل لها في هذه المجموعة (الحاجز).وهناك القطع المرقمة (781،771،791) التي هي جداول مقدسة قربانية تبين رأس ثور استفيد منه لتزيين منافذ القنوات المائية.وأشير في الكتيب إلى أنواع من التصاميم في الأواني والأطباق تعمل ايضاً من الجص (ومعروضات منفصلة) من السلع الرخامية ودائماً ما يكون لديها زخرفة مميزة تتخذ أشكالاً بنحت تزييني دال على طراز يساعد لصناعة شيء آخر يمكن رؤيته في (1251)، (992،1027) والمادة الأخيرة، التابوت ذو الاطلاق المشقوقة الآنف الذكر هذا الشكل من التصميم أو النمط المستفاد منه كدليل على أشياء أخرى كثيراً ما كان يغالى بحشوه لسد ثقب به.وهناك العديد من الانماط الأخرى الرائعة من تماثيل صغيرة وكبيرة رخامية موجودة على المعرض، ومن صفاتها الخاصة المتميزة، طريقة وقوفها وجلساتها: أن أذرعها في الاتجاه المعاكس لجوانبها - بسواعد مندفعة نحو الأمام والأيادي قابضة، ومعظم هذه المعروضات مائلة على قواعد مستطيلة منقوشة أمام الوجه باسم الشخص وعشيرته وأسرته. القسم الثالث: النقوشفي هذا القسم الأخير من الكتيب يتطرق إلى لغة جزيرة العرب العربية السابقة والمدونة بنقوش منحوتة على أحجار بصورة جيدة حيث يستفاد منها كوثائق رسمية “كالخرابيش الكتابية” والحروف الأبجدية تطابق أشكال حروف أبجدية الساميين الصامتة والأخرى وتشابهها.وايضاً يتطرق إلى فك الشفرات والنقوش السالفة والتي قام بفكها العالمان الآثاريان إميل رودجر عام 1837م ومينوس عام 1841م عندما قاما بفك وترجمة النقوش في نقب الحجر من النقوش المجمعة من ساحات الممالك اليمنية الأخرى.وعن وجود نخبة معتبرة من أنماط نقوش مختلفة عرفت ما قبل الإسلام بما في ذلك طريقة الكتابة الاغريقية القديمة (1318) وعن تلك الحروف المنقوشة والبارزة في (1291، 1298، 1299) كالحرف (أى، بي، سي، أي، ألف، باء، سين، كاف) كان آخر نمط استفيد منه كنقوش مهمة أساسية أثناء القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد.وفي نهاية الكتيب تم عرض الكتب المدونة، والتي زودت بالكثير من المعلومات المفصلة حول الآثار القديمة، وعادات وتقاليد الجنوب العربي، ومعظم المنشورات يمكن شراؤها في عدن (حينذاك).وفي ختام العرض والتلخيص ينبغي اعطاء صورة موجزة عن متحف التواهي:متحف التواهي الواقع بجانب بوابة الميناء، وفكرة إنشاء وبناء المتحف جاءت بعد تشكيل لجنة أمناء من المهتمين بالحياة الثقافية، وبعد ذلك أصدرت لجنة الأمناء نداء لتمويل وبناء المتحف الجديد للآثار، وقدمت بلدية عدن أرضية لبناء المتحف في العام 1960م وكانت بداية العمل للبناء في العام 1965م وفي 12 / 3 / 1966م قام عالم الآثار البريطاني مورتيمير ويلر (M.Wheeler) وهيئة الأمناء الخاصة بالمشروع بوضع الحجر الأساس، رغم أن المتحف كان في بداية البناء، وفي العام 1967م تم افتتاح المتحف بعد ترتيب محتوياته، وكان يضم صالات العرض ومخازن الآثار والإدارة مع معمل للترميم أي (ترميم المعروضات والتماثيل).ومن معروضات المتحف الجديد كانت هناك مجموعة فريدة من آثار الممالك اليمنية القديمة غطت فترة 3000 عام من الحضارة في كافة مناحي الحياة، وعرضت نماذج من النقوش والتماثيل القديمة والقرابين وأدوات الحياة اليومية والعملات إلى جانب الحلي.بعد الاستقلال سمي المتحف بالمتحف الوطني للآثار، وأعيد افتتاحه في 24 / 7 / 1970م بواسطة رئيس الوزراء المرحوم محمد علي هيثم حينذاك بعد إعادة تنظيم محتوياته وترميم القطع فيه بالارقام الجديدة، وظل هذا المتحف حتى عام 1982م وانتقل المتحف إلى كريتر (قصر 14أكتوبر) (قصر السلطان - بالرزميت) وأعيد افتتاحه رسمياً في 29 / 11 / 1984م (انظر ندوة عدن - ثغر اليمن مايو 1999م ص66).